لقد عرف الاستاذ الانصارى تقديرى لمجهوده الكبير الذي تمثل في المنهل " الاغر ، وعرف من الزمالة التى تطوعت بها لجريدة المدينا المنورة في عامها الاول اخلاصى وتحفزى لكل ما يجعل للبلاد السعودية صحافة تساير نهضتها الحديثة وتسجل الحوادث الجسام التى رفعت رايتها عالية خفاقة . فآخذ يصر على آنا بعد آخر لأنبارك كتاب المنهل بالموضوعات التى يراها صالحة لقرائه . واخيراً وبعد أن اعددت ما اراده للعدد الممتاز اصر ملحاً ان ا كتب بين عشية وضحاها كلمة عن العرب فى العهد العباسي ومن يعرف الاستاذ ودالته على اصدقائه ويعرف فيه حماسه الادبي الذي حدا به ان يصدر مجلة لا يجد بدا عن النزول على رغبته .
واني بدورى ألتمس من القارىء الكريم ان يسمح من وقته الثمين بهنيهة نقلب فيها صفحات ذلك التاريخ البعيد باحثين بين طياته عن العرب وأين هم فى تلك الحوادث الجسام التى تمخص عنها انتقل الخلافة لاسلامية من الأمويين إلى العباسيين وما بعده .
افرأيت كيف افتتح ذلك الانقلاب الهائل لزعيم العباسى الكبير - محمد بن على - بكتبه التاريخي الذي جعل منه خلفاء الدولة العباسية وزعماؤها دستوراً لسياستهم ونبراساً تسير على ضوئه دعواتهم :
" ولكن عليكم بخراسان فان هناك العدد الكثير والجهد الظاهر وهناك صدوراً سليمة وقلوباً فارغة لم تتقسمها الاهواء ولم يتوزعها الدغل . وهم جند لهم ابدان واجسام ومنا كب وكواهل وهامات ولحى وشوارب واصوات هائلة ولغات تخرج من أجواف منكرة "
فعلى هاته القاعدة بدأت المعركة بين العباسيين والأمويين ، وبهذه القسوة التى تراها فى بيت عبد الله :
بني أمية قد افنيت جمعكم فكيف لى منكم بالأول الماضى
بدأ الصراع وانتهى بين العباسيين والامويين وهكذا شط وغالي عبد الله وابو مسلم والمنصور والسفاح فى اتباع وصية إبراهيم الامام :
" ان استطعت ان لا تدع بخراسان من يتكلم العربية فافعل " . فطفقوا يقتلون وينكلون ببني امية وبالعرب انصار بني امية اكثر مما يستدعيه تثبيت ملكهم وتدعيمه فتجاوزت القسوة على العرب خراسان إلى أكثر أصقاع البلاد الاسلامية ويجاوز الفتك بهم والتشنيع الى ما بعد أنهزام الامويين
ثم ماذا نرى : لقد وجدت الشعوبية فى موقف العباسيين من العرب فرصة صالحة تقربهم من الخلافة وتتيح لهم التسلط على العرب ووجد العرب انفسهم مضطهدين مبعدين تفوقهم العناصر الاخرى مكانة ونفوذاً . فلم تحد اطماع الشعوبية وتنقصها المكانة السياسية التى تبوأتها ولم يكفهم أن خلا جيش المأمون من العرب فراحت تزاحم العرب في مختلف نواحى الحياة وشؤونها وتظهر احتقارها وازدراءها جهارة وصراحة وراح شعراؤها يفتخرون بمجد فارس وحضارتها فى مجالس الامراء واندية العظماء.
فلست بتارك ايوان كسرى لتوضح او لحومل فالدخول
وضب بالعلا ساع وذئب بها يعوي وليث وسط غيل
باية رتبة قدمتموها على ذى الاصل والشرف الجليل
ولم تفد العرب المحاولات التى قاموا بها لاستعادة مكانتهم ولم يجدوا فى حوادث الدولة العباسية ماينيلهم ثقة الخلفاء وتقديرهم فلقد كانت تسير تلك الحوادث القومية الفارسية التى برزت جلية فى النزاع الذي ثار بين المأمون والامين وفي ترشيح المأمون عليا الرضا لولاية العهد
وزدادت محنة القومية العربية حينما إرتطم العرب بالأتراك وقد جاء بهم
المعتصم ليكونوا عوناً له على الفرس الذين تمادوا فى خيلائهم ودالتهم على الخلافة العباسية ، وليكونوا حماة للخلافة عن الطامحين والثائرين
انظر ها هم العرب لما يجدوا حظاً فى الخلافة العباسية اخذوا ينزحون عن دارها الى الشام والى الجزيرة العربية والى غير الشام والى غير الجزيرة العربية ها هم لمالم تستطع الخلافة العباسية باوضاعها تلك التى جرتها إليها كثرة العناصر والتنازع على السلطان والنفوذ ان تصمد لحملات الترك والصينيين والتتار واخذ الكثير من البلدان الاسلامية ينشق عليها - ينهضون فى غير صقع واحد - فيؤسون مؤتسين بصقر العروبة عبد الرحمن الداخل امارات ويشيدون ملكا فهذه صفحة الدول العربية في الاندلس وهذه صفحة الدول الادريسية وهذه صفحة الدول اليمنية وهذه صفحة الدولة الحميدانية والعقيلية هذه صفحات جهادهم الدامى فى ذلك العهد المضطرب بطوائفه ها هم يذودن الافريج تحت راية سيف الدولة ها هى مصر تشترك مع سوريا تحت لواء صلاح الدين الابوبى لترد المسيحية عن بلاد الاسلام هاهم ينزلون شبه جزيرة ايطاليا : وهاهم يجتازون حدود الاندلس . ثم ماذا ترى ؟ ! عهداً جديداً ! ! فحيا الله العرب وأعزهم ونصرهم .
