يعني المستشرقون عناية خاصة بالحوادث التي ظهرت في الإسلام وكان لها شأن في التأثير في سيره أو إضافة أو تأويل ناحية من نواحيه . وردة القبائل بعد موت الرسول هي واحدة من تلك الحوادث التي يعنون بها . لأنهم يرون بها حادثة تدل على ضعف إيمان القبائل بالإسلام ، وقلة نفوذه في قلوب العرب ، وأنها كانت تعبر عن ثغرة القبائل من عمال الرسول الذين كانوا لا يعرفون غير جباية المال .
وقد ألف أبو يزيد وثيمة بن موسي بن الفرات القسوي المتوفي سنة ٢٣٧ ه- وهو فارسي الأصل كتابا اسمه " كتاب الردة " وقد ضاع هذا الكتاب فيما ضاع من الكتب . وبقيت قطع قصار منه ذكرها ابن حجر في كتابه " الإصابة " . فجاء المستشرقي الألماني الدكتور ولهلم هو ترباخ Wilhim Hoenerrbachمن جامعة بون Bonn فاستل هذه القطع من الإصابة و "فصلها وضبطها وشرحها " .
تشتمل هذه القطع على تراجم الأشخاص الذين ارتدوا عن الإسلام أو دافعوا عنه أيام الردة . وقد رتبها المحقق على القبائل ، فبدأ بأسد وخطفان وفزارة ، ثم انتقل إلي طي ، ثم هوازن وعامر بن صمعة وقشير ، ثم سليم ، ثم عبس ، ثم تميم ، ثم حنيفة ، ثم ربيعة وعبد القيس ، ثم الأزد ، ثم همدان وحمير وزبيد وأهل نجران ، ثم كندة . وجعل في آخر ذلك كله فصلا سماه " أواخر كتاب الردة " ذكر فيه ما وجده في ابن حجر ممن يدخلون في هذا الباب من أصحاب الكنى وغير المنسوبين .
والظاهر أن الدكتور هوترباخ أراد أن ينشر هذه القطع محققة مصححة . لذلك ذكر أنه " ضبطها وشرحها وفصلها" ، وهو لهذه الغاية قابل النصوص على النسختين
المطبوعتين من الإصابة : الأولى المطبوعة في كلكتا سنة ١٨٧٣ م . والثانية الطبعة في القاهرة سنة ١٣٢٥ ه وأثبت في الحواشي ما تختلف به النسختان .
والذي يلاحظ في هذا الأمر أن المحقق لم يشأ أن يقدم النصوص صحيحة ، فهو يثبت الخطأ في النص ويذكر الصحيح في الحاشية ، يجري في ذلك على نهج طائفة من المستشرقين ، بدلا من إثبات الصحيح والاشارة إلى الخطأ . وما أدرى السبب الذي حدا بالدكتور إلى اتباع هذه الطريقة . وقد عرفت مستشرقين ينهجون هذا النهج خوفا من الزلل لأنهم لا يدركون معاني الألفاظ ويصعب عليهم أحياناً تمييز الصحيح من الخطأ .
ونذكر على سبيل المثال ما أثبت الدكتور في ص ٧ س ١٤ " ومناهم مرة الفرهات . . " في شعر فأثبت الفرهات بالفاف . وذكر في الحاشية أن في نسخة القاهرة " النزهات".
وما أثبت في ص ١١ س ٣ : " فلما ارتد مالك أتاه (أي فاتك بن زيد )في هاديه فقال له ..." أثبت هاديه وذكر في الحاشية أن في نسخة القاهرة "ناريه".
ويلاحظ أن الدكتور يخطئ في ضبط بعض الألفاظ . مثال ذلك ماجاء في ص ٢٨ عند ذكر مرتبة عامر بن الطفيل في النبي :
من هدينا به إلى سبل الحق ... " من شعر ضبط هدينا بفتح الهاء والدال وسكون الياء . والصواب بضم وكسر دالٍ .
وما جاء في ص ١٨ في قول مرة بن صابر .
يا ابن الوليد بن الغيرة إنني أبرأ إليك من الجحود الكافر
ولا يستقيم الوزن بضم آخر أبرأ . والصواب "أبرا إليك " وذكر المحقق أنه شرح النصوص ، ولم أجد شرحاً لأي لفظة .
وفي النصوص أخطاء مطبعية لم يصححها الناشر نذكر منها أمثلة :
ص ٨ الخطا : عمرو بن العص . والصواب "العاص". ص ٣١ الخطأ : فاستنفذكم من النار (بالفاء) والصواب " فاستنقذكم " بالقاف .
ص ٣٥ الخطأ : " الحضرموت " . والصواب بلا تعريف "حضرموت".
ويتألف قسم النصوص من ٣٩ ص . ويعقبه قسم مؤلف من ١٠٨ ص بالألمانية فيه ترجمة النصوص إلى الألمانية . ودراسة عنها ، ومقايسة لها بأشباهها في كتب أخرى .
وقد ذكر المحقق أنه سلخ في وضع المقدمة وتحقيق النص سبع سنين كاملات . فله الشكر على جهده ، فليس يسلم كتاب حقق من خطأ .
( باريز )

