حياة وممات

Share

مهما تقدم الانسان فى العلم والتفكير ، فلا تجاوز معلوماته دائرة الكون وان أقصى ما يلم به علمه هو الأجرام السماوية وما يخصها ، والأحوال الجوية وعللها ، والكرة الأرضية برها وبحرها وحيواناتها ونباتاتها ومعادنها ، وبالأخص من عليها من البشر ، ونشأتهم وشعوبهم وقبائلهم ، وبداوتهم وحضارتهم وأعمالهم؛ وحالاتهم مع أنبيائهم وملوكهم وأخلاقهم وعلومهم وصنائعهم فى الأعصار الماضية وما وصلوا إليه في القرون الأخيرة ، وكل هذه الأشياء تتلخص في شيئيين : وهما : الحياة والممات ، فالكون عبارة عنهما..

نشاهد فى الليل شهابا يتكون ويتحرك ثم ينقض الى جهة ؛ فإذا هو منطفئ كأنه لم يكن ، وأنجم السماء تتلألأ ) فكأن كل واحد منها بلدة أو قرية فيها حياة نورانية ) الى أن تقبرها الشمس في ضوئها ثم تستعلى الشمس وتحكم فى الارض ، إلى ان تقبل جنود ظلام الليل فتغشى الأرض ، إلى أن تعيد الشمس كرتها

ونرى سحابة قد علت وأبرزت لنا وجودا وحركة فاذا ريح فرقتها وصفت الجو منها ، واذا كانت حاملة ماء فبين برق ورعد ألقت ما فيها وتخلت ، فى حين أن الأرض تكون ميتة فتكتسب الحياة منها وما الأرض إلا واد ميتة لولا أن السماء تمطر الأودية تجرى والعيون تنبع مع أنها لو دامت حياتها لأصبحت أوحالا فالشمس بحرارتها تبخر رطوبة الارض حتى تنشف وتموت فتستعد لحياة جديدة وهذه فصول السنة وهى فى حياة وممات .. ومن حيات الأرض يتولد غذاء الناس والأنعام فيحيى هؤلاء بها وهى تستهلك وهذا فى كل لحظة . والهواء النسيمى المحيط بالأرض يستنشقه ذوو الحياة فيحيون به وهو يحترق ويستنزف ، هذه حياة وممات . والجسم الحي تموت منه ذرات وتحى ذرات فى كل آن ،

وبهما تدوم حياته ولولا هما لم يعش إنسان ولا حيوان. ومن فكر فى البر والبحر لا يجد إلا حياة ومماتا ، فهذه الأنهار التى تجرى بماء الحياة تنصب فى البحر فتموت والبحار لو لم يتصرف الزائد منها بالتبخر او بغيره لطفت على الأرض . وهذه الأشجار والنباتات لا يخفى حياتها ومماتها . وأما المعادن فأهل الفن يشاهدون فى كل جزء منها حياة . ونحن نرى الطيارات والمناطيد والسيارات والسفن البرية والبحرية والمعامل كلها حديدا متحركا بل قتالا كالآلات الحربية . ثم الماء يأكل الحديد ويميته . القوة المتقابلة يخرب بعضها بعضا فتسمع سقوط ما فى السماء منها وغرق ما فى البحر وتدمير ما فى البر . ونشاهد الذهب يتحرك بين أيدى الناس حتى يذهب بعقول بعضهم ، فيتقاتلوا عليه ، ونراه يجره أهل المصايف الأروبية والأمريكية ليدفنوه فى صناديقهم الحديدية وهذا نوع من الحياة والممات وكذلك الحيوان ؛ فما يسمونه جرثوما الى الفيل وإلى أكبر منه فى البر والبحر كل نوع منه فى موت أفراد منه وحياة ، فى كل طرفة عين وليس فى استطاعة أحذق الرياضيين أن يحدد عدد ما يموت من الحيوان فى كل ثانية ودقيقة ، وانما هم قربوا لنا تقريبا قالوا إنه يولد انسان ويموت انسان في مدة كل نفس واحد واذا فمجموعة البشر كدائرة مصبوغة بلونين ، نصفها بلون والنصف الآخر بلون آخر ، فإذا دارت بسرعة وهي فى دوران سريع دائم ظهرت بلون واحد (١)  وكم كان عدد الأمم التى عاشت بين آدم ويوح عليهما السلام

ولما نزل نوح عليه السلام من السفينة كأنهم قالوا أنى يحيى هذه الله بعد موتها فخلقت مبهم أجيال فى اعصار ولولا الموت لأصبحت الأرض كرمانة من البشر وأين هم ؟ وأين بقاؤهم؟! إننا نجد الأرض اليوم خالية الأطراف ، ونجد القسم الذى

يعمره البشر والذي ربطوا بعضه ببض بالسكك الحديدية وبجميع أسباب التمدن كاثار النمل بالنسبة لسعة الأرض وخراب أكثرها وإذن لا نكون مبالغين إذا قلنا إن قشرة الأرض مكونة من جثت البشر ( ولله در المعرى إذ يقول :

خفف الوطأ ما أظن أديم الأ رض إلا من هذه الأجساد

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا

فانت أيها الانسان كائنا ما تكون معتنقا أى دين أو غير معتنق لدين لا تنكر ظاهرتي الحياة والموت واذن فكيف لك ان تنكر الإرجاع وهو إحياء الله تعالى إياك في عالم أفسح من عالمك هذا من أنشأ اليء استطاع إعادته والإعادة أسهل من البدء والإبداع .

وأنت إذا انكرت الإعادة والبعث فإنك تمثل لنا نفسك جنينا اطلعت عليه بواسطة أشعة ( رونتكن ) وأسمعته انه سيبعث بعد أيام الى عالم فيه أرض وسماء ونور وشمس وقمر ونجوم وحيوانات ونباتات وفيه نعيم وأنواع المأكول والمشروب ولذات شتى ، فكان منه أن أجابك بقوله : أنا الجنين لا أتصور الحياة الا فى هذه المشيمة فاغرب عني ؟ !

اشترك في نشرتنا البريدية