ثقافيات, شذرات، الذهب

Share

أرجوحة أم المؤمنين (( عائشة )) وعرائسها

(( عن عائشة رضى الله عنها قالت : تزوجنى - أي خطبنى - النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين ، فقدمنا المدينة فنزلنا في بنى الحارث بن الخزرج ، فوعكت فتمزق شعرى فوفى جميمه، فأتتنى أم رومان ، واني لفي ( أرجوحة ) ومعى صواحب لى ، فأتيتها وما أدري ما تريد منى؟ فأخذت بيدي فوقفتني على باب الدار ، فاذا نسوة من الأنصار في البيت . . فقلن : (( على الخير والبركة ، وعلى خير طائر))، فأسلمتني اليهن فأصلحن من شأنى . فلم يرعنى الا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأسلمتني اليه وأنا يومئذ بنت تسع سنين )) . أخرجه الخمسة الا الترمذى . ا ه

وفي اثر آخر انها كانت تلعب بالبنات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم . .

وهي تعنى هذه العرائس التى تخاطب من القماش وتحشى بالقطن ، وكان لها صواحب يشاركنها في ذلك . . وينقمعن منه ، وكان يسر بهن ويلعبن معها )) .

قلت : وهذه الأرجوحة يلعب فيها الصغار هى ما نسميه في زماننا ( المدريهة ) . . وما أحسبها كانت الا شبيهة المهد . . معلقا بين عودين أو عمودين أو ساريتين! وفي الرواية ما يقال للعروس ، من حاضرات أو متحضرات فى زفافها من كلمات التبريك والتهنئة . .

أما عرائس البنات . . فما يزال لها بقية في الجيل القديم . . واستغنى عنها الجيل الجديد بـ ( البلاستك ) أشكالا وألوانا . . هذا وليت كل زفاف - يقتدى فيه - بمثل هذه الحفلة . . المتواضعة ، ويسلم من التكاليف المحدثة ، والمصاريف المرهقة ، والعوائد التى لم يعرفها الصدر الاول من المسلمين ، وانما نشأت وتضخمت على مرور الايام والعصور ، مما دخل عليها من مختلف الأجناس والأمم ، حتى بالغ فيها أهل الثراء ، وعجز الضعفاء وتعنست النساء . . وتأبلس الرجال . . (( ولن يصلح آخر هذه الامة الا بما صلح به أولها )) . . وقد بدأت بشائر الاعتدال تتمثل في سلوك أهل اليسار ، وهم القدوة الصالحة لمن يعانون الاقتار . .

ولا بد من مضاعفة الجهد وبذل النصح ، في هذا المضمار ، فقد بلغ السيل الزبى ، وتجاوز الحزم الطبيين . والله الهادى الى سواء السبيل .

- ١٢٣٤ - أأستبضع التمر الى هجر ؟

سرني كثيرا وأبهجني ما دبجته يراعة البحاثة الكبير والعلامة القدير ومربى

الاجيال ، الاخ الجليل الشيخ عثمان الصالح - زاده الله فضلا وعلما - في كلمته الرائعة بمنهلنا الاغر الصادر في شهر ذى القعدة ١٣٩٠ بعنوان (( استعراض . . وبحث عن اصول كلمات )) . . واستغرفت في درس كل حرف وكلمة منه بامكان وتدبر . . وامتنان وتقدير . . وخرجت من ذلك بما يأتى :

أولا - الاعتراف . . بصحة كل ما أورده ( الصالح ) المصلح الكريم ، فان الفرق واضح بين الانحياش للخروج فقط . . وللفرار والهرب ، وما دامت متداولة في نجد بالمفهوم الثانى . . فلا محل للتطفل فيها أو التأويل .

ثانيا - وفي تعليقه على ( ماجاش ) توجيه سليم لا احسبه الا كما قال صحيحا . . فالشين لا تعدو ان تكون اقتضابا من ( شيىء ) . . وكذلك الحال في ( معليش ) وكلاهما مما يتداوله اخواننا اهل مصر المحروسة اكثر من سواهم .

ثالثا - وعن ( الزلوجة ) - فلا أجد تفاوتا في مدلولها في شرق المملكة وغربها، وشمالها وجنوبها فمدلولها في الجميع سواء.

رابعا - وعن ( الشولشة ) . . فمع ما كنت ذكرته عنها . . اضيف اليه أنها عند البعض تعنى - مع الاعلان عن الغبطة والسرور البالغين - الاحتجاج على سكوت أو انتهاء العازف أو المغنى : فهم يقولون له : ( ليش ؟ ليش ) أى استمر في الاطراب . . وما دامت تحتمل الكلمة التوسع في التعليل والتأويل ، فلا ضير على الباحث أن ينطلق فيها بشرط الدليل .

فاما ( الشوشة ) . . فأنى لاظنها أقرب الى التشويش ، والتهويش ، منها الى ما سواهما . . وهلا يصدق واقعها ، على ذلك؟

انها مجرد ضجة وانفعال . . او صدى لما تتجاوب به الجوانح ابان الطرب ، تارة ، والفزع تارة اخرى . وان اغلب استعمالها في الاول غالبا ..

واذا كان من الضرورى التثبت من أصلها لغة . . فما هنالك لها الا ( أبو نبيه ) . . بارك الله فيه وفي بنيه (١) .

خامسا - وعن ( الصاقعة ) . فما أراها بعد الشاهد في حاجة إلى ترديد ، أو تأكيد .

واستعمالها في نجد في الماء ، وان الصاقع منه هو البارد . فهى على أحسن الفروض وفيما أراه دون تمسك به ولا تسليم ، انما تعنى شدة البرودة . . كما أن للصاقعة او الصاعقة . . صوتا شديدا في الآذان . . وان لها وجها هو الاصح حتما ، فان الثلج من اسمائه ( الصقيع ) . . ومن ذلك كان استمدادها ، واشتقاقها . . ان لم اكن واهما.     على أن استعمالها بهذا المعنى ليس مقصورا على نجد وحدها فهى اعم استعمالا وشيوعا وتداولا في ( مصر ) . . خاصة وعامة . . وانما يهضمونها حقها في الابانة . . فيجعلون الصاد سينا . . فيقولون ساقعة . . وما

أظلم الناس للحروف في مختلف اللهجات والجهات .

وأخيرا - وليس اخرا . . فأرجو أن يسمح لى أخى الحبيب الشيخ عثمان الصالح أن أذكره بالمثل القديم (( كمستبضع التمر الى هجر )) . . أيرضى أن يجعل من صديقه مصداقا لهذا المثل الذى ينطبق عليه في اجابته هذه - لفظا ومعنى ؟. ذلك اليه . . وما حاولت الا أن ألبي طلبه . . بما أستطيع . . وانه للعلم - بفتح العين المهملة واللام - الخفاق . . في مكارم الاخلاق . ضاعف الله له النعمى ، وقر عيونه فيما يجب ويرضى .

  - ١٢٣٥ - العصا - لمن عصى

صليت ( الجمعة ) فى ٢٧ شوال ١٣٩٠ ه بادارة مشروع عمارة المسجد الحرام . كعادتى دائما . . مع سعادة الاخ المفضال الموفق الشيخ محمد صالح القزاز . بارك الله فيه وزاده فضلا ونعمة وتوفيقا . وخلال انتظار الصلاة واقامتها والاستماع الى آيات من الذكر الحكيم يرتلها الحفاظ من الفتيان المتفوقين نتوافد الى المجلس عدد من اصحاب الفضيلة العلماء وفي مقدمتهم فضيلة الشيخ عبد المهيمن ابو السمح ، وفضيلة الشيخ عشماوى سليمان ، وغيرهما . ولاحظت أن كلا منهم يحمل في يده ( عرجونا ) يتوكأ عليه . . وهو من النوع الضخم الفخم الغليظ . . ذى السمك الكبير . . وكان ممن شهد المجلس حضرة صاحب المعالى الوزير الجليل والامين العام لرابطة العالم الاسلامى شيخ الادباء والشعراء الشيخ محمد سرور الصبان . . فوجدتنى أتناول القلم

. . وأكتب هذين البيتين :

أرى المشايخ طرا

         يستعظمون ( العصيا )

ما ذاك الا اعتداد

        لمن يكون ، عصيا !

وأنشدتهم أياهما ، فاستحسنوهما ، جدا . . وقلت معقبا : هذا نظم للمثل المعروف: (( العصا - لمن عصى )) !! فهل تراهما يستحقان أن يكونا من الشذرات ؟ (٢) .

    - ١٢٣٦ - أول قصر بني بالطائف

(( كان لأمية بن أبى الصلت قصر منيف بالطائف يسمى قصر ( غيلان ) . . وقصة بنائه ، تتلخص في ان غيلان بن سلمة بن معتب وفد على كسرى ، وحاوره ، فأعجب به واشترى منه التجارة بأضعاف ثمنها وكساه وبعث معه من ( الفرس ) من بنى له هذا القصر ، بالطائف ، فكان أول قصر بني بها )) . اهـ . ملخصا من الاغانى .

قلت : فاذا كان هذا هو أول قصر بني في الطائف . . فى العصر الجاهلى . . فانه يدل على ان ما سواه من الدور كانت دونه سموقا ، وارتفاعا ومتانة وزخرفة . . فانفرد بالاولية لميزاته الجديدة ، غير انه من المتعذر أن يعرف مكانه الآن : الا ان يكون لاهل الديرة علم به من اخبار القدامى . . وما أراه الا في جوانب وادى ( رج ) . . ومن بعد الهضبة التى هى الآن مدينة الطائف المعروفة .

ومن هذا نعرف أن العرب الاولين قد استفادوا من خبرة ذوى الفن من اهل

الحضارات القديمة ، حتى حذقوها فأقاموا آثارهم الخالدة في مشارق الارض ومغاربها.

- ١٢٣٧ - ( الدار البيضاء )      في مكة

(( كان أول من نقل الغناء الفارسى ، من الفارسي الى الغناء العربى : سعيد بن مسحج مولى بنى مخزوم . وذلك أن معاوية بن أبى سفيان لما بنى دوره التى يقال لها : ((الرقط )) وهى ما بين الدارين الى (( الردم )) أولها ( الدار البيضاء ) وآخرها دار الحمام. وهى على يسار المصعد من المسجد إلى ( ردم عمر ) حمل لها بنائين فرسا من العراق . فكانوا يبنونها بالحصى والآجر .

وكان سعيد بن مسحج يأتيهم فيسمع من غنائهم على بنيانهم ، فما استحسن من ألحانهم أخذه ونقله الى الشعر العربى ثم صاغ على نحو ذلك )) اهـ . من ( الاغانى ) .

قلت : هذا نص على أنه كان بمكة ما يسمى : ( الدار البيضاء ) وموقعها على وجه التحديد على يمين المرور ، الآن ، وعلى يسار الصاعد الى المدعى . وربما كانت أمام ما كنا نسميه ( بالقبان ) . . وهو دار ابى سفيان بن حرب . وقد نص على أن البنائين كانوا يتغنون وهم على عملهم ، وذلك ما أدركناه في العصر الاخير ، عندما كان البناء بالحجر والطين . . وكانت اصواتهم تتجاوب بها شعاب مكة وأحياؤها . . ثم بطل ذلك بالاستغناء عن البناء الحجرى بالبناء بالاسمنت المسلح . .

- ١٢٣٨ - استبضاع الحروف

(( قال معاذ بن العلاء اخو ابى عمرو بن العلا : (( كان ابو عمرو اذا لم يحج استبضعنى الحروف أى الكلمات اسأل عنها الحارث بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة الشاعر وآتيه بجوابها ، قال : فقدمت عليه سنة من السنين ، وقد ولاه عبد الملك ابن مروان مكة ، فلما رآنى قال : يا معاذ ، هات ما معك من بضائع أبى عمرو . .فجعلت أعجب من اهتمامه بذلك وهو أمير )) اهـ.

قلت : وهذا نبأ يستحق العجب والاعجاب معا : أن تكون الحروف بضاعة . . وان يستخلف عليها الغائب من يتعاطاها عنه ، وأن تؤخذ عمن يرشح لامارة مكة ، وأن ينشد عنها ، وهو في مكانته العليا . وانها لجديرة بأن تكون كذلك ، فهى أثمن من الاموال ، وأبقى على الاجيال ، ومظهر للكمال والجمال .

- ١٢٣٩ - (( السماط )) ألف صحن صيني

(( قرأت في كتاب ( الكواكب السائرة باعيان المائة العاشرة ) للشيخ نجم الدين الغزى العامرى القرشى - ترجمة للشيخ(حسين ابن القاضى حسين المكى المالكى الشهير بالكرم بمكة المشرفة ، قال فيها : ( قيل

كان سماطه في الاعياد الف صحن صينى ، وكان تولى القضاء بالمدينة المنورة سنة ٩٨٢ ه.. ثم بعد سنة عزل ورجع الى مكة . . مات في تاسع صفر سنة ٩٩٠ ) اهـ.

قلت : وفي الرواية دليل على أن جيران بيت الله الحرام كانوا بهذه الدرجة من السخاء والكرم ، ولا سيما العلماء والقضاة، وهو أيضا دليل على أن من (السماط) ما يتألف من ألف صحن آنئذ ، وأن هذا الذى نسميه (بالصينى) كان معروفا مستعملا بمكة المكرمة . . قبل اربعمائة سنة . وبهذه الكميات الكبيرة ، وقد أدركنا بقية منه تعرض في رفوف المجالس - كالطراز - بما لها من ميزات فنية وأشكال طريقة يتغالون فى اقتنائها ..

وربما كانت الغاية من عرضها المباهاة بانها انما اعدت للولائم ، والمكارم . وبهذه المناسبة أذكر ما قاله شاعر عربى قديم :

أنا اذا اشتد الزما

   ن وناب خطب وادلهم

ألفيت حول بيوتنا

   عدد الشجاعة والكرم

للقا العدى بيض السيو

   ف وللندى حمر النعم

وقد عرفت مكة بهذا ( السماط ) وتعدد أصنافه واتساع موائده ، وأدركناه مرفوعا على الموائد التى تصف حولها المقاعد . . . بعد ان تكاثر فيه المتأخرون . . وقد اصبح في خبر كان من حيث التسمية ولكنه ما يزال باقيا في الاوضاع المستحدثة .

اشترك في نشرتنا البريدية