تطور التعليم بالمملكة العربية السعودية

Share

لقد عرف العرب فى الحجاز بالاميين لانهم ما كانوا يتلقون العلم عن أساتذة ولكنهم كانوا اذكياء بالفطرة وفصحاء بالسليقة ، منحة من الله وكرماً و كانت الاخلاق الفاضلة من اعظم سجاياهم حتى بعث الرسول  محمد صلى الله عليه وسلم متماً لمكارم الاخلاق بما جاء به من شريعة سمحة تبين الحلال والحرام وتفرض على الناس من العبادات الجسمانية ما يؤدى الى تهذيب النفوس وصفاء الروح عن طريق مراقبة الله التى تضمن سعادة الدارين وخير الحياتين .

وكان التوحيد هو محور تعاليمه والاساس الذى يحيى به قلوب اتباعه ويطهرها به من كل ما عدا الله . وكان إلى جانب هذا يدعو إلى تعليم مختلف العلوم ويستعين على ذلك بكل من آنس فيه شيئاً من علم ، من الاسري كما أنه أمر صلى الله عليه وسلم بلالا أن يتعلم اللغة الاسرائيلية ليأمن مكر اليهود .

ولما ان تم له تعليم بعض اصحابه ما يريد كان يرسلهم الى المدن والقرى . النشر العلم وتعليمه للناس . واستمر خلفاؤه من بعده على هذا المنوال حتى انتشرت دراسة القرآن فى المدن والقرى دراسة وافية وتركزت تعاليم الاسلام فى القلوب ، وصار الحجاز منبع النور ومصدر الهداية وكان التعليم فى الحجاز قاصراً على الطريقة الافرادية ويتولى تعليم القرآن والحديث وسائر العلوم الدينية فى المسجد الحرام والمسجد النبوي بعض أفاضل علماء الاسلام من مختلف الامم

غير ان الرغبة فى طلب العلم اخذت تتقلص وتتلاشى من نفوس أهل الحجاز لاسباب تتلخص فيما يأتى :

١ - تعمد الاستعمار الاجنبى القاء اهله فى غياهب الجهل عن طريق عدم تشجيع العلماء وعدم ايجاد مجال لانتفاع المتعلمين بمعلوماتهم .

٢ - أهمال الحكومة العثمانية لامر التعليم حيث لم تؤسس فى الحجاز طيلة ايام حكمها سوى مدرسة واحدة اولية ، اسمها ) الرشدية ( وهي تكاد تكون خاصة بأبناء موظفيها لتعلم اللغة التركية على الخصوص والى جانبها بعض كتاتيب لتعليم الاطفال ) فك الحرف ( وقراءة القرآن قراءة سطحية فقط .

٣ - عدم استخدام الحكومة العثمانية احداً من اهل الحجاز فى وظائف الدولة .

٤ - توجيه الحكومة للناس الى الامتهان بخدمة الحجاج من طوافة  وسقاية وما أشبه بما كانت تمنحه لهم من تقادير وتخاصيص فى هذا الباب .

٥ - تشجيع الحكومة للناس على البطالة والكسل بما كانت تغمرهم به من انواع الوظائف الدينية والمخصصات الدئمة التى يتوارثونها بينهم بموجب فرمانات شاهانية .

وقد انتهى الامر فى اواخر العهد العثمانى الى تغلب الامية وتسلط الجهل على العموم حتى غدا المتعلمون عرضة للسخرية والاستهزاء واصبحت نسبة الطلبة فى حلقات التعليم بالمسجد الحرام والمسجد النبوى من أبناء البلاد لا تكاد تبلغ ) ٥ ( فى المائة والباقوز من الاغراب المجاورين وهذا ما اثار الحمية فى نفس احد اثرياء هذه البلاد وهو الشيخ محمد على زينل  فعمل على تدارك الخطر من ناحية واحدة هى ناحية التعليم فأسس أول مدرسة فى كل من مكة وجدة هى مدرسة الفلاح وعانى كثيراً فى اقناع الجمهور على الاقبال على تلقي العلوم فيها بالنظر لما كان يروجه دعاة السوء من ان تلقي الطلبة الدروس فى غير المسجد الحرام تحت سقف المدرسة ، فيه خروج على العادات والتقاليد القديمة ومن شأنه أن يسبب انتشار الفساد الخلقي فيما بين الطلاب ويؤدى بهم الى تعلم علوم الافرنج ولغاتهم ، الامر الذى لا يتفق مع قدسية هذه البلاد . حتى كتب له  النجاح واستطاعت مدارسه ان تضمن لنفسها البقاء وان تؤدى واجبها وتؤتى ثمرتها وكان من طلبتها نواة لتشكيل الحكومة الوطنية فى العبد الهاشمي والعهد الحاضر واساتذة للمدارس الحكومية ، كما انه أبتعث فريقاً من طلبتها

الى الهند لاكمال دروسهم على حسابه الخاص . ولم يكن حظ المدينة المنورة باقل من حظ مكة وجدة حيث قيض الله لها السيد احمد الفيض آبادى فآسس بها دار العلوم الشرعية ونشر بواسطتها العلم هناك بل ان مدرسته قد امتازت بتشعب نواحي التعليم فيها وتخصيص قسم منها بالصنائع مما ادي الى براعة أهل المدينة فى تلك الصنائع .

وفي العهد الهاشمي اسست في البلاد وبعض مدارس أولية ومدرسة إبتدائية باسم المدرسة الراقية ولكن برامج التعليم فيها لم تكن فى درجة مدارس الفلاح ودار العلوم الشرعية .

ولما ان من الله على البلاد بهذا العهد الزاهر وانعم عليها بولاية صاحب الجلالة الملك عبد العزيز آل سعود عالج الامر من أساسه فوجه جهوده الى بث الروح الدينية فى النفوس وتثبيت العقيدة الصحيحة والتوحيد الخالص فى قلوب النشء وانشأ داراً للحديث واخرى للتوحيد ومعهدا للعلوم الشرعية وآخر للبعثات واسس فى المدن والقرى عدة مدارس ابتدائية وثانوية على نسق المدارس المصرية ، وطبق مناهجها استقدم لها بعض الاساتذة الا كفاء من مصر واجرى جلالته على طلبة المعاهد المرتبات تشجيعالهم على المثابرة على طلب العلم وصار يبعث البعوث الى الخارج وينفق عليهم بسخاء ، وعمل على تعضيد بعض اهل العلم على تأسيس وانهاض المدارس الاهلية بمختلف الوسائل وأسس مدرسة داخلية خاصة لتعليم اليتامى العلوم والصنائع حتى انتشر العلم برعاية جلالته وجهود صاحب السمو الامير فيصل نائبه المحبوب في جميع المدن ومعظم  القرى ، وبذل أيده الله الاموال الطائلة فى سبيل طبع الكتب النافعة وتوزيعها على الناس وقفاً لله حتى زهت البلاد فى ايامه وآخذت تتبوأ مركزها بين الامم وادرك الناس ثمرة العلم فاصبح الشباب اليوم يتهافت على طلبه ، ويبذل المساعى للالتحاق بالبعثات الخارجية بجد واجتهاد بعد ان كان يساق اليه سوقاً ، ولم تقتصر اعمال جلالته عند هذا الحد بل انه الى جانب هذا قد أولى العلماء رعايته

واسند اليهم شؤون القضاء والتدريس ، وفتح للمتعلمين ميادين العمل فى وظائف الدولة والشركات والأعمال الحرة ، وبذلك قضى على اسباب الجهل وساعد على تأسيس النهضة العلمية على أساس صحيح يرجى من ورائه وبفضل تمكن العقيدة القوية والروح الدينية في النفوس ، انتشار الدعوة الاسلامية في عموم البلاد مما يبشر بمستقبل باهر للاسلام والمسلمين .

ولقد كان هذا حافزا للقائمين بادارة مدارس الفلاح في مكة وجدة الى ادخال بعض التعديلات والتحسينات فى برامج الدراسة كاقرار اللغة الانجليزية ضمن دروسها . وعمل السيد حبيب أحمد مدير مدرسة دار العلوم الشرعية بالمدينة المنورة واحد تلامذتها بالامس على توسيع نطاق مدرسته والنهوض بها  فجعل منها قسماً أولياً وآخر ابتدائياً وآخر عاليا والحق بها مسبكا صناعيا يدار بالكهرباء لاعمال الحديد ومعملا لصناعة الاخشاب وعدة مكنات للطحن فى نواح متعددة فى البلدة يعمل فيها خريجو المدرسة ويعود ريعها الى المدرسة لضمان استمرارها ونهوضها .

ومما يلفت النظر ويستحق التقدير والاعجاب ان يقوم هذا الشاب بادارة كل هذه المنشآت في وقت واحد بنظام عجيب متقن ودقة متناهية وعزيمة لا تعرف الكلل ولا الملل ، إلى جانب ما يقوم به من مزاولة اعماله التجارية الخاصة وما يؤديه لبلاده من اعمال مجيدة كاشتراكه الفعلي فى عضوية مجلس ادارة المدينة المنورة ، ولجنة العين الزرقاء بحيث لا يشغله عمل عن عمل ولا واجب عن آخر ، وهو فى كل ذلك مثال الحركة الدائمة ، والغيرة المتناهية لصالح دينه وقومه وبلاده والاخلاص لحكومته ، مما يدل على مبلغ الذكاء الفطرى فى هذه البلاد ، وعظمة الانتاج العلمى فيها ، وهذا أصدق مثل نقدمه وندلل به على انه متى تيسر العلم لشباب البلاد السعودية فانهم لابد ان يفوقوا العالم فى الاخذ باسباب التقدم والعرفان فى ايام قلائل ان شاء الله .

اشترك في نشرتنا البريدية