الآمال المعقودة على الحج

Share

لئن كان لكل تشريف هدف مقصود  وغاية مطلوبة ، ولكل عبادة اثرها  وانطباعاتها في النفوس ، فان للحج وهو  الركن الخامس من اركان الاسلام اهدافا سامية يهدف إليها الشرع ومقاصد يطلبها ،  وهي في شمولها واتساع جوانبها تشكل  دائرة متماسكة الحلقات ، ياخذ المسلم  بطرفها فتنتهى به إلى نهاية الدائرة ، ويكون  له من متابعة الخطو والسير الى نهاية  الشوط بلوغ الأمل وكريم الجزاء على صالح  العمل وهو ما يصوره الحديث الشريف :  " الحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة " .

أما الاهداف السامية التى يهدف إليها  الشرع ، والمقاصد التى يطلبها من شرعيته  للحج - فهى كما اسلفت دائرة متصلة  الحلقات تشكل اهدافا دينية ومقاصد  شرعية تدور حول استفراغ الجهد فى  الطاعة وحبس النفس على مرضاة الله  واكتساب القرب ، مهما كلف المرء ذلك  من متاعب وتضحيات جسيمة مالية وجسمية . . ذلك ان الحج بطبيعته لون من الجهاد  بل هو أحد الجهادين كما جاء فى بعض  الآثار . . يتطلب جهدا فى كل وجه . وكدا  متواصلا ، لا ركون فيه الى راحة ، ولا غفلة فيه او تقاعس عن اداء الواجب ، ولا من  فيه او رياء ، بما يبذله المرء من متاعب  جسمية او مصاريف مالية ، فالنقلة  والارتحال وركوب متن الاخطار ومفارقة الاهل والولد الاثير والصديق الغالي وكل

حبيب وقريب ، ثم التضحية بالمال ينفقه  الحاج في مصارف الحج ورحلته طيبة به  نفسه ، والجهد الذي يبذله الحاج في  الطواف والسعي ، وفي الصعود الى عرفة  واللبث في مضارب لا يلبث ان يقتلعها  فى سرعة لينصبها مرة اخرى وفي موضع  آخر ، ورمي الجمار وذبح الهدى والضحايا  وما الى ذلك من اعمال الحج كل أولئك جهاد في واقعه ، وان كان دون الجهاد بالسيف  والسنان ومصاولة العدو فى الميدان وبيع  النفس رخيصة لله وفي سبيل اعلاء كلمة  الله . .

نقل عن امير المؤمنين عمر بن  الخطاب رضى الله عنه فى تصوير واقع  الجهادين جهاد اعداء الله وجهاد النفس  بالحج طاعة لله انه قال : " إذا وضعتم  السروج من سفر الجهاد اى جهاد اعداء الله فشدوا الرحال الى الحج والعمرة "

وجاء عن الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضى الله عنه قوله انما هو سرج ورحل  فالسرج فى سبيل الله اى للجهاد والرحل فى الحج " وذلك ما يحفز الهمم للاخذ بالجهادين معا لمن توافرت لديه الامكانيات ولهذا الجهد  الصالح المشكور المبرور الذى يبذله الحاج  فى حجه والذي يشمل المال وهو انفس شئ  يعتد به المرء والنفس والبدن - لهذا الجهد  اثره المحمود في صقل النفس وتقويمها  وترويضها على التضحية فى سبيل الواجب  وتهذيب ملكاتها ومجافاتها للدعة والرخاوة  

والاستكانة   الانطباعات المشرقة لحياة العزة والقوة والاعتزاز بواهب العزة والتعلق به ) ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين

والى جانب هذه الاهداف الدينية اهداف  اجتماعية وسياسية واقتصادية عليها مدار  تكوين الشخصية الاسلامية واثبات وجودها  تحت الشمس ، لتكون فى الذروة في دنيا  الناس لها مقوماتها الخاصة واهدافها فى   الحياة

ولا يتسنى ذلك الا بالالتفاف حول مركز  دائم يكون مصدر اشعاع للنهوض والتوثب وباعث روح التكتل وتضافر الجهود بين  افراد  الجماعة الاسلامية ولذلك جعل الله  بيته المشرف والحج اليه وزيارته والتردد  عليه مركزا للاسلام وقياما لمصالح الامة المزدوجة  فى الدين والدنيا كما قال تعالى : ) جعل الله  الكعبة البيت الحرام قياما للناس ، وجعل افئدة المسلمين تهوي اليه واضفى عليه الأمن  ليكون ضمانا لبلوغ الغاية فيما يصبو اليه

المسلمون من تكتل الجهود وتوحيد  الصفوف وتكوين الروابط والتشاور فى مصالحهم ووضع الاسس الصالحة لانعاش الجماعة الاسلامية اقتصاديا وتدعيم حركات التحرر والانطلاق من نير المستعمر وما الى ذلك ثم يكون الصدق من مركز الاشعاع في  ضبط وربط للمصالح والاهداف وفي حزم  وعزم لمواجهة الاحداث ومغالبة المحن والاعاص الهوج التى كثيرا ما تتعرض فرق  الجماعة فى مختلف اقطارهم وامصارهم  بفعل اعدائهم وكيد خصومهم

ففي الحج تصطحب الاغراض الدينية  والمصالح الدنيوية وبالحج تاتلف الاهداف وتزدوج المقاصد والمطالب التى يقصدها  الشرع ويطلبها من شرعية هذا الركن  وتمهيد السبل اليه ووضع الضمانات لاقامته

فالحج بواقعه الصحيح معقد الآمال  لبلوغ خيرى الدين والدنيا والحظوة  بالسعادة في الآخرة والأولى سدد الله الخطى

اشترك في نشرتنا البريدية