الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 72الرجوع إلى "الرسالة"

الخط الديواني الملكي

Share

ازدهر الخط العربي في صدر القرن الماضي، وظهر في عالم  الفن جمهرة من القادرين على إجادته وإتقانه، وكانت الأستانة يومئذ  كعبة الآمال، ومرجع أفذاذ الرجال في الفنون العربية الجميلة.

بلغ من ولوعهم بهذه الصناعة أن تخذها الخلفاء والسلاطين  مفخرة يفخرون بإجادتها وإحسانها، وزينة يدلون بها على أساتذتها  وأساطينها، فكان السلطان (محمود)  يجيد خط (الثلث)   (وجلي الثلث) ولا تزال (لوحته)  القيمة التي خطها بقلمه  الجميل تحتل الصدر من (المسجد الحسيني) .

وصار على أثره السلطان عبد المجيد، فكان خطاطاً وسطاً  لم يبلغ شأو أبيه. . . وله قطعة كبيرة تتصدر (القبلة)  في ذلك  المسجد.

تطاول الخط على سائر الفنون الجميلة منذ أحبه الخلفاء  والسلاطين وعلت مكانته يوم أن فتحت قصور العواهل على  رحباتها لكبار الخطاطين، يعلمون الخلفاء ذلك الفن الجميل.

ودام للخط العربي هذا الحظ الميمون، والآستانة تصدر  إلى العالم العربي من سحره الفاتن وجماله الرائع، ما خلب اللب،  واستولى على النفس، حتى وفد على القاهرة المرحوم عبد الله بك  زهدي بدعوة من خديو مصر إسماعيل.

جاء ليكتب (الكسوة) بعد أن كتب الحرم النبوي  الشريف، فلقي من لدن ولي الأمر التعضيد والتأييد.

وكان يومئذ في مصر نهضة مباركة، نشأت في شخص  المرحوم محمد أفندي مؤنس، ولكنها كانت في حاجة إلى إذكائها  وتنميتها، فطلع   (زهدي)  على الناس، بخط الكسوة وسبيل  أم عباس، وتداولت الأيدي بعض نماذجه في الثلث والنسخ.

فكانت بادرة سعيدة، صعدت بالمرحوم مؤنس إلى الذروة  العليا من ذلك الفن البديع.

وكان الرجل خيراً بفطرته، فأخذ يذيع فنه على الناس  ويعلمهم إياه، لا ينتظر أجراً ولا شكراً، فكانت داره يومئذ أشبه

بمدرسة داخلية، يتعلم فيها الطلاب وينعمون بحديقتها الرحبة،  بل يأكلون ويشربون.

ومن يومئذ بدأ الخط يتحول إلى القاهرة، وكانت العناية  شديدة بإتقانه وأجادته، وكان له شأو رفيع وشأن جليل في المدارس  الابتدائية والثانوية بله العالية.

تلك خلاصة موجزة بسطتها بين يدي القارئ، لأستطيع  التحدث إليه عن فتح جديد في الخط العربي، طلع به علينا الفنان  النابغة الأستاذ مصطفى بك غزلان رئيس التوقيع بديوان جلالة الملك.

فقد يعرف المتتبعون لتاريخ هذا الفن أن الخط الديواني نقل  فيما نقل من الآستانة إلى مصر، وكان خطاً خاصاً لا يعرفه عامة  الشعب ولا يقرأه دهماء الناس، بل كان قاصراً على   (الفرمانات  الشاهانية)  (والإرادات السنية) ، التي تصدر عن السلاطين،  إلى الولاة، ثم على براءات الرتب والنشانات.

ولما كانت مصر يومئذ تابعة للدولة العلية، وكانت تلك  الدولة هي صاحبة الحق في منح هذه الرتب، وتلك النشانات  فالبراءات إذن تأتي من دار الخلافة مكتوبة ممهورة بخاتم الدولة  إلى أن رخص للولاة والخديوين بمنح الرتب المحدودة  القيمة، يومئذ اختير لكتابتها بعض الأتراك الذين يعرفون هذا  النوع، وهم قليل حتى في الآستانة؛ فقديماً كان كتاب آل عثمان  يستأثرون بهذا النوع من الخط لأنه كان الخط الرسمي للباب العالي  كما قدمنا؛ ومن ثم كانوا يعدونه من الأسرار الفنية التي لا تزاع  لجمهور الخطاطين، ليكون مرجعها إليهم ومفتاحها بأيديهم، أما  بقية الخطوط فلها نماذج مختلفة بأقلام أساطين الفن على اختلاف  مراتبهم.

واليوم بفضل الرعاية الملكية، نستقبل نماذج الخط الديواني  التي عكف على كتابتها وتنسيقها وتنميقها خطاط مصر الأكبر  الأستاذ مصطفى غزلان بك، وأدخل عليها حسناً جديداً وذوقاً  مصرياً خالصاً لا تلحظه فيما كتب بهذا الخط من الفرامانات  القديمة.

وقد طبعها ديوان الأوقاف الملكية، على نفقة صاحب الجلالة  الملك في مطبعة المساحة طبعاً دقيقاً أنيقاً جعل هذه النماذج في  موضوعها وشكلها مظهراً رائعاً من مظاهر الفن الخالد الخالص.

اشترك في نشرتنا البريدية