الصحافة والفن، والحياة العامة

Share

جميل جدا أن نعنون بحثنا بهذا العنوان الذي ينطوي على شتى المعانى المتعلقة بين هذين الاسمين اللذين لهما اسمى تأثير وأرقى دعاية فى حياة المجتمع البشرى . ولا غرو إذ أن الصحافة اليوم تعتبر بحق لسان الحياة الصادق ، ومذياعها الناطق ، بما تكنه أسرارها وتخفيه ماجرياتها من الحوادث والأخبار التى يترتب عليها سير الحياة العامة ، ويهتم بتتبعها واستقصاء أسرارها وتأثيراتها كل أمم البسيطة من أقصاها الى أقصاها!!

والفن - أجل ! الفن وما أدراك ما الفن ؟ ! هذا الذي كان وأصبح ومازال الشغل الشاغل لحياة الأمم الراقية ؛ اذ هو سر الحياة العميق ومعناها الجذاب الذي اختلف المفسرون فى تأويله ؛ واصطدم الفلاسفة فى تعريفه وفهم حقيقته ، وان كانت حقيقته ظاهرة جلية لكل ذى لب سليم وفكر ناضج قويم ، إلا أن الألباب السليمة والأفكار القويمة تختلف قيمتها وتتباين درجاتها ، بحسب ما لكل منها من الأهمية والاعتدال وإلقاء النظرة الصائبة على الجمال المعنوي والطبيعي فى الموضوع المنظور فيه مما يؤثر فى مجرى حياة المجتمع ويسمو بها الى مدارك بعيدة من الكمال والامتياز .. وليسامحنا القارئ قليلا ان كنا هجمنا على الموضوع في دهشة وارتباك ، فان تزاحم المعاني وتتابع الخواطر يضطران الكاتب إلى - الخلط والمزج - الادبيين ، ولكن فى حدود الحقيقة وتحت نطاق الصدق والإنصاف ، لأنه قد يكون من المتعذر على مصادر التفكير أو ( الاعصاب المصدره )- كما يسميها علم

النفس - الترتيب والتبويب فى ظرف هي أحوج فيه الى اغتنام الفرصة واهتبال الوقت لسرد ما يمكن سرده من الأفكار التى تعتقد أنها من الحكمة والنضوج في حد بعيد .

خرجنا قليلا من الموضع لضرورة البحث والتعريف ؛ ولنرجع إليه ثانيا فقد قلنا إن الصحافة رغم أنها فن مستقل بذاته وغني بمميزاته ، له حقوقه المعترف بها وتأثيره الملموس فى سير المجتمع وطبيعة الحياة ، لا تستغنى عن التأثر بتأثيرات الفن الفعالة التى تكسيها رونقا جميلا وطرافة مؤنسة ، فتساعدها بذلك على أداء وظيفتها والقيام بمهمتها ؛ على أكمل الوجوه وأفضل الصور ؛ لأن الحياة كما يقولون : أصبحت مظاهر براقة وصورا جذابة تأخذ بألباب الرائين ؛ تؤثر في قلوب السامعين ، وهي بدورها لا تكون الا بالدعاية الواسعة النطاق والبعيدة الصوت ، حيث يرتفع صوتها ويرن صداها بين جمهرة الأمم الراقية ، والمتبوئة مكانها تحت الشمس ، وفى معركة الحياة ، وضجيج الدعايات المختلفة وجهة ونوعا

ولئن كانت الصحافة فى حد ذاتها فنا حديثا ، نشأ فى الغرب ، وترعرع فى أواسط أوربا وأخذ طريقه الى الشرق ، فشمل العالم العربي ببعض منافعه العامة ومصالحه المشتركة إلا أنه حديث فى ذاته ، قديم في معناه ومؤثراته ، فقد كان للعرب فى قرونهم الأولى أيام معينة ، وأسواق معروفة يجتمعون فيها يتناشدون الأشعار ويتضاربون الأمثال ويتساءلون الأخبار فى دهشة واغتراب وصدق نية وإخلاص .

وهذا أثر بارز ومعنى قوى من معانى الصحافة العتيقة الحياة التى تتجدد بتجدد الظروف وتختلف باختلاف المناسبات والهيئات مما يدل على ان الصحافة جديدة فى ذاتها قديمة فى معناها وحقيقتها وتأثيراتها العامة وهذه نظرة جديدة فى الموضوع يجب أن تسجل فى سجله ويحتفظ له بحقها وميزتها يتبع

اشترك في نشرتنا البريدية