أحن بين حين وآخر الى تصفح ما يتكدس لدي في الحقائب والروايا من اوراق أو رسائل يظنها صحبى ، وكثيرا ما أشاركهم هذا الظن ، بأنها من المهملات التي ليس لها من فائدة غير ملء الحيز وافساد الذوق ، وما اكثر ما عثرت بين تلك المهملات على طرائف ونوادر ازدادت طرافة وقيمة بعد مرور الزمن عليها وهي مطوية في زوايا النسيان
وقد وددت اليوم أن أتحدث عن بعض ما اعجبت به من تلك الطرائف التي وجدتها في آخر " غزوة " اقتحمت بها طيات صحائفى المهملة ، وفيها من القيمة الادبية ما يؤهلها للنشر في هذه المجلة الزاهرة ، وأكبر ظنى أنها تنشر لاول مرة فى عالم الادب .
1 - شاعر من افريقيا السوداء
في رسالة من الصديق الشاعر العربى الفحل " محمد على الحومانى " أطاب الله اقامته بمصر اندثرت كتابة تاريخها وربما كان ذلك سنة ١٩٣٩ يذكر لي فيها شيئا عن بعض شعراء العربية في افريقيا السوداء ومنهم شاعر مغمور اسمه سيد سيدا ومقامه في السودان الافرنسى ومن اشعاره هذه القصيدة عن حبيبته " لبنى "
لبنى وما ادراك ما لبنى عرفت صبا مغرما ذا قلق
تسبي بثغر أشنب ومرشف قد ارتوى من قرقف معتق
وناعم مهيكل وفاحم مرجل وحاجب مدقق
وعقب محجل ومعصم مسور وعنق مطوق
وقبلت اقدامها ذوائب سود كقلب العاشق المحترق
ولا يزال في رياض حسنها يسرح فكري ويحول رمقي
لا بد لي منها ولو تحصنت بالاباق الفرد وبالخورنق
فان ظفرت بالمنى في قربها بالغت في صيانة العرض النقي
وان بقيت مثلما كنت فلا زلت بغيض مضجعي وغرقي
وفى ورقة أصفر لونها وكادت تطمس معالم كتابتها وجدت هذه الابيات وفي ذيلها توقيع الاديب سليم سركيس الذي يعرفه أدباء العربية في اوائل القرن الحالي سيدى الاستاذ الفاضل
مولاي ان جماعة الادباء قد راموا اجتماعا بالامام الكاظمى
قالوا ادعه يوما نجيء جميعنا أو سر بنا لنزور أبلغ ناظم
قلت الخيار لسيدي الاستاذ ان شاء المجيء أكون أعظم غانم
أو شاء أن نسعى اليه فمنة تجزى بشكر من فؤاد هائم
والذين يعرفون منزلة المرحوم " شاعر العرب " عبد المحسن الكاظمى في عالم الشعر العربى الاصيل ومنزلة سليم سر كيس في عالم الادب والصحافة العربية تهزهم هذه الابيات ببساطة أسلوبها الرائع وهى ترمز الى ما كان يكنه الادباء فى أوائل القرن الحالي للمرحوم الكاظمى من تبجيل وتعظيم هذا اذا قورن ذلك بما يجهله المتأدبون في هذه الايام عن شاعرية الكاظمى وعبقريته فى عالم الارتجال وسرعة البديهة كما نصفه العقاد " . (1)
وأحسب ان قصيدة الشاعر سيد سيدا تنشر هنا لاول مرة وكم اكون شاكرا لو اعلمني الادباء والمتأدبون ممن يطلعون على هذه السطور على ما يعلمونه عن هذا الشاعر وما انتهى اليه الامر في هذه الحياة .
أما الابيات الثانية وهى ابيات سليم سر كيس فانها لم تنشر من قبل حتما وقد وجدتها ضمن اوراق ومخلفات المرحوم الكاظمي حيث لدي منها بعض الشئ وكنت قد تلقفتها واحتفظت بها بعد وفاته سنة ١٩٣٥ بمصر الجديدة

