اليوبيل الفضى، الحجاز بين الماضي والحاضر

Share

اعتادت الامم الحديثة ان تحتفل بالمناسبات التاريخية فى حياة ملوكها وزعماء الاصلاح فيها ، فتقيم و فترات  من الزمن ما يسمونه باليونيل الفضى ، والذهب والماسى ونحن بمناسبة مرور خمسة وعشرين

عاما - ربع قرن - على ولاية جلالة الملك (عبد العزيز ) بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود ، لحكم الحجاز ، نريد ان نتحدث - فى هذا اليوبيل الفضى -  لقراء محلة لمنهل - عن لمحة موجزة من

حياة هذه البلاد فى عهد جلالته السعيد .. ولعلنا نستطيع بذلك اخراج صورة مصغرة للحقيقة ، ولعلنا نستطيع ان نرسم ظلالا واضحة للخطوات التى خطتها البلاد الى الامام في هذه الفترة من الزمن وما احرزته من مكانة ادبية ومانالته من تقدم اقتصادى وثقافى وادارى وعمراتى وو الخ  .

ان ربع القرن الذي قضته هذه البلاد فى ظل جلالته لهو فترة قصيرة من عمر الزمن ، إذا قيس بحيوات الامم والشعوب ومع هذا فقد وصلت البلاد فيه الى تقدم بارز السمات واضح القسمات فلقد كانت في نقص ملموس فى العلم وفي المال وفي الادارة والثقافة والنظام ، ثم اصبحت اليوم فى حالة - من كل ذلك . تغبط لها النفوس وتحمل على الاعتراف بالفضل لصاحبه : ( راعيها العظيم )

كانت هذه البلاد لا يعرفها العالم الا لقد سينها الدينية ولايرتادها الناس من اطراف الارض الا لاداء شعائر الاسلام خاصة ، اما من الناحية الدولية ومن النواحي الأخرى الاصلاحية فقد كانت صفرا على الشمال . . كانت كمية مهملة ، غير معروفة ولا معترف لها بشئ لم يكن لها كيان سياسي ذوبال  ولا شأن مهم فى العالم المتحضر ولا مكانة بين الشعوب الناهضة وقد اصبحت في هذا العهد السعيد وفي هذه الفترة القصيرة امة ذات شان مرموق وكيان بارز بين الامم على اختلاف طبقاتها فلا نكاد نجد منظمة عالمية او هيئة دولية الا ونجد فيها صوتها المدوى كصوت اية دولة اخرى .

اما اقتصادياتها فكانت في الحضيض من التأخر وكانت ثروتها العامة هزيلة إلى درجة الاضمحلال وكانت في اقصى ما تكون بلاد من الفقرة والمتربة وكان ذو والثراء فيها افرادا يعدون على الاصابع ومع ذلك لم تكن ثرواتهم بذات شأن . بل كانت محدودة وضئيلة للغاية . . وكان السواد الا عظم فقيرا يعيش عيش الكفاف أو بما يسد الرمق .

وقد اصبحت اليوم بفضل الله ثم بفضل صلاح واعيها العظيم امة ذات ثروة معترف بها فى العالم تتدفق فيها الخيرات وتفيض ذات اليمين وذات الشمال واصبح دخل الفرد فيها لابأس به وتطاولت اعناق الثروة العامة الى الاوج وتسامت اعناق الثروات الخاصة كذلك فحصل بذلك تفاعل تعاوني في هذه الثروات فألفت من جراته الشركات الوطنية لتأمين المواصلات فى ارجاء البلاد واسست الشركات  فى مختلف النواحى التجارية والصناعية لتثبيت دعائم المجد الاقتصادى ، وسيتلو كل هذا بحوله تعالى ، نهوض شامل لكيان البلاد بفضل هذا التعاون الذي يزغ فجره ، وهكذا صارت بلادنا اليوم محط الانظار وكعبة الرواد واتسعت دائرة عمرانها وتضاعف عدد سكانها ، فانك ترى اليوم مدنا عظيمة فياضة بالقاطنين زاخرة بالعمران بعد ان كانت قبل ربع قرن ينقص عمرانها تدريجيا لانتشار الخوف والذعرو والمرض فيها وبعد ان كانت عبارة عن قرى صغيره ياكلها الفقر والجوع

والمرض من أطرافها ، وقد نشأ عن كل فجه ان رغب كل مسلم فى الهجرة إليها فهفا اليها ألوف المهاجرين والراغبون فى الاقامة بها وفي التجنس بجنسية أهليها .

وكانت حالتنا الثقافية قبل ريغ قرن متأخرة ومتضائلة للغاية  ، كنا فى مؤخرة ركب الحضارة من هذه الناحية وكنا مع ذلك نغط فى سبات عميق كانت المدارس ودور التعليم في الحجاز لا يزيد عددها عن عدد الأسابع ، وكان التعليم فيها مقصورا على التحضيرى والإبتدائي فقط  وقليل جدا من التعليم الثانوى ، وها هي المدارس الآن قد بلغت رقما عاليا بالنسبة لما كان . لقد أصبح عددها يربو عن مائة مدرسة في الحجاز وحده بين ابتدائية وثانوية وهي في زيادة مستمرة وأسست عشرات المدارس في قرى البادية وقد توجت هذه الدور التعليمية اخيرا بكلية الشريعة واللغة العربية التى تقرر فتحها فى مكة  المكرمة وبالمدرسة الصناعية التى يوشر فتحها فى جدة فهما نواتان طيبتان للتعليم الجامعي في البلاد وبذرتان صالحتان " لانشاء الجامعة السعودية " المرتقبة التى ستوصل البلاد بحول الله الى الذروة القصوى في النهوض الثقافى الذي هو اساس كل نهوض حقيقي منشود ، يضاف الى ذلك هذه البعثات العلمية التى اوفدت والتي توفد كل عام إلى الخارج للتعليم العالي وللتخصص ،  فقد اربى عدد افرادها على الثلاثمائة طالب وناهز الاربعمائة وهو فى سبيله الى الزيادة المطردة ويدرس هؤلاء الطلاب في الخارج ، بنجاح فائق مختلف فنون المعرفة من طب وهندسة وجيولوجيا وميكانيكا وحقوق وحربية وطيران وبحرية الى اخره الى اخره  .. ويعود فى كل عام نفر منهم بعد ان اكملوا دراساتهم ، يحملون شهاداتهم العالية ليؤدوا واجباتهم نحو بلادهم ونحو مليكهم ، صاحب الفضل الاوفى فى هذه النهضة الثقافية المباركة .

اما الحالة الادارية قبل ربع قرن فكانت شبه فوضى بل هي الفوضى بعينها ، كان حبل الأمن مضطربا فى كافة ارجاء البلاد فلا يستطيع المرء ان يرتاد ناحية من نواحيها وهو امن على نفسه من صولات اللصوص وقطاع الطرق المنتشرين فى كل مكان حتى فى اطراف المدن وحول اسوارها فقد كان المرء عرضة فى كل

وقت للنهب والسلب والقتل ولم يكن الامن سائدا حتى في المدن نفسها فقد كانت الاضطرابات والقلاقل وحوادث السطو تحدث فى كل حين ، وكانت ادارة الحكم في البلاد تسير سيرا ارتجاليا محضا وحسب ما يوحيه فكر الشخص الوحيد الذي يتولى ادارة دفة الحكم فيها ، اما الان فقد تغيرت الحال من سيئ الى حسن ثم من حسن الى أحسن فساد النظام بعد الفوضى واستتب الامن بعد الخوف وانتشرت العدالة الاجتماعية بين الناس بتحكيم الشرع الحنيف في كل كبيرة وصغيرة ، وسنت الانظمة الادارية بواسطة المجالس التشريعة المنتشرة فى البلاد وبذلك اصبحت جميع الأعمال الادارية تتمشى على نظم فى غاية الدقة والاحكام واصبحت مقاليدها فى يدا بنائها ، يتولونها بانفسهم بعد ان دربوا على مزاولة الاعمال الحكومية الهامة رئيسها ومرؤوسها .

ولقد كانت حالتنا العسكرية قبل خمس وعشرين سنة فى دور خفيض من الانحطاط فقد كانت عندنا بقايا هزيلة من بقايا الجيش التركى التى قضى عليها فى " غزوة تربة " المشهورة قضاء تاما ومنذ ذلك الوقت لم يكن للبلاد جيش بالمعنى المقصود ، اما فى هذا العهد فقد اصبح لنا جيش نظامي مزود باحدث الآلات الحربية ومتمش على احدث التعليمات والنظم العسكرية فى العالم واصبح لنا سلاح جوى وطيارون وضباط مدربون وجنود اقوياء بواسل مما يبعث على الفخر والارتياح والتفاول بمستقبل عظيم ان شاء الله .

اما الحالة الصحية فكانت من التأخر بدرجة خطيرة للغاية فكانت الحميات والأمراض منتشرة فى كل مكان بسبب انعدام اسباب الوقاية والمكافحة  والعلاج ، وكانت سمعة البلاد من هذه الناحية سيئة بدرجة حملت الامم المتحضرة على الاخذ بكافة اسباب الحذر وفرض كل التدابير الاحتياطية لسلامة القادمين اليها وصيانة بلادهم من انتقال اوبئة القافلين منها ، اما الان فلاشيء من ذلك البتة ، لقد اصبحت البلاد تتمتع ولله الحمد بحالة صحية ممتازة معترف بها دوليا حتى ان المنظمة الصحية الدولية اقتنعت بوجوب الغاء الفصول الخاصة بالحج من  الاتفاقية الصحية والغاء الآجراءات المعتادة سابقا للحجاج من حجر وتلقيح

وغيره كل ذلك بفضل ما بذلته وتبذله حكومة جلالة الملك " عبد العزيز " من العناية الفائقة للوصول بالبلاد الى المستوي اللائق بها .

وكانت حالتنا العمرانية قبل ربع قرن محزنة للغاية فلم تكن لنا طرق معبدة ولا وسائل مواصلات سريعة وكان الوافدون الى البلاد يتكبدون المشاق المرهقة فى الحج والزيارة وكم منهم من لاقوا احتوفهم بسبب وعورة الطرق وانعدام اسباب الراحة ! . . وكم منهم من ضل الطريق وهام على وجهه فلم يوقف له على اثر ولا خبر !  . . هذا الى افتقاد الأمن وانتشار الذعر والهلع فى كل صوب وحدب مما افضى الى تحكم البادية الرعناء فى زمر الوافدين فقطعوا طرقهم وسفكوا دماءهم واستلبوا أموالهم ، كان كل ذلك بتهدد الحاج في كل مكان حتى فى اطراف المدينة التى يسير فيها وحول اسوارها بل وفى داخلها . . اما الآن فها هو الاصلاح العام يشمل جميع ما كان قبل فاسدا فقد عبدت الطرق وتوفرت مياه الشرب في كافة المدن وعلى طول الطريق وفي منى وعرفات ومزدلفة ، وهذه وسائل النقل الميكانيكى السريع من سيارات وطيارات تحيل الأيام الطوال الى ساعات قصار فقد كثرت وعمت واستبدلت بالجمل والناقة وملئت الطرق بالمراكز واماكن الاستراحة ومراكز الاسعاف ، وهاهم رجال الأمن منتشرين فى المدن والقري وفي كافة الا نحاء وعلى طول الطرق وعرضها . . حيثما ذهبت واينما يممت !. . وقد اتسع نطاق المشاريع العمرانية فبلغت حدا لا نستطيع ان نلم به فى هذه الكلمه وانما تخص بالذكر منه :

( أولا ) : الميناء الجديدة التى انشئت فى جدة حديثا لتأمين رسو الباخرة على الرصيف راسا وكم فى هذا من راحة للقادمين والمسافرين ( ثانيا ) : تنظيم مدينة جدة وتعبيد شوارعها . واشادة الابنية الحديثة فيها علاوة على اتساع العمران بها مما يرجع الفضل الاكبر فيه لله تعالى ثم لجلالة الملك بما ارسل اليها من ماء " العين العزيزية "  العذبة فابدل الله بها ظما هابرى . " وجعلنا من الماء كل شئ حى" (ثالثا)  : تعبيد الطريق بين جدة - مكة بالاسفلت ( رابعا ) : تعبيد الشارع العام

فى مكة - ( خامسا )  : انشاء مكة الجديدة بالزاهر - ( سادسا )  : تعبيد الطريق بالأسفلت بين مكة ومنى فمزدلفة فعرفات . . ( سابعا )  مشروع اضاءة مكة وجدة بالكهرباء وقد بدئ فيه بالفعل ( ثامنا ) . اضاءة مدينة الطائف بالكهرباء وقد شرع فى تنفيذه ويكاد يتم ( تاسعا )  : اضاءة المدينة المنورة بالكهرباء وهو فى دور التكون فعلا ( عاشرا )  : نهضة العمران في مصيف الطائف فقد اصبح يزدان بالقصور الجميلة ويموج بالمصطافين والمقيمين واتسعت دائرته حتى اصبح مدينة كبيرة بعد ان كان قبل ربع قرن ، قرية محدودة الاطراف ( حادي عشر )  : مشاريع إمداد الفلاح بالآلات الزراعية الحديثة ومعاوناتهم المادية واعادة بناء السدود لتحتفظ بمياه السيول المتدفقة الى الوديان الخصبة من أعالي الجبال ومساقط الامطار ( ثاني عشر ) : وقد توجت المشروعات الحديثة بمشروع انشاء " محطة الاذاعة السعودية " فى جدة وانشاء فرع لها فى مكة المكرمة لتذيع على العالم انباء مهابط الوحى ومظاهر تقدمها الحديث وروائع تاريخها القديم وسواطع دينها الخالد المجيد

وهناك مشروعات أخرى كثيرة ستخرج الى حيز الوجود كتعبيد الطريق بين جدة - المدينة وكمشروع حفر الابار الارتوازية فى انحاء المملكة وغير ذلك وسيكون لهاته المشاريع شأن كبير فى تقدم البلاد ورفاهيتها وسعادة قاطنيها بحول الله تعالى .

ويضاف الى ذلك نهضة القسم الشرقي من المملكة الحافل بالمشروعات الضخمة المنشأة فى الظهران والرياض والخبر الى غير ذلك مما سنذكره فى مقال آخر عن " مرور خمسين عاما على استيلاء جلالة الملك عبد العزيز السعود على الرياض "

وبعد فقد اعتاد بعض اخواننافى البلاد المجاورة أن ينقدوا حالتنا الاجتماعية والعمرانية وينسبوا الينا كل تأخر وتقصير وقد أفضى بهم النقد الى ان يعتبروا قدوم المسلمين الى هذه البلاد لاداء فريضة الحج المقدسة - انتحارا . . وحن لسنا بصدد الرد عليهم ولكننا وقد استعرضنا الفوارق الجوهرية بين ماضينا وحاضرنا . ندعو لهم قبل كل شئ بالهداية والتوفيق . وليس

بوسعنا ان نقول انهم مغرضون وانما ندعوهم فقط الى التبصر بين ما كانت عليه حالة هذه البلاد قبل ربع قرن وما وصلت اليه بعد ذلك فانهم ان فعلوا ذلك منصفين برزت لهم أسباب التقدم واضحة ؛ فقد أخذت البلاد حكومة وشعبا تهدف إلى الاصلاح العام وتسعى الى ترفيه القاصدين لهذا البلد الحرام . . ولا ادل على ذلك مما استعرضناه فيما سلف على ان الطفرة محال : ولابد من السير خطوة خطوة ولن يتسنى لبلاد مهما أوتيت من العزم والحزم ان تبلغ في خمس وعشرين سنة ما بلغناه على اننا نعتقد اننا بحول الله سنصل الى الشي الكثير فى ظرف أوجز بكثير مما وصلت اليه أمم قبلنا ، واذا قلنا : إن هذه البلاد كانت قبل ربع قرن خالية من أى حركة تقدمية فتقدمها الحاضر يعد بالنسبة الى حياة الامم وثبة واسعة النطاق ، ولا نخال ان اولئك الاخوان يقصدون من دعايتهم نصح المسلمين لتعطيل احدى شعائر الدين الحنيف التى اليها يحجون فى كل عام وبها يتعارفون ويتألفون فانهم مسلمون قبل كل شي ، وانما ندعوهم الى أن يقارنوا بين الماضى القريب والحاضر العتيد والى ان يقاربوا ويسددوا . . ونرجو  من الله ان يهدينا جميعا الى سواء السبيل .

اشترك في نشرتنا البريدية