الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 285الرجوع إلى "الرسالة"

الحقائق العليا فى الحياة، الإيمان . الحين . الجمال . الخير . القوة . الحب, الايمان

Share

يقية الحديث في مصير الانسانية

ان مصير الانسانية ليس بالأمر الذى يمر عليه القلم بدون إلحاح في تركيزه في المقول وتبيين آثاره في الحياة وفى النفس . إنه الحياة كلها في رأى الدين، والمدم كله في رأى الالحاد ، وشتان بين الحياة كل الحياة ، والعدم كل العدم فيها وراءها من آثار : شتان بين أن يعتقد الانسان أنه جنين في بطن الدنيا سيولد منها ولادة ثانية ، وبين أن يعتقد أنه سيخرج منها سقطاً مسبوتا هالكاً إلى غير رجعة : إنها مسألة عظمى في قيمة الانسان وفى سكينته واطمئنانه إلى مركزه في الحياة

إن الانسان العادى غير الصوفى لا يحتمل أن يتلقى القول بأنه مخلوق للحياة منا فقط ، دون أن يثور على الحياة أو يقنط قنوطاً قائلاً الحيويته

لقد وصل القول عند بعض الفلسفات إلى اعتبار الانسان مظهر الإلسمية أو شرارة من روحها ! فكيف إذا ينطمس هذا الامر ، أو تنطفى تلك الشرارة ؟

ثم لترجع إلى ما يثبته المقل للخالق من حكمة وعدل تقتضيهما ضرورة الكمال الإلهي الذي لا يستطيع النقل أن يستغنى ا كصفة ثابتة للاله ، فتتساءل : هل في الدنيا مع آلامها وشرورها عدل مطلق ؟ يجيب المؤمن والملحين ذلك جواباً واحداً : كلا : ثم يفترقان ، فيذهب المؤمن إلى أن كمال العدل المطلق وراء هذه الحياة ، في تلك الحياة المثالية التي فيها كل خيالات للكمال وأطياف السعادة التي طاقت بأحلام كل الناس وسكنت رؤوس الفلاسفة والحكماء ، أوجدها في نفس الانسان إلهام عميق خفى لتم الصورة المقلية للكمال الاسعى . وفي هذه المقدمات وفي نتائجها المستمدة من منطق الطبع ومنطق التجريد

راحة النفس المؤمنة وسكونها وطمأنينتها أما النفس الملحدة فماذا عساها أن تصنع غير طيران خواطرها

في فراغ لا قرار له ؟ إنها لا تملك أن تسقط على قرار حتى تتحطم فتستريح : وملاك ما تنتهى إليه أن حياتها كمياة تلك الحشرات والديدان التي تعيش» على الروث والعفونة في الظلمات ثم تموت عليها وتدفن فيها : ولتحى بعد ذلك السموات أو فلتسقط 1 ولتكن هذه الموالم الزاخرة بالعلوم والجمال والعجب العجاب لتراها فقط أشباح تلك الحشرات الصغيرة والكبيرة من بعد فتقتل غيظاً كل يوم ألف مرة ثم تذهب إلى غيبوبتها الكبرى مع كا كانت / والحياة إذا بلا قـد أو غاية ، والرءوس الانسانية إذا تفرز التفكير كما تفرز الكبد الصفراء ، أو كما يقرز ذيل المقرب السم !

سلام لك أيتها النفوس المعذبة مما أنت فيه وإنه لمذاب غليظ ! إن الإلهام الذى فيك من الخالق يناديك : أنت المقصودة بالخلق فى الأرض ... أنت خالدة ... ( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ) د وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين . لو أردنا أن تتخذ لهوا لا تخذناه من لدنا إن كنا فاعلين . بل تقذف بالحق على الباطل فيدمنه فإذا هو زاهق . ولكم الوبل مما تصفون »

ثم مادام كل ما في الفلسفة فروضاً لا تدخل في قليل أو كثير إلى العلم اليقيني ، فما بالنا تترك الايمان وجود مصير رفيع للانسانية على أنه فرض فلسفي ؟ إنه أسبح الفروض وأصلحها للحياة الدنيا وأدماها إلى الإصلاح المستمر المخلص

وهنا دليل ينبع ويستنبطه العقل من بين ما أنزل : ذلك أن أقرب الفروض إلى الحق فى الدنيا هو ما يدعو إلي صلاحية النفس للحياة وإصلاحها لها ، وما يحل به أكبر مقدار ممكن من المشكلات، وما صح تطبيقه على وجه الشمول بين الناس في كل مكان وزمان . ذلك مبدأ تسلم به الفلسفة والعلم ومذاهب الأخلاق

ومصير الانسانية إلى حياة أخرى أسمى من هذه الحياة . ذلك الفرض الذي ينطبق عليه ذلك التعريف السابق ، هو لا غيره وقد عودتنا الحياة المدنية أنها لا تحترم ولا تبقى إلا ما يتفق

مع حفظ قوانينها ويضمن افراد تقدمها . فمتى خلينا الدنيا من هذا الفرض أمام الانسان فهنالك تكون الحالفة : حالقة العمران. وإذا كانت معرفة مثل الزهاوى أن الانسان لا يأتي إلى هذه الدنيا مرتين قد حملته على أن يطلق لنفسه العنان في اقتراف اللذات ويدعو إلى ذلك فيترول

لا تقف في وجه هذا تك مكتوف اليدين

أنت لا تأتى إلى دنياك هذى مرتين

فما بالنا لو عرف الناس أنهم لا يأتون إلى دنياهم ولا يذهبون إلى مصير آخر ؟ إنهم يضلون كل جريمة للذة وانهاز فرصة الوجود الواحد في هذه الحياة التي ليست حينذاك إلا وليمة أدبها ذا القدر للتلذذ وتشعى فيها كما قال الأول :

تمتع من تميم عرار مجد فما بعد العشية من عرار

وحق لهم أن يفعلوا ذلك !

ينبغي أن تعلم وتتذكر دائماً أن « إرادة الحمية » إنما تحفل غاية الاحتفال بعقليات أكثرية الانسانية لا بعقليات هؤلاء الفلاسفة المسرفين ، وقطيع الانسانية يسير بالهام مركب كما تسير قطعان الحيوانات الأخرى بالهام بسيط ، وإذا كانت قطعان الحيوان لا تحتاج في حياتها إلى فلسفة لأنها تسير بنظام أشبه بالنظام الآلي فان الانسانية تحتاج في سيرها في الحياة إلى الفلسفة ولكن من غير إسراف . فلا يقرضن حكيم أو فيلسوف شفت فيه شعلة الخيال والذكاء وقوة الافتراض عقله وطريقة إدراكه للأشياء على جميع عقليات الانسانية المرهونة بالبسائط والسجينة في أقفاص فولاذية من الضرورات الجسدية . وقد دلت الانسانية بتاريخها العتيد أنها لا تستجيب لخيال الفلاسفة المسرفين إلى درجة الهذيان أحيانا. ومن مصيبة بعض الفلسفات أنها تتخذ الشك ديناً ؛ والشك حسن على أنه باب إلى اليقين عند من في عقولهم محطات ورباطات تقفهم عند البديعي ، لا على أنه حالة استقرار فانه حينئد يجين ويشقى ويشرد المقل الانساني وينقيه من حياة الالهام البسيط والمركب ، وكل شيء في الحياة لغز وأحجية من ذرة المادة وصورها وتكوينها وطاقاتها وقواها إلى الروح وأسرارها وحناياما . كل شيء يحمل كل عقل بصير يقظ تى أن يقف أمامه دائراً بأسئلة عنه لا عدد لها . وقد نقلنا في مقال ( النار المقدسة ( المنشور فى عدد سابق من الرسالة عن

( خبروني ما هي المادة ؟

وقد خابت الفلسفة اليونانية في أن تخرج دينا عاما يتبعه جميع اليونان ، دع عنك أكثر الناس . وكانت كل مدرسة من مدارسها لا تظفر إلا بعدد محدود من التلاميذ لا يلبثون أن يتفرقوا بعد موت أستاذهم أو في حياته ، من غير أن تقدم إحدى تلك المدارس إلى الناس وازعاً يقوم مقام وازع الوثنية التي كانت تضح بها معابدهم. ولا يزال ) القليون ، خائبين في إيجاد ذلك الوازع الأدبى الذى يحكم الجماعة من الداخل كما تحكمها القوانين من الخارج . ذلك لأن الانسانية ممدودة بالالهام الذي يربطها بما وراء الطبيعة . ولن تستمى عن رازعه بما تقدمه لها العقول إذ هى من جهة حائرة في أى القول تتبع ، ومن جهة أخرى هي لا تؤمن بما تصنعه شي ، ولا تعتمد عليه في رغبتها وزهبتها . وما تقدمه إليها العقول مصنوع مخلوق أمامها فهو أرضى ضعيف غير ممدود بما وراء الطبيعة ، فلا يعزى ولا يخيف ولا يرغب .

وهذا هو ما يسلمنا إلى الحديث عن ( النبوة والرسالة ) ووجوبهما . والعمدة فيهما على معرفة و الوحى » وقد خرج الحديث عن الوحى من منطقة الفلسفة إلى منطقة اللعلم بالبحوث العلمية الأخيرة في النفس الانسانية وقواها وأسرارها . وهي يحون مبنية على التجارب التي هي أداة ( العلم ) بمعناه الاصطلاحي الآن . الرستمية

اشترك في نشرتنا البريدية