اذا القينا نظرة على الخريطة السياسية لآسيا لاحظنا ان البلادين الاكثر حضارة وتطورا تقعان بطرفي القارة شرقا وغربا : هما اليابان وتركيا
واذا استثنينا اسرائيل والقسم السفياتـي من ءاسيا امكننا ان نقول ان اليابان وتركيا فقط نالهما من عميق التطور ما يجعلنا نتساءل اذا ما كان البلادان " فرعين " للغرب في صميم الشرق . فالى اى حد ابتعد البلادان عن الشرق والى اي حد اقتربتا من الغرب وفيم تشتركان وفيم تشاركان الغرب ؟ وهل سلكتا نفس السلوك ووصلتا الى نفس النتائج ؟ واخيرا الى اى حد يمكن ان يقتدى بهما ؟
سنحاول ان نجيب عن تلك الاسئلة المختلفة استنادا الى دراسة مقارنة بين الثورتين اليابانية والتركية . وسنبحث بالتوالى :
١) نقطة انطلاق الثورتين ٢) الاساليب المستعملة فى الحالتين ٣) الحلول التى فضت بها كلتا الثورتين بعض المشاكل ٤) واخيرا نحاول استخلاص خاتمة عامة
1) - نقطة الانطلاق
ما هي الظروف التى دعت اليابانيين والترك الى القيام بثورة ؟ كانت نقطة الانطلاق فى كلتا الحالتين الشعور بشئ من الضعف وبشىء من النقص بالنسبة للغرب .
فمصدر الثورتين وطنى في جوهره : هو روح التمرد على الاهانات الصادرة عن الاجنبى : وفيما يخص اليابانيين فقد اضطروا الى منح امتيازات
تجارية وديبلوماسية الى الاميركان وذلك تحت تهديد السفن الحربية سنتى ١٨٥٤ و ١٨٥٨ وقد قذف الاسطول الاميريكى بمدافعه المراسى اليابانية سنتى ١٨٦٣ و ١٨٦٤ فنتج عن تلك الحوادث رد فعل قومى تمثل سنة ١٨٦٨ فى ثورة سياسية . فقد سلب " الشوقون " ( القائد الاعلى ) النفوذ ليعاد الى " الميكادو " ( الامبراطور ) وكان ذلك التاريخ الرئيسى مسجلا لدخول اليابان فى عهد الرقى "مايـجى" وقرر الامبراطور الشاب "موطسوهيتو" ان يجعل من بلاده بلادا عصرية عظيمة السلطان قادرة على حماية نفسها وصون استقلالها . فكان لابد لها ان تدخل "مدرسة البيض" .
وفيما يخص الثورة التركية فاننا نجد نقطة الانطلاق نفسها وهى رد فعل وطنى ناتج عن الاحتلال الاجنبى الذي تلا هزيمة دول اوروبا الوسطى اثر الحرب العالمية الاولى .
فمصطفى كمال - مثل "موطسو هيتو" - قرر ان يرفع بلاده الى مستوى الدول الاوروبية العظمى اى ان يعصرها و"يؤوربها" ، الا ان الاتراك عكس اليابانيين لزمهم - اولا - تحرير البلاد وعكس اليابانيين ايضا وجدوا لديهم الوسائل المادية الكافية . فانتصروا عسكريا على اعدائهم بالقاء اليونانيين الغزاة فى البحر ثم انتصروا ديبلوماسيا على الدول المنتصرة فى الحرب العالمية الاولى وذلك بفرضهم معاهدة " لوزان " الشهيرة سنة ١٩٢٣
الظروف النفسية اذن مختلفة فقد كانت ارادة التجديد عند اليابانيين متاثرة بالشعور بالهزيمة ورغبة الاخذ بالثار اما الاتراك فقد كانت ارادتهم مدفوعة بنخوة النصر وما ان تحرروا حتى زالت عداوتهم للاوروبيين ولم يشعروا بالنقص امام اوربا . على خلاف ذلك اليابانيون فكان اولائك الصفر وقد خدشوا فى كبريائهم العنصرى يريدون محاكاة البيض على الرغم من انهم يكنون لهم الاحتقار والعداوة .
ويمكن القول ان اليابانيين والاتراك كانوا مقتنعين بضرورة تقليد الغرب : فهدف الاولين الاستعداد لمجابهته وهدف الآخرين الاستعداد للاندماج فيه حتى "يمتزجوا تماما بالمجتمع المتمدين"
ذلك ما يمكن قوله عن نقطة الانطلاق فلنقارن الآن بين الاساليب المستعملة
٢)- الاساليب المستعملة :
كانت الثورة في كلتا الحالتين مفروضة من أعلى . فـــ " تغرب " الامتين وقع الشروع فيه بصورة ثورية : بالقوة . فلقد كان قادة الثورة فى البلادين يريدون ان يصلوا الى اهدافهم في اسرع الآجال فلم يروا من المناسب ان يضيعوا وقتهم فى الجدال مع حماة الماضى والتقاليد بل فرضوا عادات جديدة دون ان يتساءلوا عما اذا كانت اذواق الناس تسيغها .
فقد كانوا يعلمون ان اية محاولة للتواطؤ مع الفئات المحافظة تصطدم بلا شك بعقبتين رئيسيتين هما : سوء النية والتحجر .
ولذا اقدموا على قمع اعداء التقدم بدون رأفة لانهم يعلمون انهم يسايرون تيار التاريخ والمدنية فمنحوا لانفسهم حق ازالة جميع العراقيل وفرضوا نظاما مستبدا اعواما طويلة ليجنبوا الشعب خطر السير وراء " الديماغوجيين " فى غير سبيل الرقى .
وكان المصلحون الترك واليابانيون على حظ من المهارة جعلهم يخلقون فى صفوف شعوبهم اندفاعا قويا نحو ما ينتظرهم من الاعمال وبفضل دعاية حكيمة اعتمدت الحماسة الوطنية وارادة القوة تمكنوا من التحصيل على موافقة الاغلبية الساحقة من مواطنيهم .
٣)- الحلول :
ليس من غرضنا ان نقدم دراسة ضافية عن الثورتين وانه لمن الطريف ان يتصدى الباحث الى دراسة الاصلاحات بصورة كاملة فى ميادين السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة . . الا ان ذلك يتطلب مقالات كثيرة ... فلنكتف بالنظر فى الحل الذي اهتدت اليه الثورتان للتخلص من بعض المشاكل ولنتعرف الى موقفهما من الدين واللغة ومن الماضى والتقاليد .
أ- موقف الثورتين من الدين :
وقفت الثورتان اليابانية والتركية من الدين موقفين مختلفين ان لم نقل متناقضين .
فاليابانيون لم يفكروا في فصل الكنيسة عن الدولة والدين عن السياسة لان دينهم ( الشنتوية : Shintoisme) دين قومى يرتكز عن تأليه الامبراطور الذى هو لا يشبه لا "البابا" ولا الخليفة . ذلك انه - فى نظر اتباع هذا الدين - الله نفسه بذاته
فلم يفكر احد - اذن - في النيل من عقلية الشعب اللاهوتية بل كان من المصلحة - على العكس تقوية التعصب الدينى . وكانت الطبقات الحاكمة معتمدة على غموض الشعور الدينى والشعور الوطني عند الجماهير لابقائها على حالة نفسية تحبب لهم دائما التضحية ، وفكرة التضحية بالمطالب الاجتماعية فى سبل مجد الامبراطور وعظمة البلاد كانت تخدم مصالح رجال الصناعات والعسكريين : لقد كان العملة اليابانيون منصرفين بكليتهم الى الفداء .
ولابد - في هذا الصدد - من ان نقارن ذلك بما كان يقع فى الشعوب الاسلامية بآسيا : فان الباشاوات ضربوا دائما على وتر التعصب الدينى او التضامن الملى ليمنعوا الجماهير من التمرد على البؤس والعبودية ولا تزال هذه الحيلة القديمة قدم العالم تستعمل فى بعض بلدان اوربا .
لكن الامر بتركيا كان على عكس ذلك فبفعل الثورة اصبحت تلك الحيلة عديمة النفع لان البلاد رات من الضرورى اختيار "اللائيكية"....
ولم يتردد مصطفى كمال في حذف الخلافة سنة ١٩٢٤ لماذا ؟ لانه اعتبر ان تركيا لعبت طيلة قرون دور المدافع عن الاسلام فلما احتضرت المملكة العثمانية واندثرت لم يغن النداء الى المجموعة الاسلامية غناء ولا افادت تركيا من رابطة الدين شيئا ، ذلك ان العرب في اثناء الحرب العالمية الاولى وتحت تأثير "لاورانس" طعنوا الجنود الترك من خلف فكان على الاتراك ان يشعروا بأنهم اتراك قبل ان يشعروا بانهم مسلمون فعزموا على تكوين دولة على دعامة اقوى من دعامة الدين اى على اساس الحدود الجغرافية والعنصر القومى ومن اجل ذلك كان من الواجب عدم الاكتفاء بحذف الخلافة بل التصدى الى القضاء على العقلية اللاهوتية التى عليها الشعب . فألغيت النظم المستوحاة من الدين (المدارس القرءانية والاوقاف....) وألغي كل ما كان الشعب الجاهل يعتبره يميز المسلمين عن سواهم ( الطربوش - العمامة - الحجاب ....) .
وفي سنة ١٩٢٨ صدر قانون يفصل الدولة عن الدين فلم يعد الدين
الاسلامي دين الدولة التركية ولم يعد الدين وسيلة من وسائل الضغط السياسي او الاجتماعي بل اصبح امرا من امور الضمير الشخصى ومسألة فردية . لقد غادر الدين الشارع ورجع الى حيث يمكنه ان يقوم بوظيفته التمدينية من دون التباس اي رجع الى قلب الانسان .
فاذا قارنا بين موقفي اليابانيين والترك من الدين الفينا الثانين يتخذون حلا "غربيا" اي حلا معقولا يعتمد على مبدأ عدم الخلط بين القيم العليا وعدم تدخل الدولة فى الشؤون الخاصة .
ب) موقف الثورتين من اللغة
وفي هذا الميدان ايضا كان الحل التركى اقرب الى الغرب من الحل الياباني . فلم ير اليابانيون من الضروري ان يغيروا لغتهم تغييرا عميقا فلم يحدثوا "نسقا صوتيا" ولا حروف هجاء وانما احتفظوا بما فى لغتهم من قالب تشخيصى وحروف رمزية وربما كان ذلك افدح ما ارتكبوه من اخطاء لان حفظ الحروف الهجائية (سواء كانت لاتينية او عربية) لا يستدعى وقتا طويلا بينما لا يمكن التعود بآلاف الرموز التى تحتويها اللغة اليابانية المشخصة الا بعد اعوام .
ثم ان جميع الناس يسلمون بأن اللغة المعتمدة على الاصوات آلة تعبير ايسر وادق من اللغة المشخصة التى تعوق التفكير والتعبير عنه فهى اذن عقبة فى طريق التقدم ، ما من شك في ذلك . ومن اجل ما تقدم يضطر علماء اليابان الى استعمال اللغة الانقليزية .
اما في تركيا فان اللغة تغيرت تغيرا جوهريا على عكس ما وقع فى اليابان وبالرغم عن ان اللغة التركية لغة صوتية راى الترك ان " يؤوربوها " وذلك باستعمال الحروف اللاتينية سنة ١٩٢٨ . لماذا ؟ يجب ان نذكر قبل كل شىء انهم كانوا يتخاطبون بلغة تختلف عن اللغة العربية بالرغم عن استعمالهم الحروف الهجائية العربية . الا ان تلك الحروف لم تكن ملائمة لعبقرية اللغة التركية فهذه اللغة - مثلا - تحتاج الى ثمانية حروف صوتية بينما لا يوجد فى الحروف العربية الا ثلاثة . فالاستعاضة عن الحروف العربية بالحروف اللاتينية كانت لها اذن اسباب عملية .
ولكن هناك اعتبار آخر : ذلك ان مصطفى كمال كان يرى ان استعمال
حروف هجائية عالمية من شأنه ان يقطع صلة الاتراك بالشرق و" يدمجهم بصورة اتم في المجتمع المتمدن " .
وهذا الاعتبار هو ايضا ما حدا بفقهاء اللغة الاتراك الى ان يصفوا لغتهم من جميع الالفاظ العربية او الفارسية الاصل ويدخلوا عليها عددا كبيرا من المفردات الاوربية .
وهكذا فان الاتراك في ميدان اللغة اقتربوا من الغرب اكثر مما فعل اليابانيون .
ج ) - موقف الثورتين من الماضى والتقاليد
لم تكن معطيات المشكلة متماثلة في البلادين . فقد كان اليابانيون يريدون ان ياخذوا من الغرب فنونه ونظمه السياسية والاقتصادية لا روحه وعقليته ولم يروا من اللازم ان ينبذوا ماضيهم او ان يزدروا تقاليدهم وكثيرا ما كانوا اذا راحوا الى منازلهم يخلعون الزي الاروبى الذي يحملونه فى الشارع ويلبسون الزي التقليدى .
اما الترك فقد كانوا - على خلاف ذلك - راغبين في اخذ فنون الاوربيين وعقليتهم ايضا . وكانت ثورتهم على الماضى وبعض التقاليد مدفوعة برغبتهم فى نسيان عهد الذل ( عهد "الرجل المريض" باوربا ) . فكان هدفهم ان يغوضوا "التركى " الخاضع للنظام العثمانى فى العهد القديم المتفسخ الاخلاق القابع فى مجتمع رجعى بسبب تشبثه بالماضى ... بمواطن تركى متجه الى المستقبل وساع الى بناء عالم جديد . فكان لابد ان يزول عن الروح التركية كل ما كان ينتسب الى العهد العثمانى وكان لابد من الزج بالدولة التركية الفتية فى ميدان الثقافة والمدنية الغربيتين .
إذن فما كان يجب ان يكون موقفهم من الماضى ؟ انهم اشادوا بماضيهم البعيد السابق للاسلام وذهبوا الى انهم خلاقو الحضارة " الغريبة " باعتبارهم من سلالة " الهيتيت " فنشأت عن ذلك التمجيد للماضى البعيد حركتان مذهبيتان : اتصفت الحركة الاولى بموقفها القومى والعنصرى ( الجزم بتفوق الحضارة والجنس التركيين ) واتصفت الحركة الثانية بموقفها الاستعمارى فكانت ترمى الى توحيد
كافة الشعوب التركية الاصل والعائشة فى داخل حدود تركيا وفى خارجها وجعلها دولة واحدة ، ولنلاحظ بهذه المناسبة ان الحركة الثانية العنصرية الاستعمارية تشبه من بعض الوجوه الموقف اليابانى .
على كل ، مجد الترك ماضيهم البعيد لكنهم وقفوا من ماضيهم القريب اى تاريخهم العثمانى الاسلامى موقف الازدراء والحيطة . وقد بالغوا فى ذلك فباعوا بالميزان الوثائق المحفوظة فى وزارة المال الى بلغاريا الا انهم ادركوا خطأهم فيما بعد لانهم اضطروا الى اشتراء نفس الاوراق باغلي الاثمان .
وقد سبق ان بينا حجج الاتراك في سلوكهم ازاء ماضيهم ، والذي يجب ان نذكره هو ان مصطفى كمال كان حريصا على فرض الشخصية التركية التي واختنقت بسبب اتصالها بالشرقيين والعرب " . وبدهي ان الموقف ازاء الماضى يؤثر على الموقف ازاء العادات والاخلاق .
وقد سار الاتراك الى ابعد مما سار اليه اليابانيون فحرم مصطفى كمال وضع الطربوش والحجاب باعتبارهما رمزي الشرق المتقهقر والماضى المظلم .
وكان زعيم الثورة التركية يريد ان يستأصل اسباب التميز الدينى فى الشعب التركى لانه من الصبيانى - في نظره - ان يعتبر المرء نفسه مجبورا على ان ينفصل عمن سواه من البشر بوضع الطربوش او الحجاب بالنسبة للمرأة . ففرض القبعة لا اهانة للدين بل مقاومة للعقلية اللاهوتية واعتبر وضع الطربوش جناية تساوى في الخطورة المؤامرة على امن الدولة وتعاقب احيانا بالقتل . كما فرض الزى الاوربى ليشعر الشعب انه لا موجب لان يتميز عن بقية اعضاء المجتمع المتحضر . واعطى كذلك للمرأة جميع الحقوق التى للرجل وحررها من عبودية المنزل وعلم الاتراك ان يعتبروا رفيقاتهم اشخاصا كملا جديرات بالاحترام . وكان همه ان ينظر الاتراك الى المراة نظرة الاوروبيين اليها اى ان لا يروها - مثل بعض الشعوب الاسيوية - كائنا ناقصا ويعاملوها كموضوع .
وقد رفع اليابانيون ايضا من شأن المرأة لكن على الورق فقط : فما حصلت عليه المراة التركية دفعة واحدة اضطرت المرأة اليابانية الى ترقبه زمانا طويلا .
وقضت الثورة التركية على عادات اخرى : فحذفت القاب النبل وحرمت التقبيل واحلت المصافحة محل " السلامات " ...
وهكذا وقعت مقاومة العادات الشرقية بثبات واستعملت جميع الوسائل ليشعر التركي انه " تأورب " تماما
٤ - الخاتمة
ويمكن ان نختم بملاحظة ان الاتراك كانوا فى جميع الميادين اكثر جرأة من اليابانيين ويمكن القول بعبارة ادق : ان اليابان " تغرب " فى السطح فقط فهو اخذ عن الغرب فنونه فحسب لكنه حافظ شديد المحافظة على عقليته الاسيوية .
اما تركيا فهي " تغربت " عمقا ولم تاخذ عن اوروبا فنونها فحسب بل هى اخذت عنها عقليتها وقيمها الاخلاقية .
ولا عجب في ذلك في حقيقة الامر . فقد كانت تركيا منذ قرون مندمجة فى حضارة البحر الابيض المتوسط وفى العالم المؤمن بالوحدانية . فلم توجد عقبة اساسية في طريق الاندماج مع العقلية الغربية .
واليابانيون على خلاف ذلك، فروحهم ابعد ما تكون عن التفكير الغربي وذلك ناتج عن انعزال اليابان التاريخي والجغرافي وخاصة عن ايمانه بغير الاديان الموحدة .
والسبب الثاني في التفاوت الملحوظ بين " تغرب " البلادين هو ان اليابان كان يفكر قبل كل شئ لا في تكوين روح اوربية بل في تكوين " جيش اوربى " .
ولنذكر في خاتمة هذا البحث باننا انما اعتنينا بدراسة الناحية النفسية والعقلية من الثورتين اليابانية والتركية من دون ان ننظر في نتائج الثورتين من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وقد يكون ذلك موضوع دراسات مقبلة .
والقراء المعنيون بمستقبل تونس ربما تساءلوا هذه الاسئلة : ما يمكن لبلادنا ان تستخلصه من التجربتين اليابانية والتركية ؟ وقبل كل شىء : هل من المناسب ان تفكر فى ان " تتغرب " وما يمكنها اقتباسه منهما ؟
من البدهى ان لكل شعب شخصيته وان المشاكل ليست متماثلة فى كل مكان
فالظروف التى وجد اليابانيون والاتراك انفسهم فيها حينما قرروا الثورة لا تبشه ظروفنا اليوم . ذلك انه ليس من اغراضنا لا الاخذ بالثار من اوربا (كما فعل اليابانيون سنة ١٨٦٨) ولا تشييد دولة جديدة على انقاض امبراطورية منهزمنة (كما فعل الاتراك سنة ١٩١٩) .
وظروفنا النفسانية جديدة ايضا . فالمشكلة بالنسبة الينا هى : هل يجب علينا ونحن نبني تونس الغد ان نولي وجوهنا شطر المشرق ام شطر المغرب ؟
ومعروف انه يوجد باوربا دول متاخرة كما يوجد بالشرق دول متطورة ومعروف كذلك انه يوجد بالغرب افراد ذوو عقلية شرقية كما يوجد بالشرق افراد ذوو عقلية غربية .
الا ان الذي لا شك فيه هو ان اكثر البلدان المتاثرة بالحضارة الاوروبية ( وخاصة بلدان اوربا الشمالية الغربية والولايات المتحدة وبعض المملكات البريطانية ) ارقى من غالب بلدان آسيا وافريقيا . وقد بلغ المستوى الحضارى عند بعض البلدان الشرقية حدا من الضعف اصبحت معه كلمة " شرقي " مدعاة للسخرية .
ومع بعض الاستثناءات فان الشعوب الشرقية مصابة - على تفاوت فى الدرجة ببعض المصائب : البؤس المادي ، البؤس المعنوي ( الجهل - التعصب ) ، البؤس الاخلاقي ( الحرمان من الحريات - استبعاد المراة . . . )
والجغرافية مسؤولة على ذلك الواقع الى حد ما وليس البشر مسؤولا على المناح وفقر الارض . ولكن بؤس بعض الشعوب ناتج مع ذلك عن موقفها الفلسفي ازاء الحياة . اليس تقديس الاباء والاجداد هو المسؤول عن جمود بلاد الصين الطويل ؟ اليس التشبث القوي ببعض التقاليد هو الذى اوقف سير الهنود نحو التقدم ؟
فلا يمكن السير الى الامام اذا كانت الاعين شاخصة الى الماضى ولا يكون السير سريعا على كل حال . ومهما كان الامر يجب ان لا تستند الى الدين لمعارضة التقدم والسعى الى الرفاهية والحرية وقد استغلت القوى الاقطاعية ظاهر النصوص الدينية والايمان الشعبى للمحافظة على امتيازاتها . وفى بعض بلدان الشرق جعل
" الديماغوجيون " استغلال غرائز الشعب واهواءهم فنا قائما بنفسه واثرى الكثير من محترفي السياسة بحسن استخدامهم للاساطير ولا يمكن ان تقتدى ببعض البلدان المنحطة حيث يشجع الجهل والتجهيل ويقاوم التقدم فى جميع مظاهره
ويجب ان يكون غرض الجميع في بلادنا رفع مستوى المعيشة والنهوض بمستوى الجماهير الثقافي - على غرار ما يقع فى البلدان المتقدمة - والسعى الى النجاعة يجب ان يعتبر قبل كل شىء . ومن واجبنا ان نستوحى ونستعين بمن هم اكثر تطورا منا وان نتجه نحو المستقبل وننضم الى " المجتمع المتمدن " .
هل يجب ان نثور مثل تركيا ام مثل اليابان ام هل يجب ان نحجم عن القيام باي ثورة ؟
ان لنا في بلادنا رجالا ذوي قيمة نادرة ولهم اسمى النظر فى اختيار انجح الطرق وادناها الى مصالحنا !

