لقد سبق لى أن حدثت قراء (الرسالة) عن المستشرق الفرنسى (هنرى بيريس) يوم وصفت كتابه ( أسبانية فى أعين الراحلين المسلمين واليوم أخرج هذا المستشرق المشتغل بالأدب العربى الحديث رسالة ضافية فى القصص عندنا، وقد نشرها فى مجلة معهد الدراسات الشرقية لكلية الآداب فى جامعة الجزائر (الجزء الثالث، سنة ١٩٣٧ ص١ - ص٧٢)
وللرسالة مقدمة حسنة على قصرها عرض فيها المؤلف نشأة القصة فى أدبنا الحديث وارتقاءها. فقال فيما قال: إن فن القصة انحدر إلى الشرق العربى من جانب الغرب وإن فارس الشدياق صاحب (الساق على الساق) كان أول من نبذ (المقامة) متأثراً بما وقع إليه من قصص الفرنسيين والانجليز. وهنا أشار المؤلف إلى ما صنعه اللبنانيون والسوريون النازحون إلى مصر فى سبيل القصة أول أمرها، فذكر سليم الشلفون وأديب اسحق وجرجى زيدان، ولم يفته أن يذكر رفاعة الطهطاوى الذي نقل رواية (تليماك) من الفرنسية إلى العربية فطبعت فى بيروت عشرين سنة بعد كتابتها. ثم انتقل إلى عهد المويلحى والمنفلوطى فتكلم على انعطاف القصة نحو الروح المصرية. ثم انتهى عند عهدنا هذا فنوه بخروج القصة من حيز الترجمة والنقل والتقليد إلى حيز الانشاء والابداع. ثم أخذ يعدد مجلاتنا الأدبية التى تنشر فيها القصص. ثم رتب أنواع القصص فذكر النوع الابتداعى والواقعى والطبيعي والرمزى والتاريخي والنفسانى و (البوليسى)
ومما غاب عن المؤلف فيما أظن أنه أغفل تراثنا القصصى فلم يحاول أن يرد إليه بعض ما يجرى فى قصصنا (من ذلك (على هامش السيرة) لطه حسين و (شهرزاد) لتوفيق الحكيم فضلاً عن روايات زيدان ومسرحيات شوقى) وأنه أهمل قصصنا
الشعبى ففاته أن يتلمسه فى طائفة من القصص (من ذلك أقاصيص لجبران خليل جبران وأخرى لميخائيل نعيمة و (يحكى أن) لطاهر لاشين)
وبلى المقدمة ثبت أسماء المؤلفين وعناوين القصص على طريقة علمية قوية. والثبت على أربعة أبواب:
الباب الأول: ما ألف فى الأدب العربى الحديث عامة، فى العربية واللغات الأفرنجية
الباب الثاني: ما ألف فى فن القصة، فى العربية واللغات الأفرنجية
الباب الثالث: القصص والأقاصيص المنقولة من اللغة الفرنسية إلى العربية
الباب الرابع: القصص والأقاصيص المؤلفة باللغة العربية فى القرن التاسع عشر والعشرين
وجل ما يؤخذ على هذا الثبت الدقيق الجامع أن صاحبه لم يرتب الأسماء حسب حروف المعجم
هذا ولعل الأستاذ (هنرى بيريس) يواصل عمله النفيس إذ فى نيته أن يثبت المقدمات التى يصنعا القصصيون لقصصهم مع النظر فيها وأن يتعقب ألوان الكتب وأنواع التأليف التى سارت فى الشرق العربى سنة ١٩٣٠ (باريس)

