يهمنا دائماً أن نكشف عن نواحٍ من التراث العربي والأسلامي أحاطها إهمالنا غيرنا بسحب من الغموض والأبهام حتى ادت تصبح غب عالم النيسان. وقد يظن بعضهم أن الكشف عن هذه النواحي سهل لايحتاج إلى تنقيب، ولكن الواقع غير ذلك، فاننا نجد صعوبة كبرى ومشقة عظنى في وضع ترجمة عالم مغمور، إذ يحتاج ذلك الى مراجعة الكتب قديمها وحديثها من عربية وإفرنجية، ويحتاج أيضاً لمطالعة متنوع المخطوطات علنا نتمكن من الكتابة عن ذلك العالم كتابة تعطي فكرة صادقة عن حياته ومآثره في العلوم. ولقد ثبت لنا أن هناك عدداً كبيراً من علماء العرب والمسلمين اشتغلوا بالرياضيات والفلك والطبيعة وغيرها من العلوم والفنون، لم يأخذوا حقهم من البحث والاستقصاء، وأن مآثرهم لاتزال مجمهولة لدينا إذ هي ملعثرة في شتى الكتب، وأنه لم يقم أحد منا يعني بها أو يهتم بكشفها، ولست ادري على من يقع اللوم انا لا اشك ان القراء الكرام يشاركونني في أن اللوم علينا جميعاً كلا من ناحيته، فعلى الذين يعنون بالتاريخ والجغرافيا يقع اللوم على عدم عنايتهم باظهار فضل العرب والمسلمين في هذين الفرعين وفي عدم تبيانهم للملأ أثر علمائهم فيها، كذلك يقع اللوم على الذين يعنون بالكيمياء، إذ من الواجب العلمي والوطني أن يهتموا بمآثر العرب فيها وبما قدمه العقل العربي من خدمات جليلة لها. وما يقال عن التاريخ والجغرافيا والكيمياء يُقال عن غيرها من فروع المعرفة. ولا يخفى أنه يجب أن يكون وراء الكشف عن مآثر وتراث أسلافنا فكر وطنية تعود على الأمة بالخير والنفع، فتحفز همتها وتُثار عزيمتها، ولسنا في هذا مبتدعين أو آتين بجديد. ونظرة إلى تاريخ العلوم والفنون عند الفرنجة نجدهم عند بحثم عن مآثر علمائهم ونوابغهم فيها يدخلون وراءها فكرات وطنية مستورة تتجلى لنا في كل مناسبة، وتتجلى لنا ايضاً في كتبهم وفي تدريسهم في الجامعات والكليات. وبذلك يكونون قد جعلوا
النشء يؤمنون بقابليتهم ويعتقدون بعبقريتهم ويشعرون بقوميتهم، وفي هذا كله قوى تدفع الأمة إلى حيث المجد والسؤدد.
بعد هذا نعود إلى موضوع مقالنا فنقول: إن غياث الدين جمشيد الكاشي من الذين لم يكتب عنهم إلا الشيء القليل، وهذا الشيء القليل موزع في عدة كتب منها الصفراء (ومنها الخير الكثير) ومنها الفرنجية، ومنها التركية، ةوقد حاولت أن أستعين بما عثرت عليه في مختلف المؤلفات التاريخية، فوقفت والحمد لله إلى ترجمة متواضعة، أرجو أن أكون قد قمت بها ببعض الواجب نحو عالم من علماء المسلمين اشتغل في العلوم الرياضية، ومهر الرصد وبرع في الفلك
ولُد غياث الدين في القرن الخامس عشر للميلاد في مدينة كاشان مما وراء النهر، وكان يقيم فيها مدة ثم ينتقل إلى محل آخر، ولقد توجه إلى سمرقند بدعوة من أولوغ بك، الذي ان يحكم بأسم (معين الدين سلطان شاه) وفيها ألف أكثر مؤلفاته التي كانت سبباً في تعريف الناس به. ويقال إن الفضل في إنشاء مرصد سمرقند يرجع إلى غياث الدين وإلى قاضي زاده رومي، ولكن الأول توفي قبل البدء باجراء الرصد فيه، كما أن الاخير توفي قبل تمامه، وعلى هذا سُلمت أمور المرصد إلى على قوشجي، ولهذا المرصد أهمية كبيرة، إذ بواسطته أمكن عمل زيج (كوركاني) الذي بقي معمولاً به قروناً عديدة في الشرق والغرب، واشتهر هذا الزيج بدقته وبكثرة الشروح التي عملت لأجله. والكاشي من الذين لهم فضل كبير في مساعدة أولوغ بك في إثارة همته إلى العناية بالريضيات والفلك.
واختلف المؤلفون في تاريخ وفاة الكاشي، فبعضهم يقول إنه توفي حوالي سنة ١٤٢٤م، ويقول أخرون إنه توفي حوالي سنة ١٤٣٦ن، ولم نستطع البت في هذه المسألةن ولكنا نستطيع القول أن الوفاة وقعت في القرن الخامس عشر للميلاد في سمرقند بعد سنة ١٤٢١م، وهي السنة التي أنشيء فيها المرصد
أشتهر الكاشي في علم الهيئة، وقد رصد الخسوفات التي حصلت سنة ٨٠٩هـ، ٨١٠هـ، ٨١١هـ، وله في ذلك مؤلفات بعضها باللغة الفارسية، منها كتاب زيج الخاقاني في تكميل الأباخاني، وكان القصد من وضعه تصحيح ويج اليلخافي للطوسي، وفي هذا
الزيج الخاقاني دقق ي جداول النجوم التي وضعها الراصدون في مراغة تحت إشراف الطوسي، ولم يقف غياث الدين عند حد التدقيق بل زاد على ذلك من البراهين الرياضية والأدلة الفلكي ة مما لا نجده في الأزياج التي عُملت قبله، وقد أهداه الى اولوغ بك. وله في الفاريبة أيضاً التي وضعها باللغة العربية ما يبحث في علم الهيئة والحساب والهندسة، نذكر منها كتاب نزهة الحدائق، وهذا الكتاب يبحث في استعمال الآلة المسماة طبق المناطق، وقد اوجدها لمرصد سمرقند، ويقال إنه بواسطة هذه الآلة يمكن الحصول على تقاويم الكواكب عرضها وبعدها مع الخسوف والكسوف وما يتعلق بهما. وله رسالة سلم السماء، وهذه تبحث في بعض المسائل المختلف عليها فيما يتعلق بأبعاد الأجرام. وله أيضاً رسالته المحيطية، وهي تبحث في كيفية تعيين نسبة محيط الدائرة إلى قطرها، وقد أوجد تلك النسبة إلى درجة من التقريب لم يسبقه إليها أحد كما قال البروفسور (سمث) . وقيمة هذه النسبة كما حسبها الكاشي كما يلي:
٣. ١٤١٥٩٢٦٥٣٥٨٩٨٧٣٢، ولم نستطع أن نتأكد من استعمتله علامة الفاصلة، ولكن لدى البحث ثبت أنه وضع هذه القيمة للنسة في الشكل الآتي:
صحيح
١٤١٥٩٢٦٥٣٥٨٩٨٧٣٢ ٣ وهذا الوضع يشير الى أن المسلمين في زمن الكاشي كانوا يعرفون شيئاً عن الكسْر العشري، وأنهم سبقوا الأوربيين في استعمال النظام العشري، يعترف بذلك البروفسور سمث في كتابه تاريخ الرياضيات في ص٢٩٠ من الجزء الاول. وللكاشي رسالة الجيب والوتر، وقد قال عنها المؤلف في كتابه المفتاح ما بيل (وذلك ما صعب على المتقدمين كما قال صاحب المجسطي فيه أن ليس إلى تحصله من سبيل) وقد يكون كتاب مفتاح الحساب من اهم مؤلفات صاحب الترجمة، إذ وضع فيه بعض اكتشافات في النظريات الحسابية. ويقول عن هذا الكتاب الاستاذ صالح زكي: (ويعتبر هذا الكتاب الخاتمة لكتب الحسلاب المبسوطة التي ألفها الرياضيون الشرقيون. . .) كشف
الظنون في أسامي الكتب والفنون: (. . . بلغ إلى غاية حقائق الأعمال الهندسية من القوانين الحسابية، وهو على مقدمة وخمس مقالات: المقالة الاولى في حساب الصحيح الثانية في حساب الكسور، الثالقة في حساب المنجمين، الرابعة في المساحة، الخامسة في استخراج المجهولات، وهو كتابمفيد أوله. . . الحمد لله الذي توحد بابداع الآحاد الخ. . . ألفه لأولوغ بك ثم اختصره وسماه تلخيص المفتاح، وقد شرح بعضهم هذا التلخيص. . .) وفى هذا الكتاب بجد قانونا لايجاد مجموع الاعداد الطبيعية المرفوعة إلى القوة الرابعة . أما القانون فهو :
مج ب٤ =( يجب -١- يجب ) مج ب٣
وقد يظهر هذا الوضع غريبا ولذا نوضحه بما يلي .: مج ب٤ ) ترمز إلى المجموع : ١+٢+٣+ب٤ مج ب٢ ) ترمز إلى المجموع : ١+٢+٣+ب٢ مج ب ) ترمز إلى المجموع : ١+٢+٣+ب+
ويعترف كتاب تراث الاسلام بأن الكاشى استطاع أن يجد قانونا لايجاد مجموع الاعداد الطبيعية المرفوعة إلى القوة الرابعة كما اعترف بذلك ايضا البروفسور سمث فى كتابه تاريخ الرياضيات فى ص٥٠٥ من الجزء الثانى
هذه لمحة موجزة عن حياة الكاشي ومآثره في الرياضيات والفلك، والذي نرجوه أن نوفق في المستقبل للكتابة عنه بصورة أوسع وأوفى للمرام، وأن تكون هذه اللمحة حافزاً لغيرنا للأهتمام باحياء العلماء المغمورين أمثال الكاشي، نسأله تعلى التوفيق والعون
نابلس

