) ١ انني ياسيدى آثرت مجانبة التطويل لأبلغ بك الى الغاية التى تريد من خير سبلها واوجزها ( سيدى : مضي على اجتماعنا وتحدثنا عنه وقت ليس باليسير ، وذهب وذهبت ولم تعلم عن أمره شيئا . كثيرا ماحاولت ان تصونه وتكشف سر انقباضه لتقوم بعلاجه ، وليس لك مقصد سوى ما تمتلئ به نفسك من الطيبة وحب الخير ، فأشفققت عليه من التسكع فى الاسواق والجلوس في الحوانيت مما كان سببا لشقاء أهله وغير أهله ، وأحببت له الاستقرار فى حياته وتمنيت له حظا وافرا من العلم على يديك وكأنك تدري ماسيجنيه عليه هذا الجهل .
لقد ضحى بنفسه وأهله ولعلك لو عنيت به لارهقت
فى سبيل أهواء فاسدة نفسك بما لا طاقة لك به
لأنك من الطيبة - يا صديقى - بحيث لا تقوى على احتمال شنيع الفعال ، فما أنت بمصلح امثال هؤلاء ولاهم بمصلحي أنفسهم إذا لم يجدوا حربا عوانا على هذا التسكع والزاما بالتعليم وقمعا من قبل سلطة قوية لهؤلاء الذين لا تؤنبهم ضمائر باستغلال السذج
كنت تود من صميم قلبك أن تعرف سبب انقباضه الذى افسد عليه كثيرا من حيويته ولكن سفرك المفاجئ لم يمهلك ، اما انا فقد عرفت السبب وتوصلت إلى حقيقة سر ذلك الانقباض وهو ما كنت تتوق اليه فأحببت ان أوافيك به ولو على البعد كفاه ماوددت له من الخير الذي تمتلئ به نفسك
ازداد - يا سيدي - تحول هذا الشاب وبدى هزيلا اكثر مما كنت ترى وافسد عليه القلق الذي مازج نفسه طبيعته الهادئه ونظرته الساحرة ، فلا تراه الا ساهم النظرة مشرد الفكر
تعود هذا الشاب ان يذهب يوميا الى حانوت صغير يقضي فيه شطر النهار الأول حتى اذا ما حان وقت الظهر دخل وصاحبه المقهى المجاور للحانوت وانتحيا جانبا لتناول الغداء فاذا ما هدأت القائلة انكفأ راجعًا الى داره وعلى هذه الوتيرة يسير فى برنامجه اليومي .
كان هذا الحانوت احد المشاكل التى تزيد فى سهوم الشاب بأن صاحبه يستغل سذاجة الشاب مقابل ما يدينه له لحسابات مصرف داره ، وليته بعد كل ذلك لا يكلفه من أمره عسرا ، فهو الى جانب ذلك مطالب بالخروج معه الى النزهة فى ضواحي البلدة وبالسمر فى اغلب الليالي بدار صاحبه الى ساعة متأخرة من الليل فيضطر للذهاب مرغما تاركا والدته العجوز وأخواته الصغيرات بالدار ولا من يسد حاجتهم سوى صغرى اخواته التى تعودت ان تبتاع ما يحتاجون من الدكان المجاور للدار . أما هو فمطالب بتسديد هذا وذاك ولهذا السداد ضريبة يدفعها كما علمت
استمر الفتى على ذلك النحو شهورا عديدة الا أن نظراته القلقة تنبئ عن شئ يخفيه فى طيات نفسه .
لم يكن في الواقع عمله هذا تلقاء ما يقوم به من نفقة أهله وحسب ، وانما كان هناك في الامر شئ اخر هو الذي يزيد في آلامه وقلقه ، وذلك ما حرصت على الوقوف عليه تحقيقا لرغبتك واستجابة لعاطفتك في انقاذ هذا الفتى البائس الا ان ظروفى صرفتنى عن متابعة احواله وابعدتني مشاغلى المتعددة عن مراقبته وكنت كلما هيأت نفسي للوصول الى نتيجة لما انا بصدده ازدادت مشاغلى وكثرت اعمالى غير ان لعمل المصادفات فى حساب الزمن ما يوفر على الانسان كثيرا من الجهد الذى يتطلبه البحث والنقص اغرب تلك المصادفات - يا صديقى اننى ذهبت مرة لزيارة احد اصدقاني لغرض خاص فوجدته يتحدث الى صديق له حديثا لفت نظري فاشتركنا فيه ودار الحديث بيننا .
قال محدثي انقطع الشاب عن صاحبه فاستبطأه واستطال غيبته حينما مر اليوم الثالث ولم ير صديقه كسابق عادته وشد ما آلمه ان عائلة هذا الشاب لم تعرف عنه شيئا ايضا .
وامتد الخير هنا وهناك واصبح حديث الشاب المختفى متداول الالسنة من الجيران واصحاب الحوانيت فكثرت الاشاعات والتعليقات ، مما اثار قلق صاحبنا وبعث على اضطرابه وزاد من قلقه تعلق العائلة المنكوبة فى ابنها بتلابيبه فلم يجد بدا من اخبار رجال الامن بالواقع
وبهذا أصبح حديث اختفاء الشاب مثارا لكثير من الاشاعات والاحاديث فمن قائل ومن قائل ومن قائل ولكن قائلا واحدا استطاع ان يتبين شيئا فى الموضوع فأفضى الى صاحبه .
بأنه كان دائما يرقب حركات هذا الشاب أثناء جلوسه نظرا لتجار الحوانيت فيرى النافذة المطلة على الحانوت من البيت المجاور لدكان صديقه والذي تسكنه العجوز ) المنقطعة ( فلانه . . دائما تراقب الشاب ؛ وان للشاب صلة بها فقد كان فى وقت من الاوقات يختلس نفسه اليها ومنذ ذلك الحين الذي تغيب فيه الشاب لم يلمح أثرا للعجوز فى هذا المكان
فعلى الفور اتصل صاحب الحانوت بجيران العجوز واتضح من البحث انها انتقلت من الدار فى احدى الليالى ، وداخلت الرجل ريبة فى الامر فأوصل الخير من فوره لمن يلزم لعل فيه ما يلقى ضوءا على البحث عن الشاب المختفى
وأخذ البحث مجراه ووضح من الدلائل مكان العجوز والقى عليها القبض واجرى معها التحقيق الذي اسفرت نتائجه عن ان هذه العجوز كانت تذهب مع الشاب الى دار فتاة علقت به وافتضح امرها بين اهلها بثمرة اثمها وحاولوا معرفة الجاني فعلمت العجوز واوعزت اليه بمغادرة البلدة ولم تعلم بعد ذلك عن أمره شيئا
