الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 5الرجوع إلى "الفكر"

التصنيع والتشغيل الكامل ، لتونس الحديثة

Share

ان الرقى الاقتصادى والاجتماعى لا يتطلب رؤوس اموال جديدة فحسب بل يتطلب ايضا وربما اكثر من ذلك الرجال اللازمين لاستخدام الوسائل الفنية العصرية التى تسمح بمضاعفة الانتاج فالرجل كما قيل هو اثمن رأس مال وان كل سياسة ترمى لرصد الاموال لا ينبغي ان تعتبر الناحية المالية فقط بل يبغى ان تساعد ايضا على تكوين الفنيين اللازمين .

وفيما يتعلق بالبلاد التونسية فى الميدان الفلاحى مثلا فان المشكل يتبدى لنا بصورة فريدة فى بابها وقد اثبتت التجربة انه ينبغى للتشجيع على الاحتفاظ بالرجال الذين لهم تكوين مهنى في المنطقة الفلاحية ان يكون ذلك التكوين المهنى فى متناول ايديهم ويقع تلقينه بربوعهم اى فى الجهات الفلاحية نفسها . ان مسبس الحاجة  لهاته المادة لهو كاف لان يسمح بالشروع من الآن فى ايجاد بعض طرق من التثقيف الفلاحى الاساسى فى الاوساط الريفية وان التجارب الهامة التى اجريت فى النطاق الفرنسي وقع درسها بامعان للظفر بامكانيات استعمال اساليب مماثلة لذلك بالبلاد التونسية .

وبالعكس من ذلك فان الحالة تبدو مغايرة لذلك تمام المغايرة في الميدان الصناعى فنرى انه يوجد الان شبان متحصلون على شهادة الكفاءة المهنية بيد انهم لا يجدون شغلا فى الميدان الذى تكونوا فيه والحال ان عدة مناطق اخرى يعوزها الاخصائيون التونسيون الاكفاء

وقد بذلت من قبل مجهودات جبارة فيما يخص التكوين الصناعى ويمكن لنا ان نذكر فى هذا الصدد احداث مركز لدى الشركة القومية للسكك الحديدية التونسية الا انه من العسير مضاعفة هذه الجهود نظرا لقلة الابواب المفتوحة لكل تخصص مهنى ، واذن يبدو ان اتباع سياسة هجرة ترتب بصفة وقتية في مناطق مضبوطة ولبلدان معينة يمكن ان تكون مرحلة تمهيدية للتصنيع فى الميدان

لاقتصادى وحلا من الوجهة الاجتماعية لاستنفاد قسم من العاطلين او شبههم

فمن الوجهة الاقتصادية ، تنهمك المصالح المختصة الآن في اعداد برنامج تجهيز يسمح باستعمال الفاضل من الاعتمادات العمومية لاقصى حد ومع ذلك فان هذا البحث لا يأتى بثماره بالفعل الا اذا وجد رجال لهم الكفاءة اللازمة فى جميع الدرجات الفنية لتحويل اعتمادات نقدية الى معامل ومعنى ذلك انه ينبغى التفكير في صعيد واحد وبصورة منسجمة في اعداد برنامج تجهيز من الرجال يخشى ان يبقى بدونه قسط من الاعتمادات بدون استعمال .

واذا قارنا حالة البلاد التونسية بحالة المانيا في عام ١٩٤٥ واردنا ان نتخذ من النهضة الفنية لتلكم البلاد عبرة تفيدنا فى اقامة اركان النهضة المقبلة لبلادنا التونسية وجب علينا ان نعترف مع م . الفريد سوفي بان العامل الانسانى هو اهم بكثير من رأس المال وان ورود ١٠ ملايين من السكان زائدين فى ظرف ستة اعوام قد حصل لا لان المانيا كان لديها جهاز فني راق بل لان الوافدين عليها لم يكونوا عملة بسطاء وحسبك انهم اتوها يحملون معهم معلوماتهم وخبرتهم الفنية ،

وبالفعل فان الصناعة العصرية هى فى حاجة الى العامل الى المهندس الى الفنيين وبلادنا فى الوقت الحاضر مضطرة لجلب اخصائيين من الخارج . وكما بيناه اعلاه فان الجهود المبذولة من طرف كتابة الدولة للشؤون الاجتماعية وكذلك من طرف عدة هيئات قومية او خصوصية لتنظيم وتوسيع نطاق التكوين المهنى قد اعترضتها صعوبات ذات بال والشهادات المسلمة لم تمكن دائما من يهمهم الامر من الحصول على المهن التى يسمح تكوينهم بالارتقاء اليها . ولذا فقد نظمت كتابة الدولة للشؤون الاجتماعية آماد تربص قدرها ستة اشهر بمراكز بفرنسا معدة لاعداد الشبان اعدادا سريعا وخاصة فى فن البناء . لكننا رأينا من المفيد ان نبعث شبابنا لا الى فرنسا فحسب بل الى الاقطار الاوروبية الاخرى فى فرع البناء او غيره من الفروع . ومن جهة اخرى فان الامر يتعلق بمهمة عسيرة جدا تتطلب بحث جميع ما لدينا من الامكانيات بمزيد الدقة والضبط وينبغى لنا ان نستخلص منها اوفر حظ من النجاح .

وذلك هو السبب الذى اعتزمت من اجله كتابة الدولة للشؤون الاجتماعية للبلاد التونسية مواصلة بحث هذا المشروع وهو سعى على جانب ذى بال من الاهمية ويمكن بفضله تكوين عدة اخصائيين تونسيين .

ويمكن توسيع نطاق هذه التجربة وذلك بتوجيه شباننا الى فروع واقطار يمكن لهم فيها ان يحصلوا على ضروب من التخصص تكون ضربة لازب للبلاد التونسية التى ستصبح غدا بلادا صناعية . ويمكن ان تسمى هذه المرحلة بمرحلة ما قبل التصنيع .

ولتحقيق هذا الامل يجوز لنا ان نفكر فى السماح بهجرة جانب من اليد العاملة التونسية . وليس المراد من هذه الهجرة سد العجز الحاصل فى بعض الاقطار في خصوص اليد العاملة لا سيما من حيث العمال البسطاء بل بالاتجاه نحو ضروب التخصص التى يمكنها عند ما تملا منها وطابها ان تفيد بها بلادنا - وعند مبارحة مراكز التكوين المهنى يمكن للعملة التونسيين عند الاقتضاء ان يشتغلوا مدة من الزمن ببعض المعامل الاوروبية لكى يكتسبوا تجربة مفيدة من جراء تطبيق ما حصلوا عليه من المعلومات الفنية.

لا جرم ان فرنسا والاقطار الاخرى الاروبية ستدرك المصلحة الناتجة عن اتخاذ سياسة هجرة وقتية ومرتبة من طرف البلاد التونسية وستسعى فى توسيع نطاق مساعدتهما فى هذا المضمار - ومما ينبغي ملاحظته هو ان البلاد التونسية تعد الآن من اكبر الحرفاء لتلكم الاقطار ويحق لها فى مقابل ذلك ان تتلقى اعانة فنية قد يكون جانب منها متألفا من تكوين فنيين تونسين وان العمل الموقت الذى يقوم به البعض من عملية بلادنا باوروبا من شانه ان يسمح بادماج الشغل التونسى في المنتوجات التى نستوردها وفى هاته الصورة الجديدة يمكن بمجرد التضامن الذى فى الامكان طلبه من البلدان الاخرى ان يقوم على الروابط الاقتصادية الموجودة او التى فى الامكان ايجادها من العدم .

ويجوز لنا ان نلاحظ فى هذا الصدد ان بعض البلدان كبلجيكيا قد حصلت من المشاريع الاجنبية التى كانت لها اسواق كافية للرواج بداخل البلاد على ان تؤسس مراكز لتركيب الالات الميكانيكية وعلى الاخص منها صناعة السيارات فيمكن للبلاد التونسية حينئذ ان تهتدى بصورة ناجعة بهذا الصنيع سواء اكان ذلك باقامة مراكز لتركيب الآلات الميكانيكية ببلادنا ( مثلا فى ميدان الآت التبريد ) او باستعمال اليد العاملة التونسية موقتا من طرف المشاريع والبلدان التى تهمها السوق التونسية .

من الوجهة الاجتماعية : هذا وان سياسة مثل هاته للهجرة الوقتية والمرتبة . وهما عبارتان لهما وزنهما عندنا - انما تسفر عن مزايا ليس فقط بالنسبة لتهيئة اليد العاملة التونسية الضرورية لصناعة الغد بل ايضا من الوجهة الاجتماعية والقومية وذلك بالتخفيف من وطأة الشغل الطفيف الذي تعانيه بلادنا ، لا يجهل احد ان

اجهزة معمل من المعامل اذا كانت عاطلة اصابها البلى وكذلك الشأن بالنسبة للرجال الذين لا يجدون العمل فيظلون عنصر انتاج بدون استثمار بل تقول ايضا انه اذا انعدم الشغل باستمرار فان ذلك يورث فى الانسان شيئا من التضعضع والانهيار يجعل من العسير فى المستقبل قيامه باى عمل ذى شأن وقد استفدنا من بعض ارقام قدمتها مصلحة الاحصائيات انه من الضرورى ولو مع عدم اعتبار الشغل الطفيف الموجود سابقا ان تفتح الحكومة عشرين الف مجال جديد للعمل فى كل سنة وذلك لمجابهة النمو التصاعدى فى عدد السكان ، وعليه فان مشكلة الشغل ستزداد تشعبا عاما بعد عام لكن يظهر انه مع استمرار الحكومة على الاهتمام بتوجيه عمليات رصد الاموال نحو الجهات التى تسمح بالشغل الاوفر يجب المضى فى الاخذ باسباب الهجرة الوقتية تلك السياسة التى يرجى منها التخفيف من وطأة البطالة والتوفير فى آن واحد فى موارد عدة عائلات عملية وبالتالى فى الموارد القومية ولا يجهل احد ان بعض الاقطار تعيش جزئيا مما يوجهه لها ابناؤها العاملون فى البلاد الاجنبية من الاجور الامر الذى من شانه ان يمكن بلادنا من تنمية دخلها القومى ولا حاجة لنا لتأكيد ما ينجر عن هاته الهجرة من المزايا الاجتماعية لكن لا تكون هاته المزايا الاجتماعية حقيقية الا يقدر ما تجرى المراقبة على هاته الهجرة حتى لا يكون الشغالون التابعون لبلادنا بمثابة عملية معوضين لغيرهم فقط بالاقطار الاجنبية الامر الذى يترتب عنه لا محالة تدهور خلقي لديهم مثلما هو مشاهد عند بعض العناصر من مستضعفي العمال النازحين لبلاد الغير        

هذا ونستخلص مما تقدم وباعتبار ما نترقبه اقتصاديا من جهة تهيئة اليد العاملة الصالحة لادارة دواليب صناعتنا المقبلة وكذلك من الوجهة الاجتماعية والقومية ان سلوك سياسة الهجرة الوقتية والمرتبة بالنسبة لليد العاملة يسمح لنا باعتبار كون هاته السياسية تعد دواء جزئيا لمشكلة الشغل الطفيف بتهيئة المستقبل مع التخفيف من وطأة العطل الضارب اطنابه الآن ومن البديهى ان مثل هاته السياسة التى ليس من شانها على كل حال ان تكون عبثا ثقيلا على كاهل الميزان يجب ان تتناسق وتنسجم بكل حكمة وروبة مع برنامج النمو الاقتصادى الذى هو بصدد التحضير حتى يبرز نفعها للعيان ولا تحيد عن الغرض المجعولة لاجله . ان تكوين شغالى البلاد التونسية من الوجهة الفنية هو ميدان يسمح لبلادنا ولاروبا بربط علائق اقتصادية وصناعية مثمرة بالنسبة للجانبين وبذلك تكون الاقطار الاروبية قد اقامت الحجة على حسن استعدادها لفائدة بعث نمو اقتصادى متناسق بمختلف البلدان وهذا من الامور التى من شانها ان توسع فى آفاق الاتفاقات الاقتصادية التى تبرمها الان تونس  المستقلة مع عدة اقطار اجنبية        

اشترك في نشرتنا البريدية