الجامعة العربية، خطوة نحو الجامعة الأسلامية

Share

منذ نصف قرن فقط كانت الامبراطورية العثمانية تسير حثيثا نحو الاضمحلال والزوال ، حتى إذا نشبت الحرب العالمية الأولى كان دخول تركيا الحرب ضد الحلفاء إيذانا بزوال تلك الامبراطورية الى غير رجعة ، ولقد خرج العالم العربى من تلك الحرب التى اشترك فيها اشتراكا فعالا ، فلم ينل جزاء ما قدمت يداه سوى دولة الحجاز اعترافا بفضل الحسين بن على فى تقويض دعائم الاتراك فى الجزيرة ، حالما ورث الانجليز فلسطين وشرقى الأردن والعراق ومصر

كما ورث الافرنسيون الملك ابن السعود يصفى المبعثرة المتفرقة وقد علت سلطانه عليها ، كما كان اليمن قد انفصل تحت إمرة الامام يحيى .

سوريا و لبنان وكان جلالة حسابه فى نجد مع قبائلها كلمته فى تلك الربوع وساد

والواقع ان السياسة العثمانية لم تكن فى يوم من الايام رشيدة ، خصوصا بالنسبة لسكان الجزيرة العربية ولذا كان الجهل يخيم على الديار وكانت الفرقة بين القبائل العربية والقطيعة تجعل من العسير على أي منها أن يفكر فى غير نهب الآخرين وفرض سلطانه عليهم .

تمكن الامام يحيى فى اليمن ؛ وتمكن ابن السعود فى نجد ، وبقى الحسين فى الحجاز ولكن سياسة الاخير منهم لم تكن لتتصف بالرشاد والحكمة ، أضف الى ذلك ان روحا من الشك أخذت تطغى عليه ، فنسى أمر حجازه وما يتطلبه العهد الجديد من بدء سريع فى الاصلاح العام ، فى الحين الذى كانت سياسته تجاه سلطان ابن السعود لا ترتكز على أساس من المنطق أو العدل .

وبينما كان يحلم بضم الجزيرة اليه إذا بابن السعود يضم بلاده الى ملكه ؛ وبنظرة عاجلة على الموقف فى ذلك الوقت يتبين لنا انه كان من العبث يومذاك ان يفكر إنسان فى لم شعث تلك الدويلات القائمة وتوحيد قيادتها .. لقد ظهرت المملكة العربية السعودية الى الوجود ولكنها كانت ضعيفة البنيان تفتقر الى كل مقومات الحياة فيما عدا شخصا واحدا رزق من قوة الايمان والصبر وبعد النظر ما جعله بارقة أمل المخلصين والمؤملين فى العرب والمسلمين .

وتوطدت أركان المملكة الجديدة يوم قضى على آخر فتن القبائل والثورات الداخلية ، ويوم انتهت الحرب بين عاهل البلاد السعودية وعاهل اليمن تلقى العالم مرة أخرى درسا كريما من أخلاق الشرق الكريم ؛ وأصبح الكل يهتف لعبد العزيز ، وخفت حدة الخلاف بين الهاشميين فى الشمال وابن السعود فى الجنوب ، وكان الوضع فى سوريا ولبنان ومصر ينذر بقرب العاصفة ، ثم قامت الحرب العالمية وانجلت عن استقلال سوريا ولبنان وتطور فى مركز مصر والعراق لصالح العرب .

أنشئت الجامعة العربية ، وكان قليلون جدا يؤملون فيها ، أما قادة الرأى العالمى فقد افترضوا فيها ذنبا جديدا يتبع السياسة البريطانية ولونا جديدا من حيل الاستعمار الحديث .

ظلت الجامعة تسير بخطوات وئيدة ، ولكن الخلاف بين بيوتات الحاكمين كان عسيرا على الاصلاح فى نظر العارفين ببواطن الامور كما قيل .

وحدثت المفاجأة يوم اجتماع رضوى بين مليك مصر ومليك البلاد ، ثم تلاه اجتماع إنشاص لملوك الدول العربية ورؤسائها ؛ والجامعة تكسب كل يوم أنصارا أ كثر ، وتزداد قوة ومضاءا .

وجاءت محنة فلسطين فكانت المحك ، وإذا بالخير يأتينا من محنة فلسطين ، وإذا بنا نجمع على كلمة ونحزب أمرنا على أمر ، ثم جاء اجتماع الرياض بين ملك الأردن ومليك البلاد ، فإذا بالكلمة قد اتحدت وإذا بالشمل قد جمع ؛ وإذا بالجامعة العربية تصبح حقيقة جميلة كالنهار .

حقا إن يوم الرياض كان (( حفلة الافتتاح )) للجامعة العربية ، أما ما سبقه من الأيام فقد كان الناس فيها يضعون الأسس لبناء شامخ .

لابد للجامعة اليوم من أن تضع لنفسها برنامجا ثابتا يقوم على أسس من الدراسات العميقة وبعد النظر ، برنامجا يقوم على تقدير الواقع الملموس والاستفادة من تجارب الغير وعبر الماضى ، ولابد من أن تختط الجامعة سياسة خارجية موحدة تكون دستورا للجميع مع وضع برنامج لتوحيد القيادة والدفاع المشترك ؛ وأن تجهد فى معرفة ما يحتاج اليه كل عضو من أعضائها فى جميع الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ؛ فمما لا شك فيه أن دول الجامعة العربية لا تستطيع الوقوف على قدم المساواة بعضها مع بعض كما أن الفروق بينها ليست بسهلة الحل بكلمة تقال أو مقال ينشأ ؛ وانما المسألة مسألة أجيال متعاقبة خلفها الجهل نتيجة لسياسات مرسومة من قبل خلال قرون طويلة .

. أحسب أن الدعاية للجامعة العربية يجب أن ينفق عليها بسخاء حتى يعرف ابن البلد فى كل بلد ماهية تلك الجامعة ؛ وانى لأحسب أن الجامعة يجب أن يحشد لها من المتعلمين ورجالات البلاد العربية بحيث تكون للجميع ويقوى مركز الجامعة العربية كلما كانت الأنغام التى يرسلها أعضاؤها منسجمة وعلى نسق واحد جميل .

إنه لا يكفى الجامعه العربية أن تنفخ فى أبواق الدعايات فى الخارج لكى يصدقها الناس فيما تقول ولكن الواجب يقضى على الجامعة أن تعمل فى الداخل وباستمرار لسد الفراغ فى كل مرافق الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية فى أقاليم الدول الاعضاء ؛ ولتترك الجامعة العربية عشرات الألوف من السياح والصحفين ومئات الساسة ورجال السلك السياسى الذين يقبعون فى ديار أعضاء الجامعة يؤمنون بما تفعل ويعجبون بما تقوم به وينقلون الى بلدانهم صورا حية عن النشاط الذى تقوم به هذه المؤسسة الفتية ، ومن رأيى ان الجامعة العربية كلما تقدمت بها السن تزداد شبابا ونضارة وقوة على قوة                                                                 ٤٣١

أما موضوع الجامعة الاسلامية فهو وان كان لا يزال حلما - وحلما جميلا - إلا اننى أرى أن ننظر الى الموضوع من جهات متعددة ؛ وقد كانت الجامعة العربية حلما فتحقق الحلم بأسرع مما كان يظن ؛ والجامعة العربية إذا قويت زيادة على قوتها ، أصبح من السهل عليها أن تمد يدها الى جاراتها ويصبح من السهل أن تغرى الأقطار المجاورة على اتباع سياسة محببة الينا ، وأؤكد اليوم بان ما هو حاصل فى مجالس هيئة الأمم المتحدة من تعاون بين دول الجامعة العربية والدول المجاورة لها والشرقية على العموم - من غير حلف أو قيام معاهدات - ان هو إلا تطبيق للحلم اللذيذ ، لنتخذ من الجميع أصدقاء لنا فكل دولة قريبة منا نشترك معهما فى هذا المرفق من مرافق الحياة أو ذاك ؛ والدول المسلمة تزيد روابطها بنا رابطة الدين ، حينما يجب أن نحسب لرابطة الشرق ورابطة الجوار كل حساب .

فالجامعة العربية إذا حقيقة واقعة ، والجامعة الاسلامية قريبة التحقيق وان كانت تحتاج الى كياسة ولباقة ، أما رابطة الشعوب الشرقية فلابد ان تكون هى الاخرى خطوتنا التالية ؛ ولكل من هذين الهدفين : الجامعة الإسلامية ورابطة الشعوب الشرقية - مزاياه وفوائده .

اشترك في نشرتنا البريدية