الصوفية وتفسير القران

Share

-٣-

أما ما رواه الاستاذ واستدل به لهم من أن للقرآن ظهرا وبطنا فقد بين الحافظ ابن تيمية في رسالته : " علم الظاهر والباطن " انه من مرسلات الحسن البصرى وكذلك ذكر الشاطبي فى الموافقات وعزي في بعض الروايات الى ابن مسعود واختلف العلماء في تأويله على اتفاقهم على عدم قصد تبديل الدين به فقال ابن الاثير فى نهايته فى " غريب الحديث " فى مادة ظهر " وفيه ما نزل من القرآن آية الا لها ظهر وبطن ، قيل ظهرها ظاهرها وبطنها معناها ، وقيل أراد بالظاهر ما ظهر تأويله ، وبالباطن مابطن تفسيره وقيل قصصه فى الظاهر قصص وفي الباطن عبر وتنبيه وتحذير وغير ذلك وقيل اراد بالظهر التلاوة وبالبطن

التفهم والتعظيم وقال الشاطبي في موافقاته : المسألة الثانية من الناس من زعم ان للقرآن ظهرا وباطنا وربما نقلوا فى ذلك بعض الاحاديث والآثار فعن الحسن مما ارسله عن النبي صلى الله عليه وسلم انه ( ما انزل الله آية الا ولها ظهر وبطن ) ثم فسره الشاطبي بان المراد بالظهر ظاهر التلاوة وبالبطن فهم مراد الله تعالى منها قال : لان الله تعالى قال " فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا " والمعنى لا يفهمون عن

الله مراده من الخطاب ولم يرد انهم لا يفهمون نفس الكلام كيف وهو منزل . بلسانهم ولكن لم يحظوا بفهم مراد الله من الكلام ، وكان هذا هو معنى ماروى عن على انه سئل هل عندكم كتاب فقال ( لا الا كتاب الله أو فهم اعطيه رجل مسلم أو ما فى هذه الصحيفة ) الحديث ، قال الشاطبي واليه يرجع تفسير الحسن للحديث اذ قال الظهر هو الظاهر ، والباطن هو السر ، وقال تعالى " أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا

فيه اختلافا كثيرا " فظاهر المعنى شئ وهم عارفون به لانهم عرب والمراد شئ آخر ، وهو الذى لا شك فيه انه من عند الله واذا حصل التدبر لم يوجد فى القرآن اختلاف البتة فهذا الوجه الذي من جهته يفهم الاتفاق وينزاح الاختلاف هو الباطن المشار اليه ، ولما قالوا في الحسنة هذه من عند الله وفي السيئة هذه من عند رسول الله بين لهم ان كلا من عند الله وانهم لا يفقهون حديثا لكن بين الوجه الذى يتنزل

عليه ان كلا من عند الله بقوله " ما اصابك من حسنة فمن الله " وقال تعالى " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب اقفالها " فالتدبر انما يكون لمن التفت الى المقاصد وذلك ظاهر فى انهم

اعرضوا عن مقاصد القرآن فلم يحصل منهم تدبر " وقال الشاطبى بعد كلام في الموضوع وحاصل هذا الكلام أن المراد بالظاهر هو المفهوم العربى والباطن هو مراد الله تعالى من كلام وخطابه ، فان كان مراد من اطلق هذه العبارة ما فسر فصحيح ولا نزاع فيه وان اراد غير ذلك فهو اثبات امر زائد على ما كان معلوما عند الصحابة والتابعين ومن بعدهم فلابد من دليل قطعي يثبت لانها اصل يحكم به على تفسير الكتاب فلا يكون ظنيا وما استدل به انما غايته اذا صح سنده ان ينتظم في سلك المراسيل " ثم اورد الشاطبي من امثلة الباطن التى لا

تخرج عن فهم العرب ما يأتي : " فهم ابن عباس الذي خفي على غيره فى سورة النصر انها نعيه صلى الله عليه وسلم ، فهم عمر وفاته صلى الله عليه وسلم من قوله تعالى اكملت لكم دينكم " الى غير ذلك مما سرده الشاطبي ، فعلم من هذا ضعف هذا الخبر وتفسير روايه الحسن له بما يطابق الشريعة من اعتبار مقاصدها فى فهمها وقريبا من هذا المعنى نحا شيخ الاسلام الحافظ ابن تيمية فى رسالته " علم الباطن والظاهر " وقد أورد ابن ابي حاتم عن ابن مسعود انه فسر الظهر والبطن بانه ما من أية الا عمل بها قوم ولها قوم سيعملون بها وهذا اقرب الى الصواب من تناول اشارات ابن عطاء ، فهذا تفسير الروايين الحسن وابن مسعود وتفسير الراوي اولى بالقبول من تفسير غيره

واما ما اشار اليه الاستاذ من قوله تعالى واتقوا الله ويعلمكم الله " فانما هو من نزغات اشاراتهم ولفظ الآية يمنعه فانه على قولهم يلزم ان يكون ويعلمكم الله جوابا للامر بالتقوى . . اى اتقوا الله يعلمكم الله وفي ركاكة هذا وضعفه ما يمنع حمل القرآن عليه وقد بين ذلك أبو حيان في البحر المحيط حيث قال بعد ذكر هذا المعنى " وكثيرا ما يتمثل بهذه بعض المتطوعة من الصوفية الذين يتجافون عن الاشتغال بعلوم الشريعة من الفقه وغيره اذا ذكر له العلم والاشتغال به قالوا قال الله تعالى : " واتقوا الله ويعلمكم الله " ومن أين تعرف التقوى ولا تعرف الا بالعلم "

وأما دعوى الاذن الخاص لهم بتفسير فواتح السور دون غيرهم من الناس ففيه مع ما قدمناه تعليقا على كلام أبي حيان في هذه الدعوى الباطلة ما ذكره التسولى في كتابه " البهجة فى شرح التحفة في جملة كلام طويل اجاب به عن هذه الترهات ذكره في فصل الجراحات ردا على من قال بالاذن الخاص لهم فى كل نازلة انه يلزم عليه ان الله تعالى اذا امر برجم كل فاسق مثلا فى كل مكان فزنا زيد المحصن فالخواص لا يرجمونه الاباذن خاص ولايتمسكون بالعموم المذكور لئلا يكون مراد الحق سبحانه خلاف رحم ذلك المعين بخصوصه " وهذا امر خارج عن الشرع لم يامر الله سبحانه باتباعه لا الخواص ولا غيرهم لان امتثال الاوامر

واجب " ثم قال بعد كلام فى الموضوع وهذا ان زعمه بعض الناس وادعى انه من بعض الخواص وانه يتربص فى تنفيذ أوامر الله الى اذن خاص وجب ضرب عنقه بلا ريب ولو كان يغوص في الماء ويطير في الهواء على ان جدة السيد علوى فاطمة عليها السلام لو كانت مشافهة النبي صلى الله عليه وسلم ممكنة للمتصوفة لما ماتت بعده صلى الله عليه وسلم كمدا على عدم رؤيته فلو كان يتراءى لاحد لتراءى لها بعد وفاته عليه السلام وهذه الدعاوى من خرافات التصوف .

يقول الكاتب هذه قطعة من كلام الايمة المحققين في الموضوع نعرضها على فضيلة الاستاذ ونقطع بمضمونها واليها يطمئن القلب فلذلك لا نؤول كلامهم المخالف للشرع بل تأخذهم بكلامهم استدلالا بما رواه البخارى فى كتاب الشهادات من صحيحه عن عمر ابن الخطاب " أن ناسا كانوا يؤخذون بالوحى فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وان الوحي قد انقطع ، وانما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من اعمالكم فمن اظهر خيرا أمناه وقربناه وليس الينا من سريرته شئ والله يحاسبه فى سريرته ، ومن اظهر لنا سوءا لم نؤمنه ولم نصدقه ، وان قال ان سريرته حسنة ، وعلى هذا جرى الايمة المحققون فامتنعوا من التأويل كما يفيده البقاع في مصرع التصوف

عن الشمس محمد بن محمد الجزري الدمشقى انه قال " لا يلتفت الى قول من قال هذا الكلام المخالف للظاهر ، ينبغي ان يؤول فانه غلط من قائله انما يؤول كلام المعصوم ولو فتح باب تأويل كل كلام ظاهره الكفر لم يكن فى الارض كافر " وذكر البقاعي ان الفيصل في قطع التأويل من اصله أن محقق زمانه علاء الدين محمد البخارى الحنفي ذكر عنده ابن عربي فقال قاضى المالكية اذ ذاك شمس الدين محمد البساطي يمكن تأويل كلامه قال له البخارى كفرت وسلم له أهل عصره ممن كان في مجلسه وغيرهم ، وذكر البقاعى منهم الحافظ ابن حجر العسقلانى والقاضى زين الدين عبد الرحمن التفهني . . ومحمود العيني الحنفي والشيخ يحيى السرامي وقاضي القضاة محب الدين احمد بن نصر الله الحنبلي ، وزين الدين ابا بكر الشافعي وغيرهم من العلماء والرؤساء .

وذكر البقاعي انه ما خلص من ذلك الا بالبراءة من هذه الطائفة وتكفيرها ولذلك لم يفتح لهم ابو حيان المجال في التأويل وقد تكلف الشاطبي بعض التكلف تأويل شئ من كلامهم ولكن عجز ، واقر بما هو الحق الذى نقلناه عنهم ومن رأى شفاء " القاضي عياض يعلم ذبه عن الدين من ناحية هذه الفرقة ، فقد كفرهم بهذه الاشارات

غير مامرة فقال " وكذلك وقع الاجماع على كفر من دافع نص الكتاب والسنة وحمله على خلاف ما ورد به من المعنى القويم " ورد اشاراتهم هذه واعتقادهم انهم يصعدون الى السماء ويدخلون الجنة ويأكلون من ثمارها ويعانقون الحور العين ، وان المجاهدة إذا صفتهم رفعت عنهم الشرائع الى غير ذلك مما كفرهم به في " الشفاء " ومراجعته سهلة ، والاعتماد على ذلك اولى من الاعتماد على نقول السيوطي في هذا الباب فانه صوفي ذب عن الصوفية بما يعلم بطلاقه ولو نظرنا لكلام الحافظ السخاوى فيه فى " الضوء اللامع "

ونسبته الى عدم التحقيق فى نقوله لكثرة كتابته وكذلك ما جرى بينه وبين العسقلاني حيث رماه بالتساهل وكذلك ما ذكره صديق حسن خان فى كتاب اتحاف النبلاء المتقين بماثر الفقهاء المحدثين " لو نظرنا في هذا وجمعناه الى ما اقر به هو في كتابه " حسن المحاضرة في اخبار مصر والقاهرة انه محا كثيرا من تآليفه لتثبتنا في الموضوع ، وعملنا بمضمون

" كل احد يؤخذ من كلامه ويترك الا رسول الله صلى الله عليه وسلم " وقد وقعت له اغلاط كثيرة فى الاتقان ويحتاج كتابه المنجل في تطور الولي " الذي ذكر فيه ان الكعبة تطوف ببعض الاولياء ، الى الرد عليه ولم نقل هذا

طعنا ، وانما هو حق اوضحناه ولم أرد به الاصلاح ، وليس مرادنا في كل ما تقدم الا غلاة المتصوفة ممن حاد عن طريق الحق ، واما خيار المسلمين منهم امثال الفضيل بن عياض وابراهيم ابن ادهم ومن حذوا حذوهم من السلف والخلف فليس البحث فيهم كما بينه العلماء الاجلة امثال شيخ الاسلام ابن تيمية وابن القيم وابن الجوزى ، والشاطبي في الموافقات

وكذلك ارى من اللازم في ختام هذا البحث انبه على أن الاشارات الصوفية في تفسير القرآن الكريم انما المقصود من ذلك الاشارات الصوفية المخالفة لاهداف كلام الله جل وعلا المخرجة لها عن اسلوب اللغة العربية الذي يعرفه من انزل الكتاب عليهم . . اما الاشارات الصوفية التى لا تنافي ذلك وتتفق واسلوب القرآن ومراميه فانها مقبولة منهم ما دامت كذلك كما نص عليه غير واحد من ائمة التحقيق وهؤلاء الصوفية الذين من هذا القبيل ليسوا موضع بحث هذا المقال ايضا . .

ونعتقد ان فضيلة السيد علوى المالكى يرى في هؤلاء واولئك كما نرى ، والله الموفق تم البحث

اشترك في نشرتنا البريدية