الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 700الرجوع إلى "الثقافة"

النور، عاداتهم وطقوسهم

Share

في كل بلد من بلدان أوربا طائفة من النور الذين اعتادوا حياة التجوال والترحال . واخذوا التجارة حرفة . وهم يتكلمون فيما بينهم لغتهم الخاصة ، ويمارسون عاداتهم وطقوسهم .

وهم في الأصل جاءوا من شمال غربي الهند ، ولكنهم لما ظهروا أول مرة - منذ خمسة قرون - في منطقة جزر بحر إيجه قالوا إنهم جاءوا من مصر الصغرى . ولذلك سماهم اليونانيون جفتوس " أي مصرين ، وهي تسمية لا تزال لاصقة بهم حيث تطلق عليهم إلى اليوم كلمة Gypsies

وفي لسان " الرومان أو لسان النور تدل كلمة بين Rom على الرجل أو الزوج ، وتدل كلمة Romni على المرأة أو الزوجة ، وهم يطلقون على أبناء غير جنسهم كلمات منها " بنو " أر " بسنو " وهي تقابل الدنس أو النجس أو " جاجو " أو " جاشو ، ويعنون به الرجل الكافر ، أو " نورورو " ويعنون به " المسكين الذي يرثى لحاله

وهم في مهاجرهم معرضون غالبا للاضطهاد ولسيطرة القوانين القاسية .

وقد ظل النور إلي يومنا هذا أمة وحدهم لا يعترفون بالحدود الجغرافية ، والنوري الصميم يمتاز عن سواه بشعره الأسود . وشِقِه الدكناوين ، ووجهه الأسمر ، وهم منذ القدم صناع مهرة ، وقد كان لهم الفضل الأول في نماء تجارة بلدان كثيرة وذلك قبل أن ترتقي الصناعات وقبل ان تتقدم وسائل النقل .

وقبل أن تغمر الأسواق الآنية الصينية الرخيصة وتطغى على الآواني التي كانت تصنع من التنك . كان " الغجر " جد مطلوبين كصناع لتلك الآنية ، وكان منهم الحدادون المنقلون بأكوارهم وأقرانهم . يصلحون القدور والكيران والحلل ، كما كان منهم البارعون في إصلاح المناخل والغرابيل ، وكذلك كان منهم السنانون الذين يسنون السكاكين

والمقصات كما كان منهم بائعو السلال والكراسي والحصر والملاعق والمشاجب ، وفضلا عن ذلك فهم منذ القدم تجار خيل ماهرون . فيهم حيلة ، وفيهم ذكاء .

وهم في الأسواقي لم يبرعوا في التجارة فحسب ، بل هم موسيقيون بارعون ، وراقصون لا يشق لهم غبار . وهم ونساؤهم قد أتوا بكل عجيب في التنبؤ والعرافة والتنجيم .

وهناك حرفة واحدة لم تجتذبهم قط ، وهي حرفة الزراعة ، ذلك لانهم أقوام رحل .

والنوري يرى نفسه كأنه موكل بفضاء الأرض يذرعة ، فهو لا يستقر على حال من القلق . تحفزه إلى ذلك رغبة كامنة ، وقد يستأنس فيسكن البيوت أحيانا ، ولكنه لا يلبث أن ينقلب على عقبه ، وتصيبه ردة إلى المألوف من عادات أجداده .

وقد قال القس " رودني سميث " ) ١٨٦٠-١٩٤٧ ( - وأصله من النور - إنه قد أقنع أخاه مرة ان يسكن كوخا مبنيا بالطوب ، ولكنه لما زاره بعد شهور القاه قد ترك البناء واتخذ لنفسه خيمة في الحديقة ، وقد علل الأخ لأخيه القس أسباب تركه للبيت أنه وجده رطبا باردا !

ونوري الخيام الأصيل يفضل حياة الهواء الطلق ، وهو في الشتاء يرى أنه إذا سكن عربة من العربات فكأنه سكن قصرا فيه كل وسائل الراحة والترف .

والنور الرحال لهم عاداتهم وميزاتهم التي ترجع إلى عهود بعيدة ، ومن تلك العادات ما هو متصل بمسائل الزواج . وأول مراسيم الزواج عندهم مراسم الخطبة ، وهي تتم إذا حسنت فتاة نورية في عين فتى نوري . أو إذا ثم اتفاق مشترك بين أهلها وأهله .

وفي انجلترا يجوز للفتاة النورية أن تبدأ التقرب إلى الفتى عامدة ، وهي تعبر عن رضاها بمن اختارته بأن تعطيه

بيدها خيطا أو حبلا أحمر . أو بأن تلقي عليه من فوق سور من الأسوار كعكة فيها نقود .

وفي شرق أوربا يقال إن الفتاة لا تبدي رأيا قاطعا إلا إذا استطلعت طوالع المستقبل ، وذلك بأن تذهب إلى مفترق الطرق ، وهي تدعو ربها أن ترى في الرؤيا صورة زوجها العتيد .

وفي أثناء مراسم الخطبة تشك إصبعها الخنصر من يدها اليسري بإبرة فيسيل الدم على الأرض . ثم تجمع بعد ذلك التراب الذي اختلط بالدم وتلقي به في النهر ، وذلك لئلا تجيء الأرواح الشريرة فتلعق الدم فتحل عليها اللعنة .

وإذا كان الخاطب هو البادىء بالخطبة فعليه أن يشتري منديلين أحمرين . يعلقهما في سترته . فإذا قبلت الفتاة التي احبها منديلا من المنديلين كان ذلك علامة الرضا وإيذانا بالقبول .

وإذا زار فتى من الفتيان خيمة ليغازل فتاة قد سبق أن وعد بها فتى آخر ، سارعت الفتاة إلى إعلانه بحقيقة الأمر ؛ وذلك بأن تترك أهلها وتجلس بعيدا ، وتحل ضفائر شعرها وترخها حولها ثم تغطي وجهها بيديها .

وتتم مراسم الخطبة أمام الشهود بطريقة هي آية في البساطة ، وذلك بأن تشرب الفتاة من قدح ثم تناوله إلى حبيبها ، فإذا شرب منه نجد هذا عهدا وميثاقا بين زوجين ، وقد يستبدل بالقدح أن يأكل كلاهما من كعكة واحدة .

وفي أسبانيا إذا بلغت الفتاة الرابعة عشرة من عمرها . وبلغ الفتى هذه السن أو جاوزها قليلا اتفق أهل الفتى وأهل الفتاة على خطبتهما ., ولكن الزواج لا يتم إلا إذا بلغ كلاهما السادسة عشرة .

وقد قال بعض النور الذين جاءوا إنجلترا قبيل الحرب العالمية الأولى إن من عاداتهم أن يدفع أهل الفتى لأهل الفتاة مهرا ، فيجيء والد الفتى إلي مخيم أهل الفتاة معلنا أنه فقد بقرة ، فيجيبه والد الفتاة ؛ يمكنك أن تحصل على بقرة أخرى لقاء مال تدفعه ؛ فإذا اتفق الطرفان دفع المهر وحدد تاريخ الزواج .

وأن تكون الفتاة بكرا قبل الزواج مسألة يحرص عليها النور أشد الحرص ، وهم فيها من المزمتين وقوم الفتاة يمانعون كل الممانعة في أن يلتقي الخطيبان قبل

الزواج ، فلا تخرج الفتاة مع فتاها ، ولا تسمح له بتقبيلها قبل الدخول بها .

ومن العادات الباقية بين النور في إسكتلندة أن يضع جد الفتاة أو زعيم قومها يده في يد الفتى ، وفي حضرة الشهود ، فوق ملقط من ملاقط النار ، ثم يتلو دعاء قصيرا معلنا أن الفتى والفتاة قد أصبحا زوجين . وفي إيرلندة يمسك الفتى بيد الفتاة ثم يقفزان معا فوق صندوق فيه أدوات تبيض النحاس وفي إنجلترا وويلز يلز العروسان مكنسة أو يؤمران بالقفز فوقها واحدا تلو الآخر ، وذلك لأنهم يظنون أن قش المكنسة جالب للحظ .

وقد عرف النور في الزمن الأخير نظام تعدد الزوجات ونظام زواج المتعة . وهم يحتفلون بالطلاق احتفالهم بالزواج . وفي إسكتلنده يستقبع وقوع الطلاق ذبح حصان يدور الزوجان حوله عن شمال أو في عكس اتجاه الشمس .

ومن عاداتهم أن يحتفلوا بالمولود احتفالا بالغا . وأول شئ يدثرون به الطفل ساعة مولده يكون في العادة من ثياب والده . ثم يلبسونه ثوبا أعد خصيصا له . ثم يحرقون هذا الثوب بإحتفال بعد قليل - وفي العادة بعد تعميده - ثم يرفعه الوالد بين يديه ويضع حول رقبته خيطا أحمر كتعويذة تقيه شر العين الحاسدة ،

وتظل أم الوليد ثلاثين يوما لا تعمل عملا ولا تذوق طعاما أكل منه الآخرون . ولا تستعمل آنيتهم . ثم تكسر الآنية التي كانت تستعملها هي أيام اعتزالها الناس .

ويحتفل النور بالمولود يوم يستحم لأول مرة ، و يوم يقص شعره ، وهذا الشعر يحرق انتقاء للحسد .

وإذا ولد الطفل ميتا أو مات بعد قليل من ولادته ظل القوم تسع ليال يصبون اللبن فوق قبره .

ومن عاداتهم إذا جاء أحدهم الموت أن يشقوا شقا في الخيمة ليخرجوه منه ، وذلك خوفا من أن تجيء روحه من الباب فتقض مضاجع الباقين . ثم يسارعون إلي لفق الشق اتقاء وقوع المصائب .

والنساء يغسلن الجثة بالماء والملح ، ثم يسقين هذا الماء للماشية لتزداد قوة ووزنا كما يزعمن .

والمظنون أن النور كانوا يحرقون جثث موتاهم ، ولكن هذه العادة قد بطلت منذ زمان بعيد . غير انهم لا يزالون

محافظون على عادة حراسة الجنة . ويتناوب الحراس الحراسة كل يضع ساعات في الليل والنهار ، وإذا جاء الليل وضعوا مصباحا فوق الجثة حتى الصباح . ويظل الحراس ليلهم يتحدثون عن فضائل الميت ويعددون مناقبه .

ومن عادات بعض النور أن يدفنوا موتاهم في مكان سري ، وأن يلبسوا الملابس الحمراء علامة الحداد ، أو أن يكتفوا بشريط أحمر يضعونه في سترتهم . وهم يزينون نعوش الموتى باشرطة حمراء .

ونساء النور في إنجلترا يزرن قبور موتاهن مرة في كل عام ، وتقع هذه الزيارة عادة قرب حلول عيد ميلاد المسيح .

وهم يوقرون موتاهم . وإذا أقسم نوري بواحد من أسلافه كان هذا القسم فسما ملتزما لا يجوز الحنث فيه . وإلا حلت به المصائب .

وهناك عادة قديمة لا تزال باقية إلى اليوم ، وهي أنهم يمجمعون كل ما خلفه الميت ثم يدمرونه تدميرا بعد الدفن وذلك مخافة أن تعود الروح فتبحث عن تلك الأشياء . أو رغبة في إراحة الميت - كما يزعم بعضهم - من كل ما يربطه بهذه الدنيا ، حتى إذا بلغ الدار الآخرة حي له بكل ما تحتاج إليه هناك .

ويبدو أن حرق أشياء المتوفي هو بقية من تلك العادة التي كان عليها أسلافهم ، وهي عادة حرق الجثة .

وقد شوهدت حالات كانت الخسارة فيها عربات لا يقل ثمن الواحدة منها عن ثمانين جنيها ؛ فقد حرقت تلك العربات بما فيها بعد أن تهشمت الأواني الخزفية ، وبعد أن حرقت القدور والحلل ، وبعد أن جئ بسرج الحصان فقطع ومزق .

وبعض جماعات النور يكتفون بحرق فراش الميت وملابسه . ومن عاداتهم في بلاد الشرق الأدنى أن يوقدوا النار كل سبعة أيام مرة ، وأن يظلوا عاكفين على إبقاء تلك النار عاما كاملا ، وهم يقولون : إن الروح يوم تبدأ رحلتها إلى ارض الموتى يتحتم عليها أن تجتاز سبعة جبال وسبع صحاري . ولابد لها أن تواجه في طريقها ريحا صررا عاتية وفي هذا الطريق الذي يبعث الرعب والفزع يرابط ثعبان هائل وهذا الثعبان يجب أن يسترضي أو أن تحيد الروح من طريقه .

وهكذا نرى النور - حتى بعد موتهم - كلهم مخاطر مقدام ..

اشترك في نشرتنا البريدية