الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 87الرجوع إلى "الرسالة"

الأنتكيرة هي أنكلتيرة

Share

نعود إلى الكتابة في هذا الموضوع مقتنعين بعد مراجعات  طويلة بصحة رأينا أن الأنتكيرة في النص الذي نقلناه عن لسان  الدين بن الخطيب في كتابة   (الإحاطة)  هب انكلتيرة وهي بالقاف  بدل الكاف   (انتقيرة)  اسم مدينة ذكرها ياقوت في معجمه،  فقال إنها حصن بين مالقة وغرناطة. ومنها أبو بكر يحيى بن  محمد بن يحي الأنصاري الحكيم الانتقيري من أصحاب غانم،  روي عنه إبراهيم بن عبد القادر بن شنيع إنشادات قال: كنا  مع العجوز الشاعرة المعروفة بابنة ابن السكان المالقية، فمر علينا  غراب طائر فسألناها أن تصفه فقالت على البديهة: ملا غراب بنا ... يمسح وجه الربى قلتُ له مرحباً ... يا لون شعر الصبا

وقد ذكر القلقشندي في صبح الأعشى   (ص ٢٦٩ ج٥)   الحادثة التي ذكرها لسان الدين بن الخطيب، فقال إنه لما هلك  الهُنْشة بن بطرة سنة ٧٥١هـ في الطاعون الجارف ولي ابنه  بطرة، وفر ابنه القمط إلى بَرْشَلونة، فاستجاش صاحبها على  أخيه بطرة فأجابه، وزحف إليه بطرة فاستولى على كثير من  بلاده، ثم كان الغلب لقمط سنة ٧٦٨هـ، واستولى على بلاد  قشتالة، وزحفت إليهم أمم النصرانية، ولحق بطرة بأمم الفرنج  الذين وراء قشتالة في الجوف بجهة الليمانية وبرطانية إلى ساحل  البحر الأخضر وجزائره، فزوج بنته من أبن ملكهم الأعظم  المعروف بالبنس غالس وأمده بأمم لا تحصى، فملك قشتالة  والقرنتيرة، واتصلت الحرب بعد ذلك بين بطرة وأخيه القمط،

إلى أن غلبة القمط وقتله سنة ٧٧٢هـ واستولى القمط على ملك بني  أدفونس أجمع، واستقام له أمر قشتالة، ونازعه البنس غالس مالك  الإفرنجة بابنه الذي هو من بنت بطرة، وطلب له الملك على عادتهم  في تمليك ابن البت، واتصلت الحرب بينهما، وشغله ذلك عن  المسلمين، فامتنعوا عن أداء الإتاوة التي كانوا يؤدونها إلى من  كان قبله، وهلك القمط سنة ٧٨١هـ

وهذا النص الذي ذكره القلقشندي فيه ما يمكن به الاهتداء

في أمر أمة الأنتكيرة التي وصفها لسان الدين بن الخطيب،  ولكن فيه غموضاً في سرد تلك الحوادث لبعدها عن القلقشندي،  وقد كانت حوادث جديدة في عصره لم يتقرر أمرها ولم تدون في  كتاب من كتب القوم الذين كانت في بلادهم وقائعها

وإنا نسوق من تاريخ هؤلاء القوم الحوادث التي اكتنفت  هذه الحوادث التي وردت في ذينك الكتابين   (الإحاطة)  ز   (صبح  الأعشى)  معتمدين في ذلك على كتاب تاريخ ملوك فرنسا لمونيغورس  الفرنسي من مؤرخي القرن التاسع عشر الميلادي، وعلى كتاب  تاريخ إنجلترا الجورجي زيدان

كان أدورد الثاني ملك إنجلترا زوجاً لايزابيلة أخت كرلوس  ملك فرنسا   (١٣٢٢ - ١٣٢٨م)  فأرسل إليه أدورد الثاني  ابنه برنس غالس ليهدي إلى فرنسة دوقية غيانة، فسافر إلى فرنسا  وأدى ما كلفه به والده

ثم انقضى عهد أدورد الثاني على إنجلترا، وقام بعده ابنه أدورد  الثالث وهو ابن إيزابيلة أخت كرلوس ملك فرنسة، وكان كرلوس  قد توفي وقام بعده على ملك فرنسة ابن عمه فيلبس دوولواس، فنازعه  أدورد الثالث هذا الملك، ورأى أنه أحق به منه لأنه ابن أخت  كرلوس، وأما فيلبس فليس هو إلا ابن عمه، وقد أعان أدورد الفلمند  على فليبس وحملهم على مبايعته بملك فرنسة سنة ١٣٤٠م، ويقال إنه  في ذلك الحين تقلب ملوك إنجلترا بملوك فرنسة وحملوا أسلحتهم ثم اتصلت الحروب بين أدورد الثالث وملوك فرنسة، وقد  أرسل إليها ابنه أدورد برنس غالس   (أوف ويلس)  وكان يعرف  بالأمير الأسود لسواد دروعه وأسلحته فاستولى على بعض أقاليمها،

وأسر ملكها يوحنا لوبون سنة ١٣٥٥م ثم أقام فيها حاكماً عليها،  وقد بعث في مدة إقامته بها حملة إلى أسبانيا لمساعدة بيدرو الظالم  فتحمل بسببها ديوناً كثيرة أدت إلى اعتلال صحته، ثم حارب  محاربة أخرى فاز بها، ولكنه لم ينل جزاء عليها، ثم حدث  ما ألجأه إلى السفر إلى إنجلترا، فمات بها عن ولد اسمه ريكاردوس  فضعفت شوكة إنجلترا في فرنسو، ولم يبق إلا قليل منها في طاعة  أدورد الثالث، وقد أثر فيه موت ابنه حتى مات حزناً عليه  سنة ١٣٧٦م بعد وفاة ابنه بسنة وخلفه ورتشرد الثاني   (ريكاردوس)   ابن الأمير الأسود وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وكان قد قام في  فرنسة كرلوس الخامس   (١٣٦٤ - ١٣٨٠م)  واستعان في أمره

بالفارس المعروف   (براتراندد غسقلين)  وما زال يترقى هذا الفارس  حتى صار أمير الجيوش الفرنسية، وجرت له حروب مع الإنجليز  أسروه فيها ثم ردوه إلى بلاده، فأرسله كرلوس إلى إسبانيا سنة  ١٣٦٦م ليعاقب بطرس لوكريل   (الجبار)  ملك قسطيلة    (قشتالة) ، وكانت رعيته قد كرهته، وثقل ظلمه عليها، فخلعه  وولى بدله أخاه هنري داتر نستمارة، وقد اصطحب دغلسقين معه  في تلك الغزوة عصابات من الجنود التي كانت قائمة بحفظ البلاد  الفرنسية التي تركت للإنكليز، فلما انقضت مهمتهم تجمعوا  أحزاباً، وصاروا يعيثون في أرض فرنسة، فأنقذها دغسقلين  منهم بأخذهم معه إلى إسبانيا وإلحاقهم بجند هنري الذي أقامه  ملكاً عليها

وكان يعاصر ملوك فرنسة وإنكلترا المذكورين من ملوك قشتالة  الفونس الحادي عشر   (١٣١٢ - ١٣٥٠م)  وبيدرو   (١٣٥  - ١٣٦٨م)  وهنري الثاني   (١٣٦٨ - ١٣٧٩م)   ولا شك أن الفونس الحادي عشر هو الهنشة  ابن بطرة الذي ذكر القلقشندي أنه مات في  الطاعون الجارف سنة ٧٥١هـ وهي توافق سنة  ١٣٥م، وأن بيدرو هو بطرة بن الهنشة الذي  ملك بعد أبيه في هذه السنة إلى أن قتل سنة ٧٧٢هـ  على ما ذكره القلقشندي وهي توافق سنة ١٣٧٠ن،  ولعل قتله كان سنة ٧٧٠هـ لأنها هي السنة التي  توافق سنة ١٣٦٨م، وأن هنري الثاني هو  أخوه القمط الذي ذكر القلقشندي أنه مات  سنة ٧٨١هـ وهي توافق سنة ١٣٧٩م

وقد كانت المنافسة قائمة في ذلك العصر بين  فرنسة وإنجلترا، ولكل من الدولتين أنصار من  الدول الأوربية، وكانت أحوال السياسة ف هذا  العصر قائمة على هذه المنافسة، فلما قان النزاع  على ملك أسبانيا بين ابني الفونس الحادي عشر    (بيدرو وهنري)  أنضم بيدرو إلى إنجلترا، وانضم  هنري إلى فرنسة، ولا شك أن تلك الحملة  الفرنسية التي أرسلها كرلوس الخامس فرنسة

كانت من المساعدات التي لقيها هنري   (القمط)  حينما التجأ إلى  ملك برشلونة، فأمده بجيش من عنده وزحف على أخيه بأمم  من النصرانية كان منها تلك الحملة الفرنسية لأن تاريخها الميلادي    (١٣٦٦م)  يوافق السنة الهجرية التي ذكر القلقشندي أن  القمط تغلب فيها على أخيه بطرة   (سنة ٧٦٨هـ)

أما الإنكليزية التي وجهها لبرنس غالس   (أوف ويلس)  إلى  أسبانيا حينما التجأ إليه بطرة بن الهنشة فكانت بعد الحملة الفرنسية  السابقة وبها تمكن بطرة من خلع أخيه القمط والاستيلاء على ملك  أسبانيا إلى أن قتله أخوه القمط سنة ٧٧٢هـ أو سنة ١٣٦٨م  والفرق بينهما سنتان على ما قدمنا، وجنوده هذه الحملة هي جنود  الانتكيرة التي أعجب ابن الخطيب في كتاب   (الإحاطة)  بقتالها،  ولا يصح بعد هذا شك في أن الأنتكيرة هي أنكلتيرة كما هو رأينا

اشترك في نشرتنا البريدية