" صاحب السعادة الوزير المفوض وشاعر جلالة الملك المعظم ونائب رئيس مجلس الشورى الاستاذ احمد ابراهيم الغزاوي ، هو من مفاخر بلادنا وكان ومايزال له الفضل على " المنهل " بمساهمته مشكورا منذ انشائها في تحبير مقالاته الرائعة وقصائده العصماء بها . . وها هو يساهم في هذا العدد الممتاز بهذا المقال الجامع الممتاز عن " سعوديات المنهل " . .
من حق مجلتنا الاولى - وهى تشرف على عامها العشرين - وقد اخذت مكانها ومنزلتها بين كبريات مجلات الشرق العربي ، أن نتجاوب معها : ونعيد النظر قليلا الى الظروف التى كتب لها الصدور فيها حيث الاسباب متعذرة والأمكانيات محدودة والقابلية منعدمة ، والقراء لما يتوافر منهم العدد الكافي المشجع على الاقدام فى هذا السبيل الغير ممهد . . فماذا كان لصدورها آنذاك من صدى فى أوساطنا العامة والخاصة ؟ وكيف تسنى لها ان تتغلب على الصعوبات ، وتشق طريقها بين المعارج ؟ وما هى العناصر القوية التى مكنت لها من بلوغ اهدافها في ثبات واصرار . وهداية واستبصار ؟ رغم كل عائق ثقافى وطباعي !
ولست بحاجة الى اطراء الجهود الموفقة التى بذلها وما يزال يبذلها فى عزم وعناد متلازمين حضرة صاحب الفضيلة منشئوها الكبير ومؤسسها الدائب التحرير استاذنا الجليل الشيخ عبد القدوس الانصارى فانها المثل الحي والأسوة الحسنة لكل من يحاول أداء واجبه الوطني . . فما صده عن مشروعه الاول فى نوعه فى هذه البلاد المقدسة مالا يخلو منه مثله من مشاغل وموانع . . وبواعث ودوافع ، وانطلق يحلق فى الصعود المتواصل حتى بلغ بمجلته الممتازة هذا المثوى العالى الرفيع وحتى اتاح الله له ان يراها ذات اصداء بعيدة تجتاب آفاق الشرق والغرب بين العالم القديم والدنيا الجديدة . . وحتى اصبح لها مقامها المحمود في خدمة الثقافة العربية والاسلامية فى ادق الظروف واحرج
الملابسات ، وما كان لها ان تنال هذا الشرف العظيم لولا الاكباب والدأب اللذان تغلبا على المتبطات ، وانتزع بهما المؤسس اعجاب مواطنيه واكبار وطنه وثناء الاجيال الحاضرة واللاحقة وما اقول ذلك مبالغة فى اطرائه . . ولكنه الحق الذى لا مرية فيه ولا تزيد
ويستطيع القارىء الوطني ان يلحظ هذا الاسلوب الحكيم الذى اتخذته ( المنهل ) فى عشرين عاما خلت . . فى العرض والاخراج والتحفيز والتشويق . . ومراعاة مختلف الافهام من طبقات العامة والخاصة ، والشيوخ والشباب . . حتى استطاعت ان تجد من الجميع آذانا مصغية . . وقلوبا متفتحة ، واستعدادا تاما لتلقي اسرار الحياة وبواعث الوعى الذى لا يهمل القديم ولا يسخر بالجديد وانما هو النفع من حيث جاء وكيفما كان مصدره ما دام لا يتعارض مع نص شرعى ولا كرم خلقي . .
وهذه ميزة كبرى لا نكران انها من توفيق الله لصاحب المنهل الذى يعتبر بحق من رواد البعث الحديث .
ان الاستاذ الانصارى - من ازهد الناس في الاطراء . . وما كان له ان يطمح اليه او يحرص عليه لولا ان من الانصاف ان لا نبخسه حقه منه . . لا رغبة فى ارضائه او مجرد اطرائه بل قياما بما لابد منه من شكر جهوده التى اتت ثمارها ، وحققت كثيرا من
اهدافها العليا ، فى غير ما لغط ولا صخب . . فقد خلت مجلته الهادئة الرزينة من كل ما تؤاخذ عليه او تزن به من هفوات الصحف ، ومنات الصحافة . . واستتأثرت دائما وأبدا بالطيب النافع وقدمت الى قرائها خير ما يتصل بافادتهم ، ويحفز من هممهم ويزيح عن غشاوتهم واماطت من تاريخنا المجيد كثيرا من الحجب الكثيفة
التى كانت مسدلة على الكنوز الثمينة الغالية فى حقل الادب والتاريخ والاجتماع . . وضربت بسهم وافر فى كل أطوار التقدم والحثيث خلال عشرين حولا مضت يحسبها المغتبطون بها اياما لا أعواما ، ويقدرها العارفون بنصف قرن مضى على الاقل فيما عانت من اتعاب ، وحملت من شجون . . ومهدت من عقبات . .
ان من امثال العرب الاولين قولهم " اين الشجى من الحلى ؟ " واذا كان هذا المعنى انما كان ينصرف دائما الى اولئك الذين كانوا يكابدون اهوال الحب العذرى ! او العشق المبرح فانما نعني به هنا ان قليلا جدا من القراء فى عام ١٣٧٥ من يغمض عينه ويستعيد فى ذاكرته كيف كان يمكن لمجلة كهذه ان تصدر وان تتابع سيرها وتواصل خطوها الى الامام منذ عام ١٣٥٥ وفي بلد لا تتوافر فيها وسائل الطباعة
ولا اسباب النشر دون مجازفة ومكابرة واقل منهم أولئك الذين يدركون ان من المرضى من يعجز الطبيب في اقناعه بان مرارة العلاج هى الوسيلة إلى الشفاء ! وان مواجهة الامر الواقع ، ومجابهة المشكلات بالحلول الناجعة خير من التزوار عنها والحيرة بها . .
والاضطراب فيها . . ودون اولئك وهؤلاء من يأخذ فى حسابه الاحاسيس المختلفة والطرق الشائكة . . والهوات السحيقة التى يتعين اجتنابها وتفاديها فى مثل هذا المشروع الادبي القيم . . والا كان ادنى الى الوفاة قبل الولادة هذا الى ما يقتضيه من بذل مادي ،
ونشاط قوى لا ينهض بهما الا من اعانه الله عليهما . . وهكذا كان الاقدام عليه والنهوض به والاستمرار فيه احدى الارهاصات الكبرى على ما تنعم به البلاد السعودية فى هذا العصر الذهبى من تقدم وتحفز وطموح لا يقف بها دون بلوغ الغايات المنشودة لاستعادة مجد العرب والاسلام في ستعاده مجد العرب والأسلام في مهابط الوحى ومشارق النور ومطالع الهداية .
وانه لمن المتعذر علينا ان نتابع مجلتنا العزيزة . . فى ادوارها الماضية وان نخيط فى هذه العجالة بكل ما اضطلعت به من مسئوليات ضخمة ، وما ادته من خدمات جمة ، فمرجع
ذلك الى صفحاتها البيضاء . . المشرقة بابحاثها العلمية والأدبية والتاريخية والتي لم تدع فيها شاردة أو واردة من تطور الحضارة الحديثة . . ولم يفتها ان تبعث في الشعب - وفي الطبقة المستنيرة منه على الأخص - روح الكرامة والاعتزاز بماضيه الحافل بجلائل الاعمال ، وحاضره المتوثب
المكتظ بالمفاخر والامجاد . . حلقات متصلة آخذ بعضها برقاب بعض منذ اختار الله لهذه الامة العظيمة هذا ( الملك العظيم ) والقائد العبقرى الحكيم جلالة الملك سعود الاول امده الله بعونه وتوفيقه واطال في عمر جلالته حتى تقر عيونه بكل ما يعتز به الدين وتصلح به الدنيا . . ويجمع الله به لعباده المثقفين خيرى المبدأ والمعاد .
واذا كان لنا ان نشير الى ابرز ما عنيت به مجلتنا الاولى خلال جهادها الطويل ومنذ كتب الله لها ان ترى النور في هذا العالم المحسوس . . . تحدثا بنعمة الله وشكرا على ما اسبغه من فضله . . فلا مناص من الاشادة بانها كانت - ولا تزال - ذات منحي خاص تتجه به منذ انشائها الى ( الامل المنشود ) في شخص حضرة صاحب الجلالة مولاى الملك سعود المفدى . . وفيما تنتظره البلاد والامة على يدى جلالته من نهضة عامة شاملة تأخذ
بأيديها الى مصاف الامم الحية القوية الناهضة ذات الحول والطول على اساس من العلم والمعرفة ، وكانت عظيمة التفاؤل بهذا العهد الذى ادرك فيه الناس في كل اقطار الدنيا ان البلاد العربية السعودية ليست هى ما كانوا يظنون او يتخيلون ، نتيجة المعلومات المبتسرة الخاطئة . . أو الدعايات المغرضة الفاسدة . . بل انها تصعد
السلم في غير ما طفرة - فى كل ساعة وكل ليلة وكل شهر وكل سنة متزنة الخطى قوية الايمان بانها بالغة بحول الله تعالى ما تصبو اليه من رفعة وسؤدد وتقدم وازدهار فى ظل صاحب العرش المفدى الساهر على تقدم شعبه وهنائه وارتقائه فى كل حقل من حقول الحياة المشرفة الصالة . . كان ذلك أول ما حرصت عليه هذه المجلة الفتية
المجاهدة واشاعت به في النفوس والقلوب والاحاسيس ضياء ما يزال قوى الشعاع باهر السناء . . واخذت منذ نشأتها تركز توجيهها ، وتغذى قراءها بهذا الامل الذي حققه الله - بطويل العمر - فما ينقضى عقد من السنين القريبة جدا ان شاء الله حتى
تقف ( المملكة العربية السعودية ) على قدم المساواة مع اعظم شعوب العالم حضارة وتقدما وقوة واعتدادا . . وثقافة وعلما ، وادبا واخلاقا ، وتمتاز عن كل من تظله السماء وتقله الغبراء بدين التوحيد الخالص الذي هو اصل البقاء وسبب الوجود . . وعلة الخلق والتكوين والبعث والنشور ، والى الله تصير الأمور .
وأخيرا - وليس آخرا - فان لمجلة المنهل الغراء وصاحبها الجليل خير تهنئة تزجيها القلوب المطمئنة . . على ما قدمت حتى الآن من صحائف المجد المشرقة ، وارسلت من اشعة النور المغدقة . . وبما اسلفت من خدمات لايجحدها التاريخ ولاتبخسها الاجيال القادمة حقها من الاكبار والتقدير . .
ولتمض في جهادها الموفق ( وسعودياتها ) المبشرة حتى يكون احتفال الشعب بها فى الذكرى الذهبية الخمسينية أن شاء الله تعالى مقترنا ببلوغه اعلى منازل العزة والكرامة في ظل صاحب الجلالة ( سعود الاول ) حفظه الله وايده بروح من عنده .
مكه
