الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 289الرجوع إلى "الرسالة"

الفنانون المصريون

Share

لما كنت فى جبال الدولوميث صيف السنة الماضية لقيت نفرا من مهرة الفنانين الإيطاليين . فحدثونى عن القسم المصرى لمعرض البندقية الواحد والعشرين Biennale  XXe . وكان حديثهم من أعذب ما سمعت إذ أقروا أن دلائل الفن المصرى الحديث من الطراز الأول . ولما اتحدرت من جبال الدولوميث إلى سهول إيطالية لم اريدا من الذهاب إلى البندقية فوصلتها فى يوم يكاد فيه الهواء يصل إلى الرئة : حر اسوانى وثقل فى الجوتم بعوض فتاك

إن القسم المصري في معرض البندقية كان شيئاً عظيماً حقاً.  فلم أفرغ من تأمله حتى بعثت إلى (الرسالة) بمقالة مسهبة وصفت  فيها المعروضات وعللت تقدم الفنانين المصريين. وإذا المقالة  لا تنتهي إلى (الرسالة)   عفا الله عن البريد

وليعز على أن أهمل ذلك القسم المصرى ، إلا أني أصبحت أرى معروضاته على ضوء ضئيل او كما يقول المصورون انفسهم فى ضياء مظلم cair obscur ومما يزيد فى اسفى ان هذا القسم عرض ثانية فى فندق الكوتتينال فى القاهرة وانا لم احضرها بعد فهل يؤذن لى أن أكتب من الذاكرة ؟

اذكر من الصور تلك التى عرضها محمود سعيد وهو مصور يحق له ان ينافس كبار زملائه من الفرنجة . ويمتاز سعيد ببث الحياة الزاخرة فى نواحى صوره وبالإتقان من غير تكلف وبالتاليف الجامع المدفون فى اللمحات والإشارات كانه نغمات تنسجم على وزن لا يبلغ الأذن . ثم إنه أخذ يفلت من تأثير روبرندت Rewbrandt وروبنس Rubens وحول انظاره إلى الفطريين امثال فان إيك Van Eyck   إلا أنه يصب فى ألواحه ما يحس به خاصة وما يضطرب فى الطبيعة المصرية . وله اداء تعبيري يدعوك إلى الروية وطلب المزيد . وإنك

لتلمس هذا أمام صورتين له على وجه التخصيص هما: فتيات بحري  والجزيرة السعيدة.

وأذكر من المنحوتات تمثالا لاحمد عثمان يبرز فتاتين خارجتين إلى النزهة فيما أظن . والتمثال على الطريقة الوصفية الدقيقة . إلا ان الدقة فيه غير مباشرة ، ومعنى هذا ان التفاصيل لا تؤدى على حالها المنظور بل على حالها المتخيل . وهذا اسلوب فى الاداء عرفه قدماء المصريين وجمال هذا التمثال من جانب الصدق الذي يفيض من نواحيه ثم من جانب قوته التزيينية decorative

وهنا أحب أن أعلن أن الفن في مصر الحديثة سبق الموسيقى  والرقص والشعر حتى النثر لأنه بنجوة من الرأي العام لانصراف  الجمهور عن مظاهره، والرأي العام عندنا يكره الوثبات، ولأنه  غير خاضع لسلطان التقاليد والمنقولات إذ التصوير في الإسلام  لا يعدو جانب التزويق، ولأنه نهض أول ما نهض على قواعد  الفن الأوربي وحده فلا نزاع ولا شقاق ولا تقديم رجل وتأخير  أخرى. أضف إلى كل هذا أن أصحابه أدركوا أن غاية الفن  الصحيح طلب الطرافة من ناحيتين: الأولى بالانطواء على النفس  والثانية باستلهام ما يحيط بك. فهذه تخرج لكل بلدٍ فنه  الموقوف عليها لأنه مستمد من سمائها وأرضها سليقة أهليها،  وأما تلك فترسل في ألواح كل فنان معنىً وتنفث سراً.

اشترك في نشرتنا البريدية