كانت فكرة الجامعة العربية حلما يراود أجفان بعض زعماء العرب المشتغلين بالقضية العربية بعد تبين ان فكرة الجامعة الاسلامية تعترضها عقبات جسام ليس بالهين تذليلها على ان هذا الحلم الجميل لم يقدر له التحقق بسهولة فقد لاقى هو أيضا من العقبات والمتاعب ما يفل العزائم ويفت فى عضد العاملين لولا مشيئة أزلية أرادت له التحقق فكان . .
وقد بدأ مشروع الجامعة العربية فى مستهله ضئيلا ككل الاوائل ثم حبا كما بحبو الطفل الوليد الى فتوة وشباب حتى استقام أمرها وصلب عودها ومضت لطيتها تؤدى رسالتها بامانة واخلاض وما سلمت بعد من معاكسات واتهامات ظالمة تقول بانها ربيبة الانكليز والآلة المسخرة لأغراضهم فى الشرقين الادنى والاوسط ، ولا سلمت من اختلافات داخلية هددت كيانها مرارا بالانهيار . . ولكنها ثبتت بمعونة الله ثم بنفر من العرب المخلصين الذين ينظرون الى بعيد ولا يبالون بالسفاسف والاراجيف ، وأدت للقضية العربية خدمات جليلة لا ينكرها الا مكابر
صحيح انها فشلت فى بعض ما عالجته من قضايا وشئون ، ولكن مرد فشلها يعود بعضه الى التخاذل الذي بدا من نفر من اعضائها ! ويعود البعض الاخر الى الظروف السياسية الدولية الراهنة التى لا تملك معها الجامعة حولا ولا تستطيع مناضلة والا اقدمت على الانتحار مختارة . . وهي بعد معذورة غير ملومة فما من هيئة تماثلها فى الدنيا تقدر على حل كل المسائل التى تعترضها وتخرج من جميع الأزمات ظافرة غير مملؤة بفشل ولا مصابة بخدوش . .
ولقد كانت ازمة فلسلطين محكا لعزيمة الجامعة ومرونتها فاسفرت التجربة عن نجاح ولولا الخلاف البغيض الذي قام - للاسف الشديد بين الحكومات العربية وجيوشها ما تزال تقاتل في الميادين لاجتاحت تلك الجيوش مدينة تل آبيب وكر الصهيونية ، ولسحقت رأس الأفعى وحررت فلسطين العربية من نير اليهود والمستعمرين تحريرا كاملا بالرغم من المعاونة الفعالة السافرة التى تبذلها الدول الكبرى بسخاء للقضية الصهيونية . ولولا الجامعة العربية لما اتحدت وجهات النظر العربية ولما زحفت جيوشهم بذلك الترتيب والسرعة والأستعداد الى الأراضى الفلسطينية لانقاذها وتحريرها . .
على ان الخير يستخلص من صميم الشر وفي المعاسر عبر لا توجد فى المياسر وفوائد تجعل للشدائد قيمة تهون من وقعها على النفوس . . فقد كان هذا الخلاف حافزا للتفقد والاستدراك والعلاج ، فاحتدم النقاش داخل اروقة الجامعة وخارجها حتى اتضحت اسباب الخلاف الاصيلة أو كادت ! وظهر من النقاش ان الشعوب العربية بكاملها تؤازر الجامعة وتتمنى لها التوفيق فى مهمتها العتيدة وان كانت بعض الحكومات العربية لا تمنح الجامعة - أحيانا - نفس هذا القدر من المؤازرة لاعتبارات لا محل هنا لذكرها ! ! وسيكون لهذا الأجماع الشعبي على مناصرة الجامعة العربية تأثير كبير بلاشك على سياسة الحكومات العربية ومراميها واتجاهاتها ، فما تستطيع حكومة فى الدنيا ان تتجاهل رغبات شعبها الإجماعية وتغفل مشيئته والاسقطت سقوطا معيبا . . ولنا أن نطمئن ونتفاءل من مستقبل الجامعة وان نعد هذه المحنة التى مرت بها فاجتازتها بعناء شديد سببا قويا من الاسباب التى يحمل رجالها على اصلاح عيوبها وإكمال مناقصها وتدعيمها تدعيما نستطيع به مواجهة الازمات بتضامن وثبات . .
ولقد لغط كثير من الناس متخوفين على مستقبل الجامعة من جراء التطورات السياسية الأخيرة بمصر . . وهم يقولون بأن مصر والمملكة العربية السعودية هما أول من ايد الجامعة وعمل على تأسيسها وتدعيمها ، ويليهما سوريا ولبنان
فالعراق وشرق الأردن . وقد كان للعاهلين الكبيرين عبد العزيز آل سعود والفاروق الفضل الاكبر فى استحثاث حكومتيهما وبقية الحكومات العربية على تقديم كل معاونة ممكنة للجامعة . فاذا جرت ريح الانتخابات رخاء مع الوفديين وتولوا الحكم فى مصر فقد يكون لذلك اثر فى هيبة الجامعة ومصيرها ونحن نبادر فنقول لاولئك اللاغطين ، ونحن على اكثر من اليقين بان الوفديين من احرص الناس على تقوية الجامعة والسير بها الى الأمام . . ومن بينهم رجال بارزون قد صرموا حيواتهم فى خدمة القضية العربية والتقريب بين ملوك وزعماء العرب وعلى رأس اولئك الرجال رفعة مصطفى النحاس باشا الذى أسهم بقسط وافر فى تأسيس الجامعة وترعرعها ، فما على الجامعة من خوف سواء أ كسب الوفديون الانتخابات وتولوا الحكم ، أم تولته احزاب مصرية سواء ايا كان لونها السياسي . . ومادام ربابنة السفينة الأول هم هم فان السفينة ستجرى بحراسة الله وتوفيقه حتى تصل الى شاطئ الامان . .
واذا كان لنا من رجاء فهو ان تستفيد الحكومات العربية من العبر والاحداث ، وان تجرب التضحية النبيلة للمصالح الخاصة فى سبيل المصلحة العامه وان تنزل على رأى شعوبها لتبرهن على ديمقراطية ونية طيبة وحكم رشيد وان تعرف ان من واجبها أن تفعل هذا كله من أجل القضية العربية الكبرى التى تشبه الكائن الحي الذي لن يستريح وبعض جوارحه مريض
إنها تكسب بالتضامن ولا تخسر وان لاحت لها الخسارة فى بعض الاحيان كما يلوح السراب في القفر البلقع للظمآن كيذبان مخادعا . . فلنتمسك بها ولنحرص عليها فما خابت أمة متضامنة
