لا نكران ان الاقتصاد المدعم القوى من اقوى دعائم النهضة فى البلاد ، بل هو الاساس الصحيح لتقدمها وازدهارها وهو المعيار الصادق الذي لا يحتمل الشك لما بلغته وتبلغه أية امة في مضمار النهضة والوثوب الى الامام . . وقل ان تجد أمة نهضت في مختلف مرافقها الحيوية وحقولها الانتاجية الا وكانت سبقت نهضتها في الحقل الاقتصادى نهضاتها فى الميادين الاخرى ، ولهذا عنيت الحكومات دائما بالشؤون الاقتصادية واعطتها الاهتمام والبذل اكثر من اى حقل آخر ايمانا منها بان تقدم البلاد اقتصاديا سيؤدى حتما الى تقدمها فى سائر المضامير الاخرى .
وان الباحث حين ينظر الى السباق الذي يجري في عالم الاقتصاد في هذا العصر تدهمه حقيقة واحدة الا وهي تكالب الامم جميعها على صرف اكبر جهد في هذا الميدان ، وتوظيف اقدر الكفايات واقوى الايدى العاملة لانعاش البلاد انعاشا يحقق الرخاء والسعادة لاهلها اولا ، ورفع مستواها الحيوى بين المستويات الأخرى ثانيا .
ومن نعم الله الكبرى علينا ان قيض الله لنا ملكا راعيا يهتم بترقية شعبه واسعاده كل الاهتمام ويرى فى النهوض بالبلاد والسير بها الى الامام فى خطوات فساح واجبا اسلاميا يسعى الى ادائه بدافع من الايمان العميق والحب القوى لرعاياه المخلصين الذي التفوا حوله مقسمين له بالحب فى صورة ولاء تام ، وبالاخلاص في صورة وفاء ما بعده وفاء .
وها نحن نرى المشروعات الكبيرة تتحقق واحدة بعد اخرى فى سلسلة حقائق تمر امامنا بعد ان كانت اماني وآمالا تجيش في صدورنا حتى صرنا نصبح ونمسى على مشروع ينجز . . وعمل يتم ، وخطط ترسم ، واصلاح شامل يعم البلاد حضرها وبدوها ، مدنها وقراها .
ان المرافق الحيوية في أى بلد من البلدان وثيقة الصلات ببعضها إلى حد ان مصالحها تتشابك تشابكا من العسير تصور انفكاكها عن بعضها . . اذ ان كل واحد منها يكمل الآخر في نفعه وفوائده ، فالنهضة العمرانية مثلا ذات صلة وثيقة بالنهضة الاقتصادية
والنهضة الصحافية والأدبية مرتبطة برباط وثيق بالنهضة العلمية والثقافية والنهضة الزراعية والصحية ايضا لها علاقة وطيدة ببعضها .
وقل ان تجد امة نهضت في مرفق من المرافق ولم تعن بمرفق آخر تأخرت فيه . . ذلك لان من مستوعبات النهضة والتقدم ان تصبح البلاد وقد شملها الاصلاح العام في كافة المرافق والحقول ، فاذا انشأت الدولة المدارس والمعاهد والجامعات لنشر العلوم وبث التربية الصحيحة وجدت نفسها امام واجب آخر من شأنه ان يستنهضها لانشاء المستشفيات والمستوصفات ،
وتنظيم الوقاية ، ومكافحة الاوبئة والحشرات وغيرها من الشؤون الصحية واذا بذلت الجهد وصرف المال لتوسيع العمران ، وانشاء اروع البنايات ، واجمل العمارات ، وتوزيع المساكن الشعبية لرعاياها المواطنين الفت نفسها امام واجب قوى يستحثها على تنظيم المواصلات تنظيما تاما وانشاء شبكة مواصلات قوية بالسكة الحديدية والحافلات ، وسيارات الركاب الكبيرة وسيارات النقل . . وبالطائرات المدنية والحربية ايضا . .
من ذلك نعرف ان المرافق الحيوية ومجالات التقدم ، وميادين النهضة وحقولها كلها متشابكه متلاحمة ببعضها لا يمكنها الانفصال مهما تباعدت اهدافها ، ومهما تباينت منافعها وفوائدها . .
ولا ضرب المثل بالكيان المالي للبلاد لاسيما فى هذا العصر الاغر . . فاننا نعتمد على ايرادات التجارة الخارجية لان نسبة كبيرة من دخل الدولة يرد بصفة مباشرة او غير مباشرة من هذه التجارة فى صورها المختلفة ، ولما كان القسم الاكبر من المبالغ التي تعتمد لترقية احوال البلاد وانهاضها انها قويا مشرفا من موارد الحكومة - فان التقلبات الشديدة والتغيرات المؤثرة التى تطرأ على الاسواق العالمية تعوق نمو البلاد الاقتصادى نموا مطردا ،
بل قد تكون حجر عثرة فى سبل تقدمها وسيرها الى الامام ، ولذلك لا معدي ، إذا اريد رفع مستوى الشعب من تنسيق الجهود ، وبذل الهمم وفق برامج مدروسة تؤتى كلها اضعافا مضاعفا ان شاء الله مادام عاهل البلاد مليكنا المفدى وضع نصب عينه ان يسير بالبلاد بعزيمة صادقة . . وخطوات ثابتة حتى يبلغ بها ذروة المجد ، وقمة العلياء . . وحتى تتبوأ مكانتها السامية بين مصاف الامم الراقية . .
ومن حسن الحظ واحسان التوفيق ان في بلادنا عوامل كثيرة تساعدنا على توسعها توسعا سريعا ، وافساح مجالات كبيرة في انتاج كثير من المواد الغذائية وغير الغذائية . . فاذا هيئت وسائل العناية الفعالة وارتقت وسائل الرى ، واجيد استخدام المخصبات الحديثة امكننا ان نبلغ مرتبة الاكتفاء
الذاتي في الانتاج فى المستقبل القريب بأذن الله .
ذلك استطراد او تقدمة ساقني الخيال الى تسطيرها هنا فى الوقت الذي كنت اريد ان اكتب عن علاقة مجلتنا الغراء ( المنهل ) بالحقل الاقتصادى ، ولا شك ان الصحافة - هي الاخرى - وثيقة الصلة بالاقتصاد ، وهي المحرك والحافز له على التقدم والخطو نحو الامام . . وها
هى المجلات والصحف تعنى بالبحوث الاقتصادية وتهتم بالشئون التجارية اهتمامها بالشئون السياسية والاخبار الحربية وقل ان نجد مجلة او صحيفة تغفل ما يهم القارىء من شئون الاسواق ، والاستيراد والتصدير
ومشروعات التصنيع وتنسيق المعارض وتقلبات النقد ، وتدهور الاسعار وتحسنها وترتيب الميزانية وتنسيقها والتعليق عليها وعلى بنودها وشؤون اخرى كثيرة لا يتسع المجال لسردها فى عجالة سريعة كهذه .
ولقد دأبت مجلة المنهل - منذ نشأتها - على نشر البحوث العلمية والادبية والتاريخية والاجتماعية . . . ولكنها لم تغفل فى الوقت نفسه الاقتصاد والتجارة . . فقد كانت تنشر من وقت لآخر مقالات عديدة تبحث فى بعض الشؤون الاقتصادية وكيفية انماء الثروات وموارد البلاد ومصادرها الطبعية ، وهي على قلتها كانت بحوثا شائقة ومفيدة فى وقت
واحد ولو انها لم تكن عميقة الغور ، مستفيضة البحث واضحة السمات .
وقد ظلت المجلة - ايضا - تعنى بالاقتصاد من زاوية اخرى اشد مساسا بالحقل الاقتصادى ، تلك هي زاوية الاعلانات التجارية التى اهتمت بها مجلتنا المحبوبة اهتماما بالغا لايمانها بان الاعلانات عن البضائع تعود بالنفع على القراء وعلى اصحاب الاعلانات في آن واحد . . وليقينها أن الصحافة من واجبها ان تعين البائع والمستهلك على تحسين امر معاشهما وترقية نوع حياتهما ليكونا عاملين من العوامل التى تبنى عليها اساسات النهضة الاقتصادية .
ولا اريد ان اطيل ، فالاطالة مملة ومنفرة عن القراءة ، ولكنى اريد ان اقول هنا ان " المنهل " قد خاض كل الميادين . . ووضع اقدامه على جميع الحقول ، ولم ينس وهو يسير باقدام ثابتة ، ان يبحث عن الحقل الاقتصادى والحقل المالي . . والحقل التجارى . . وهي حقول سيكثر العناية بها . . . ويضاعف الاهتمام بها فى حياته المقبلة المديدة ان شاء الله وسينشر فيها بحوثا كلما واتته الفرصة . . وكلما جادت قريحة كتابه ومشجعيه وهم كثرة ولله الحمد . .
و " للمنهل " وهو يضع اقدامه على ابواب العام العشرين تهنئتى القلبية وتحيتي الزكية . .
