قلتُ للقلب حَلِّ عنك الأماني ... وأرحني فقد هدمت كياني
ما ضلالُ الخلود. . . ما باطلُ المجد ... وما الصيتُ ماليء الآذان؟
أترى هذه الأكاذيبَحقاً ... اتراها جديرةً بالثواني
أيها القلب ثثبْ إلى الرشد وانظر ... نظرة العَقْلِ في لباب المعاني
إنما الخلدُ والخلود خَيَالٌ ... وخَبَالٌ في فطرة الانسان
ذاك يا قلبي المريض عزاءٌ ... يَهَبُ النفس راحة السلوان
قَدْ تَرَاَءت لك الحياة سَرَاباً ... أو كطيف يمرُّ بالوَسْنان
فتطلبْتَ من غُرورك مجداً ... وأردتَ الحلود في الأزمان
ورأيت الشبرَ الذي أنت فيه ... غير كُفْءٍ لبرك الإنساني
فملأتَ الدُّنيا دوياً بغيضاً ... مُجْلباً، كيْ يحسك الثقلان
ضلةً ضلةً، أيا قًلْبُ أقْصر ... وارحنى فقد بريتَ كياني
أنتَ نحسي وشقْوتي وعذابي ... وغترابي في مُنْتَدى الأخدان
أنتَ بؤسي في غدوتي ورواحي ... لا تني الدهرَ باعثاً أشجاني
أرْهقني كآبتي وانفرادي ... وحنيني لغامضات المعاني
وحياتي قضيتها زغرات ... مُحرقاتٍ. أَأَنتَ كالبُرْكان؟
يَا فوؤداي تجاهل المجد وأنعمْ ... وَأرِحْني. . . فقد محقتَ كياني
سُمتَني العَسَف في طلاب الأماني ... وَتكاءدْتَ في الغْلا جثماني
بعثَ للمجد لذتي وكؤوسي ... ومُدامي ومجلس الريحان
شبابي أذْبَلْتَه وهو غَضُّ ... في كتال ودفترَ وَسِنَانِ
اللداتُ الاترابُ في فضل عيش ... ناعم الظل، مُعجبٍ، ريان
يَنهْلون الشباب والحب كأساً ... من رُضاب الكواعب الحُسان
في ضيلء وفي صفاء ولهوٍ - وعبير منشر وأغاني
وبقينا أنا وأنتَ فُرَادي ... في جحيم الآلام والأحْوان
قُلْتَ: إني مغردٌ لا أُبالي ... في سمائي بعلة الدوران
أنظر الشعر في الحياة , ابكي ... في نظيمي شقاوة الانسان
ذاك حَظي. . . وما أبهتُ لَمجْدٍ ... أو رجوت الخلود في الأزمان
قُلْتَ: يا بؤسَ طائر يتغنى ... في ضجيج الأحياءِ والأكوانِ
أتراني أقولُ ما قال قَبلي ... شَكْسَبِيرٌ أو شاعرُ اليونان
كان هو ميرُ - أيها القلبُ - شيخاً ... سَاغِبَ البطن، ذاحَشاً ظمأن
يطلب النزْرَ من طعامٍ وروى ... بأغاني الآباد والأزمان
يا لا عمى يجوبُ بَراً وبحراً ... داميَ القلب دامي الجثمان
يا لَكُرْنيل يَرْفع النعل فقراً ... وعلىٍ يضيقُ بالطيلسان
هان أمر النبوغ في الأرض حتى ... صار محضُ النبوع محضَ الهوان
قسم الله مله في البرَايا ... ثم حض الأديب بالحرمان
خصهُ بالإسار والقَتْلِ والتغ ... ريب والنفي عن حِمى الأوطان
خصه بالعذاب، بالألم الدائب ... بالاضطهاد بالنكران
ورواه فى الحياة ضعيفا وأعن لا بين كل ذى سلطان
حاملا كالإله قلبا كبيرا وفيه مافى الوجود من أكوان
فقضاها من الحياة حياة وفى عذاب ووحشة وامتهان
وتردى فقيل كان عظيما أوحقيرا واستقتل الخصمان
ثم خطوا ضريحه فى خراب أو أقاموا تمثاله للعيان
وتفنوا بقوله فى هيام أو رموه فى موقد النيران
ما تراه جناه فاقير راس وصدى المجد ضائع فى الزمان
أيها القلب ليس فى الأرض حق غير موت تموت فيه الأماني
كل شىء فى مذهب العقل شك كل شىء يفنى مع الأزمان
وإذا كان متنتهى العمر موت فلماذا نضيعه فى الأغانى ؟..
باطل باطل أيا قلب أقصر ما يفيد الخلود والدهر فانى
قال لى القلب لاهنئت بعيش أنت والغمر(١) فيه تستويان
( تونس

