الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 77الرجوع إلى "الرسالة"

رسائل لم تنشر

Share

من نابليون إلى ماري لويز

عرض أخيراً للبيع في أحد أبهاء التحف بلندن، مجموعة كبيرة  من رسائل الإمبراطور نابليون بونابرت إلى زوجه الإمبراطورة  ماري لويز النمسوية؛ وتبلغ هذه الرسائل التي كتبت جميعها بخط  الإمبراطور، ووقعت بإمضائه ثلاثمائة رسالة، تشمل تاريخ أربعة  أعوام كاملة من حياة الإمبراطور، أعني من سنة ١٨١٠ إلى  سنة ١٨١٤، وقد كتب معظمها في أوراق مذكرات صغيرة،  وأرسلت من مختلف أنحاء القارة التي يجوبها الإمبراطور أو  يعسكر فيها بجيشه إلى الإمبراطورة الصغيرة التي شغفته حباً،  والتي جاءت له بأول ولد يعلق عليه آمال الإمبراطورية. وتبدأ  برسالة كتبها الإمبراطور في فبراير سنة ١٨١٠ يطلب فيها يد  ماري لويز، وفيها يخاطبها بلهجة رسمية وبذات الجلالة؛ ثم  تتدرج الرسائل بعد ذلك في البساطة وعدم الكلفة، فيخاطبها  الإمبراطور بلهجة الحب الوثيق، وتغدو ماري بعد أن غدت  إمبراطورة فرنسا،   (حبيبتي، عزيزتي. . .)  ويكتب إليها  الإمبراطور في مختلف الشئون الشخصية والمنزلية؛ ويغدق عليها  نصحه، سواء فيما يتعلق بصحتها أو نزهتها، أو علائقها بسيدات  البلاط وسادته. وأشد هذه الرسائل سحراً وتأثيراً، ما تعلق  منها (بالملك الصغير) ولد الإمبراطور وماري لويزا، والسؤال  عن صحته ورجاء تقبيله وعناقه.

وتوضح هذه الرسائل تاريخ الإمبراطورية في مراحل متعاقبة،  فالأولى مرحلة الزواج والتحالف بين النمسا وفرنسا، ورحلة  الإمبراطور والإمبراطورة إلى انفرس وفلسنج، ثم قضاء شهر  العسل في تريانون (صيف سنة ١٨١٠) . وكان الإمبراطور  يومئذ في أوج قوته وظفره، يحكم على معظم ممالك القارة، ويحكم

في رومه ومدريد، ويشدد الحصار على إنكلترا ويهددها؛  والمرحلة الثانية هي مرحلة الغزوات الثانية في بولونيا وروسيا ثم  موسكو في صيف سنة ١٨١٢؛ وهنا نجد رسائل كتبت عن  معركة بورودينو، والزحف على روسيا، ثم حريق موسكو ثم،  الارتداد المروع عن هاتيك السهول الثلجية؛ والمرحلة الثالثة  حينما تتحد الدول على نابليون؛ وهنا يكتب نابليون إلى ماري  لويز أن تنضح إلى والدها   (الأب فرانسوا)  إمبراطور النمسا  بألا يتحد مع هذه الدول، وألا يصغي إلى تحريض ماترنيخ، ويحاول  بذلك لأن يزج بالإمبراطورة في غمار السياسة، ولكن إمبراطور  النمسا حماه وأبا زوجه ينضم إلى خصومه،، فيحاربه نابليون مع  من يحارب، ويكتب إلى ماري لويز بأنه انتصر على جنوده، وبأن  جنوده لم تكن أسوأ منها في أي وقت مضى. ثم تأتي المرحلة  الرابعة وهي مرحلة التقهقر والهزيمة، وهنا تتعاقب الرسائل كل  يوم بأنباء الظفر والحركةوالعمل المتواصل، ثم تجئ الهزيمة،  ولكن الرسائل ما زالت تنم عن سمو هذه الروح التي تستقبل  المصائب والمحن باسمة ساخرة.

تلك هي خلاصة المأساة التاريخية العظيمة التي تصورها  رسائل نابليون الثلاثمائة إلى زوجه ماري لويز. وقد عرضت  للبيع في لندن في يوم ١٩ الجاري مقسمة إلى عدة مجموعات، ولم  ينشر منها من قبل شيء، وقدر الخبراء ثمنها بنحو مليون ومائة  ألف فرنك (نحو ستة عشر ألف جنيه) ، وقدرت مذكرات  ماري لويز المعروضة معها بمبلغ خمسمائة ألف فرنك (نحو سبعة  آلاف جنيه) .

وقد علقت الصحف الفرنسية على عرض هذه التحف  الأثرية التي تهم فرنسا قبل كل شيء، وأبدت توجسها من  استعداد بعض كبار الهواة الأمريكيين لاقتنائها وبذل أكبر  الأثمان في سبيلها، وطالبت الحكومة الفرنسية وهيئاتها العلمية

اشترك في نشرتنا البريدية