تطور مواصلاتنا من الجمل الى الطيارة ، وأثر ذلك فى حياتنا

Share

صديقي الاستاذ عبد القدوس الانصاري ! ..  انك ان تسألني ان اكتب فى عددك الممتاز عن تطور مواصلاتنا من الجمل الى الطيارة واثر ذلك فى حياتنا فاننى

اسألك ان ترافقني في رحلة الى الماضي لننظر التطور الذي أحدثته  المواصلات في الحاضر فهل انت موافق ؟ ولم لا توافق وانت الحريص على البحوث التاريخية وانت الباحث عن الآثار ??  فهلم بنا ذن من ذلك الرجل

الوقور الذى وقف  ينادى : - هلموا الى  السفينة المنجية - ? وما  ذلك الشئ الذي يشير اليه ? ٠

- انه نبى الله نوح  عليه السلام - وانها السفينة التى امره الله ان يصنعها ( واصنع فلك  باعيننا ووحينا )

- اهذه سفينة نوح التى سخر قومه منه حين أخذ يصنعها ( ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه / ?

نعم هذه سفينة نوح انظر اليها لقد بدأ  رأسها كرأس الطاوس وعنقها كعنق النسر وجؤجؤها (١) كجؤجؤ الحمامة وكوائلها كذنب الديك ومنقارها كمنقار البازي واجنحتها كاجنحة العقاب .

هل هي من الحديد ؟ كلا انها من الخشب

- فما للونها قائما ? - ذلك من اثر القار الذي غشاها نوح به .

- اسمع لقد تعالت اصوات القوم واضطرب جمعهم فماذا دعاهم ؟

لقد جاء امر الله الاثرى معى ذلك التنور الذى يفيض منه الماء  ! الأترى السماء قد اظلمت وامطرت وابلها - فالحمد لله الذي لم يجعلنا من القوم الظالمين .

- فهيا بنا نجول  مع الزمن جولة اخرى فننظر ماذا صنع الانسان بعد هذا الحادث التاريخي المروع ! وماذا استفاد من آيته ؟ -

هذه سفن تمخر عباب اليم ولكن ليس فى طوفان كطوفان نوح - بل هى تنساب على سطح بحر هادىء رقراق تقلع وترسو على شواطئ الرومانيين واليونانيين والفلسطينيين وأرض الفراعنة ، سخرها الفوم لمنافعهم فحملوها تجاراتهم واثقالهم فاستفادوا منها فى نهضتهم العمرانية واستخدموها لمطامعهم فاحتشد عليها غزاتهم فاستطاعوا بها ان يبسطوا نفوذهم هنا وهناك . ولو لم يكن هذا البرزخ الذي يحول بين البحرين لتجاوز الرومانيون سوريا الى شواطئ الجزيرة العربية .

- الا نشير الى سفينة من هاتيك السفن الجوارى لتقلنا الى بلاد القوم فنشاهد ما افادوه من هذه السفن ?

- وهل تراهم يجيبون رغبتنا وليس معنا جوازات تثبت جنسيتنا ?

- اين نحن من عصر الجوازات لقد تغلغلنا فى احقاب الماضى فنحن الان فى عصر بدا فى يملك الانسان فيه حرية تنقلاته بدون القيود التى نتعثر بها فى ذلك العصر المتأخر كلما حاولنا التنقل من بلد الى آخر ولو كان ذلك البلد شقيقا !?

- يالها من رحلة ممتعة لا ترهقنا رسمياتها - واخال بعض هاتيك السفن قد رآنا فانظر إلى هذه السفينة انها تجنح الى الشاطئ .

- ان صدق حدسي انها سفينه رومانية فانني ارى عليها طابع الرومانيين .

- دعنا نختلط بركابها ونقلع معهم الى روما .

- مالنا نحن  وللاندماج فيهم ! الاتسمع ضوضاءهم ؟ انهم في عهد البوهيمية

المستهترة وثم ماذا نرى فى روما وقد احرقها الطاغية نيرون ان فيما نشاهده فى سوريا ومصر من العمران الضخم مايتثناه  عن تحمل الاختلاط بهؤلاء القوم فخير لنا ان نعود مع الزمن الى ارض الجزيرة العربية .

- ولكن أين السفن العربية التى يقول عنها ابن كلثوم  " كذلك  البحر تملؤه  سفينا !? "

- لم يعرف عرب قلب الجزيرة الملاحة الا بعد الاسلام حيث انشأ ابن العاص الاسطول الاسلامى بعد عمر رضي الله عنه الذى كان يخشى على المسلمين من البحر .

- إذن ماذا يقصد ابن كلثوم بقوله ذلك ؟ لعله يستحث قومه ويستثيرهم ليكونوا كأبناء عمومتهم العمانيين الذين بلغوا في الملاحة شأوا بعيدا - فهلا تلفت خلفك لتشاهد السفن العمانية فى الخليج الفارسي وعلى شواطئ الهند ? ان بيت ابن كلثوم من خيال الشعراء الذي يحلق فى آنفاق بعيدة فيثير فى النفوس الحماس والاقدام اما الحقيقة فمواصلات العدنانيين لا تعدو تلك القوافل التى كانت تجوب الجزيرة تحمل من جنوبها غلات ظفار والهند الى سوريا ومصر وتحمل الى اليمن والهند غللات سوريا ومصر فاذا ما اردت الرحلة الى قلب الجزيرة فعلينا ان نرافق هذه القافلة التى تسير حذاء البحر الأحمر الى مكة المركز  التجارى الهام لهذا الطريق فان هذا الطريق أسهل وأقرب لغرضنا من تلك التى  تسير من صور الى حضرموت من ناحية الخليج الفارسي .

- ولكننا لانملك الجعل الذي يأخذه العرب مقابل حماية القوافل !

- ان العرب كرام نبلاء فإذا عرفوا حقيقتنا واننا موظفون وان اشتراكات المنهل لا يدفعها المشتركون بانتظام فانهم سوف يعفوننا من الجهل .

- فلنسر معهم فما اجمل العيس وهى تسير فى صحارى الجزيرة تعلو بها الهضاب وتنخفض بها الوديان ! وما اشجى صوت حاديها فى هذه الليلة المضيئة ببدرها  ?

- صه اننى ارى وميض السيوف . - ما وراءك يا اخا كنانه ،

- ليس هناك ما يدعو الى الذعر . . انه ركب امرئ القيس بقصد قيصر يستنصره على قتلة ابيه .

ولم جررتم السيوف وشرعتم الرماح ؟

- خشينا ان يكون ركبه غزاة يريدون العير فقد رأينا عبسيا يستحث مطيته فى منحدر ذلك الوادى وانا لمتوجسون من حمقى عبس عبثا .

- وهل نحن  فى خطر ومتى تصل الى مكة ?

- ليفرخ روعكما فلا بأس على العير ولاخوف عليها من العبسيين فان سيدهم زهيرا بين ظهرانينا بمكة وانا على مقربة من يثرب وبيننا وبين اوسها وخزرجها حلف واذا كنتما تستعجلان الوصول الى مكة فخفا مع هذا النفر الذى سيسبق العير الى مكة ليخبر قريشا عن العير .

- تشبثا بالرحل فاننا نخشى عليكما السقوط

- والى متى هذا الارقال اما آن لنا ان نرتاح ؟

- نرى السير أضنا كما ولكن ابشرا فهذا حراء تطل علينا قمته وعما قليل نكون بالوادى .

- لمن هذه الدور ?  - انها دور بني عبد شمس .

- اين هذه الدور من قصور جيرون ومنازل الفراعنة ?

- اتريدان أن يكون لنا فى مكة قصور كقصور الأكاسرة والقياصرة !?

- اذا لم تكن قصور كقصور الاكاسرة والقياصرة فلتكن كقصور ابناء عمومتكم الغساسنة والحيريين"  و " السدير "  انموذج رائع لحضارة  حافلة بالعمران وفريش لا ينقصها الذكاء والكفاءة .

- ولكن تنقصها الصلة ببلاد الفرس والرومانيين الزاخرة بوسائل الحضارة انا نحن فى هذا الوادي بعيدون كل البعد عن الحضارة واسبابها بعيدون عن الفرس والروم وبعيدون عن الحميريين . لانملك من وسائل المواصلات غير هذه العير وماذا تستطيع أن تحمل عيرنا  فى هذا الطريق الطويل المحفوف بالاخطار ولقد رأيتما مات تكبدناه من مصاعب فى نقل السلع الضرورية لحياتنا على اننا راضون بهذا البعد سعداء به فلقد جنبنا الخطر الذي يحيط بالحيرة وببلاد الغساسنة .

- من هذان الرجلان يا اخا مخزوم ? قالا انهما موظفان ولهما منهل ولا يملكان جعل الحماية .

- اننا لم نسمع بقبيلة تسمى الموظفين فإين يقع منهلكما ياما ان ? اجب انها مشكلة وانت صاحب الفكرة !!

- كلا كلا ليست مشكلة ولسوف ترى ان الموظفين نعت لاولئك الذين يخدمون المصالح الحكومية اما المنهل فليس هو منهلا  كالذى تعنيه بل هو اول مجلة فى المدينة .

- انني لا افهم ما يقول ولعلها متعبان من السفر فلينزلا ضيفين في دورنا

- مالك تتئاءب  ؟-  انني اشعر بصداع شديد واحسبنا نمنا طويلا .

- أجل انها غفوة الزمن - اين نحن ؟ اننا فى مكة وابن مضيفنا وما هذا الضجيج والعجيج ؟ - دعنا نر - حقا لقد تمنا طويلا فهاهم  ابناء جيلنا يقصدون مني ولكنهم مازالوا  يمتطون الجمال والخيل والحمير والبغال كما كان يمتطيها ابناء النضر واجدادهم .

- اذا كانوا يحبون حياة قريش فما هذا العمران الذي أراه انه وان لم يكن كذلك الذى شاهدناه فى مدن فارس وسوري فانه على كل عمران ضخم شاهق يفوق منازل بني عبد شمس ?

- لقد تيسرت المواصلات واصبحت السفن ترسو على ميناء جدة فانظر الى النوافذ فان أخشابها نقلت على البواخر من وراء البحار وانظر الى مخازن التجار فان فيها من صادرات اقصى بلاد المعمورة . ولولا اطماع غليوم التى اثارت الحرب العالمية لرحلنا الى المدينة ورأينا القطار الحديدى الذى يحمل من الاثقال أضعاف ما تحمله الابل والذى كان العامل الفعال فى نهضة المدينة العمرانية  والاقتصادية التى أخذت تنتشر الى مدن الحجاز .

- ما هذه الابواق التى ازعجت الابل ؟ - هذه السيارات أقبلت - من اين أقبلت ومتى أقبلت ؟ - انسيت اننا مازلنا فى صحبة الزمن ؟ ال الزمن يطوي السنوات طيا هذا نحن قد قطعنا ربع قرن في وقفتنا هذه فاي جديد ترى ؟ هذا نحن نرى ياصديقي تقدما بينا يفسح لمرافقنا المجال ويعرج بها الى

حيث تحلق احلامنا فلئن كان ابناء هذه البلاد فى جاهليتهم انطوائيين بطبيعة  بلادهم لا يعرفون عن العالم غير ما ينقله اليهم تجارهم الذين يمتارون من اسواق سور وجيرون وصنعاء ولئن كانت الحوادث التى صوابها بعد أن جعلهم الله بناة التمدن الاسلامى قد غمرت هذه البلاد بظروف قاسية شغلتها عن غيرها لئن كان من هذا وذاك ماقضى على بلادنا ان تقف فلا تتحرك مع الزمن حتى رأيناها فى فجر حياتنا لم تتطور مواصلاتها عما تركها عليه ابناؤها الأولون تطورا يعتد به فان ما جد فيها فى هذه الخسة والعشرين عاما شئ كثير بالنسبة الى تلك الاحقاب الطوال التى مرت بها .

هذا نحن يا صديقى على اتصال وثيق بالعالم نملك من اسباب حضارته احدثها فهذه اخبار العالم نسمعها كما يسمعها اللندنيون وهذا نحن نملك اسطولا جويا تجاريا نحلق به كما يحلق النيويو ركيون . هذا نحن نستفيد من الاذاعة والصحافة اخبارا وآراء ونستخدم سياراتنا فى مرافقنا فنحمل عليها ما نشيد به هذه القصور التى تراها في مكة والمدينة وجدة والطائف وما نضئ به تلك القصور !

فهل كان من الممكن ان تسقي جدة من عيون الوادى لو لم نملك من اسباب المواصلات ماسهل لنا تحقيق هذا المشروع العظيم ؟ هل كان من الممكن ان تزدهر سريعا مدننا بهذا العمران الضخم لو لم نستخدم السيارات في نقل مؤن العمران ونطوى بها المسافات الشاسعة بين جدة ومكة والمدينة والطائف والرياض والظهران بسهولة ويسر ؟ هل من الممكن ان تسعف جازان بلقاح الجدرى لو لم تكن لنا هذه الطائرات التى حلق بها ابناؤنا فى سماء تهامة والتى نطير عليها بين مدننا الداخلية والى غير مدننا الداخلية فنسابق بها الرياح كأنما نحن فى حلم من الاحلام ??

ان ربع القرن هذا لمحة سريعة من لمحات الزمن الطويل الذي مرينا ولكن نتائجه ضخمة اذا ماقيست بنتائج القرون الخوالى وان هذه النتائج على اكبارنا

لها نتائج بدائية اذا ما قورنت بالأهداف التى نسعى لتحقيقها إن هذا الذي تراه بداية المشاريع العظيمة التى نسير بها الى مراحل التنفيذ بعد اناء الله علينا ما يشجعنا على القيام بها .

فاى مدى تحدده لنهضة مرافقنا اذا ما تبسطت مواصلاتنا وتسهلت ، واذا ماتم تعبيد طريق المدينة وطريق الطائف وينبع واذا ما قطع رمال الدهناء قطار الاحساء الى الرياض ومن الرياض الي مكة وإذا ما عادت الحياة لقطار المدينة وإذا ما كان لنا أسطول بحرى تجاري ؟

إنه ولا شك مدى بعيد يؤهلنا لان نكون مع الطليعة فى الركب العالمي بعون الله وقوته . . فالى العام القابل ياصديقى العزيز وفى العدد الممتاز ايضا من منهلك الاغر ان شاء الله .

الطائف

اشترك في نشرتنا البريدية