من مآسي الحياة
سيدي الأستاذ الزيات
لقد وعدت أن أقص عليك ما أعلم من مآسي الحياة، ولكني رأيت ألاّ أفي بوعدي رحمة بالرسالة وقراء الرسالة
إن حبي للرسالة يمنعني أن أحملها من المآسي ما تخر تحته الجبال.
مآس سحقت قلوباً كانت قوية، وأذلّت نفوساً كانت عزيزة أبيّة، وهدمت حياة كانت حافلة بالآمال والأعمال.
فهل في استطاعة الرسالة احتمال كل هذا؟
أما كفاها ما حمّلها صاحبها من مآس وهي لا زالت طفلة في السابعة من عمرها؟ لقد رأيت الدموع تجري بين سطورها، وسمعت أنّات القلوب المحطمة بين صفحاتها، فهل أزيدها ألماً وأحمّلها عصارة القلوب المنسحقة؟.
رحمة بالرسالة يا سيدي فهي - على الرغم ما تحمل من علوم وآداب عالية - لا زالت رقيقة صغيرة نضرة. وأني لأشفق عليها من وصف ما وصل إليه الإنسان من وحشية وقسوة!!
نعم يا سيدي الفاضل (إنه لا يزال في خبايا الغيوب وطوايا الحجب ما هو أمضّ لوعة وأشد روعة من (فتون وجنون)
لا يزال في خبايا الغيوب وطوايا الحجب مآس هي أقرب إلى الخيال منها إلى الحقيقة. وفي خبايا الغيوب آلام تضعف عندها الألفاظ وتمتنع عنها أقوى المعاني
وفي طوايا الحجب ضحايا. . .
ليت رحمة الله تدركهم فيذوقوا نعمة الموت! حتى الموت امتنع عنهم
وهل هناك أشد بؤساً من قوم كل أملهم انتظار الموت؟
لا تشك الدهر فيما يأتي به من شقاء، ولا تلم القدر بما يجيب من دعاء، فإن قلب الإنسان أشد قسوة وأمر تعذيباً من كل هؤلاء. بين الناس من يحملون قلوباً كالرحى. ولقد فكرت مراراً كيف يقدر الإنسان أن يتفنن في تعذيب إنسان آخر وخصوصاً إن كان أقرب الناس إليه!! ولكني عجزت عن الجواب.
أراني يا سيدي الفاضل تماديت في الحديث أكثر مما كنت أود وأخشى إن أنا استرسلت في الكتابة أن أكشف عن خبايا
مآس ربما كان سترها أفضل، وأعيد ذكرى آلام ربما كان نسيانها أوفق، فعفواً سيدي ومعذرة إن أنا لم أنجز وعدي. فليس في استطاعتي أن أقص عليك. فربما كان الصمت أبلغ من القصص.

