ذكر مؤلفاته
من قرأ ما كتبه العلماء فى ترجمة شيخ الاسلام ابن تيمية وتأمل ما ذكروه من قوة حفظه وسعة اطلاعه وسيلان ذهنه وما كان يكتبه فى المجلس الواحد من الكراريس لم يستكثر ما ذكر فى ترجمته من كثرة مؤلفاته وقد الف الحافظ شمس الدين ابن القيم رسالة مفردة فى عدد مؤلفات شيخة شيخ الاسلام وفصلها على انواع العلوم في الحديث والتفسير والفقه واصول الفقه واصول الدين والنحو والفتاوى والرسائل وغير ذلك من فنون العلم وقد عقد لذكر بعضها بابا فى النونية قال فى أوله :
واذا اردت ترى مصارع من خلا من امة التعطيل والكفران
فاقرأ تصانيف الامام حقيقة شيخ الوجود العالم الربان
اعنى ابا العباس احمد ذلك " بحر المحيط بسائر الخلجان
ونحن نذكر فى هذا المقال بعض ما اشتهر منها افادة لمن لم يقف عليها من القراء فنقول منها كتاب العقل والنقل ويسمى درء تعارض العقل والنقل وهو كتاب حافل عظيم في بابه رد به على الفلاسفة والمتكلمين وذكره ابن القيم واثنى عليه بقوله :
فاقرا كتاب العقل والنقل الذى ما فى الوجود له نظير ثان
وهو فى اربعة اجزاء طبع منها ثلاثة بهامش منهاج السنة وبقي الجزء الرابع لم يعلم به الا بعد تمام طبع المنهاج واشتهاره .
ومنها منهاج السنة رد به على الحسين بن يوسف المعروف بابن المطهر الحلى المعتزلى وذلك انه الف كتابا سماه منهاج الكرامة فى معرفة الامامة يدعو به الى مذهب الرافضة الامامية وينصر اقوال المعتزلة ويطعن على اصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام فرد عليه شيخ الاسلام بهذا الكتاب الجليل الذي اثنى عليه الموافق والمخالف حتى قال تقى الدين ابو الحسن السبكى فى مدحه .
ان الروافض قوم لا خلاق لهم من اجهل الناس فى علم واكذبه
وابن المطهر لم تطهر خلائقه داع الى الرفض غال فى تعصبه
ولابن تيمية رد عليه وفا بمقصد الرد واستيفاء أضربه
وقد اختصره غير واحد من اهل العلم وهو مطبوع فى اربعة اجزاء وذكره فى النونية بقوله وكذلك منهاج له فى رده قول الروافض شيعة الشيطان ومنها الجواب الصحيح فى الرد على النصارى وقد طبع بمصر فى اربعة اجزاء وقد مدحه العلماء واثنوا عليه وفضلوه على غيره من الردود على النصارى وذكره ابن القيم فى النونية بقوله :
وكذا جواب للنصارى فيه ما يشفى الصدور وانه سفران
ومنها شرح العقيدة الاصفهانية التى الفها شمس الدين محمد بن محمود الاصفهاني المتوفى سنة ٦٨٨ شارح المحصول فى علم الاصول تأليف الفخر الرازى وهو غير شمس الدين الاصفهانى شارح مختصر ابن الحاجب في الاصول فهذا معاصر لشيخ الاسلام وقد سمع شيخ الاسلام درسه واثنى عليه وشرح الاصفهانية من اجل الشروح واحسنها وقد خالف المتن المشروح لانه مؤلف على طريقة المتكلمين فى الاستدلال وقد ذكره ابن القيم بالنونية واثنى عليه بقوله :
وكذا شرح عقيدة للاصبها نى شارح المحصول شرح بيان
فيه النبوات التى اثباتها فى غاية التحقيق والاتقان
والله ما لاولى الكلام نظيره ابدا وكتبهم بكل مكان
وهذا الشرح مطبوع مشهور وقد شرح شيخ الاسلام كثيرا من كتب المتكلمين وبين مافيها من حق وباطل وهدى وضلال وتتبع كتب الفخر الرازى
لانه اكبر المتكلمين فشرح قطعة من الاربعين له وقطعة من المحصل وهذا الكتاب قرأه ابن القيم على شيخ الاسلام وكان ينشد فيه .
محصل فى اصول الدين حاصله من بعد تحصيله اصل بلا دين
اصل الضلالات والجهل المبين وما فيه فاكثره وحي الشياطين
ومنها نقض اساس التقديس والاساس كتاب فى علم الكلام الفه الفخر الرازي للملك العادل فرد عليه شيخ الاسلام ونقض اساسه الباطل فى كتاب بلغ سبع مجلدات وهو موجود فى بعض المكاتب العمومية ولما يطبع حتى الان وقد اثنى عليه ابن القيم فى النونية بقوله :
وكذلك التأسيس اصبح نقضه اعجوبة للعالم الرباني
ومنها قواعد الاستقامة وهي موجودة في دمشق وفي بعض بلاد الهند وقد ذكرها ابن القيم بقوله :
وكذا قواعد الاستقامة انها سفران فيما بيننا سفران
وقرأت اكثرها عليه وزادنى والله فى علم وفي ايمان
ومنها القواعد الكبار وقد طبع كثير من قواعده فى الايمان والطلاق والعبادات وهي متداولة بين اهل العلم وقد ذكر ابن القيم القواعد بقوله :
وكذا قواعده الكبار وانها أوفى من المأتين فى الحسبان
لم يتسع نظمى لها فاسوقها فاشرت بعض اشارة لبيان
ومنها الرسائل الى العلماء والامراء والاصحاب وقد طبع كثير منها كالقبرصية ورسالته الى نصر المنبجى وغير ذلك :
وكذا رسائله الى البلدان والأطراف والاصحاب والاخوان
ومنها الفتاوى المصرية وهى اجوبة عن مسائل سئل عنها لما كان بمصر وقد جمعها بعض تلامذته وسماها ) الدرر المضيئة فى فتاوى ابن تيمية ( وقد رأيت الجزء الخامس منها فى المكتبة الظاهرية بدمشق وهو مطبوع مع المجموع الذي فيه الاختيارات العلمية وفي مكتبة الجامع الازهر مختصر لهذه الفتاوى الفه بعض علماء الحنابلة وقد امر العلامة الامام الشيخ عبد المجيد سليم رئيس
لجنة الافتاء بالأزهر بطبع هذا المختصر جزاه الله خيرا وكثر فى المسلمين من امثاله ومنها الفتاوى الكبرى وقد اشتهر عند الناس من فتاواه عدد كثير ما بين مطبوع وغيره وذكرها ابن القيم فى النونية بقوله :
وكذا فتاواه فاخبرني الذي أضحى عليها دائم الطوفان
بلغ الذي الفاه منها عدة الا يام من شهر بلا نقصان
سفر يقابل كل يوم والذي قد فاتنى منها بلا حسبان
والذي ذكر ابن القيم انه عليها دائم الطوفان يحتمل انه شمس الدين محمد بن مفلح صاحب الفروع فقد ذكر العلماء في ترجمة ابن مفلح ان ابن القيم كان يسأله عن مؤلفات شيخهما شيخ الاسلام ويحتمل انه أبو عبدالله الشريشي المغربي فقد ذكر ابن عبد الهادى فى العقود الدرية وابن كثير فى البداية والنهاية انه اكثر الناس جمعا لكتب شيخ الاسلام
ومنها التفسير لكلام الله تعالى وهو رحمه الله لم يفسر القرآن الكريم مرتبا وقد طلب منه ابو عبد الله الشريشي ذلك فاجابه بان التفاسير كثيره ولكن بعض السور والآيات ربما اشكل معناها على بعض الناس فتحتاج الى توضيح وتبيين ولهذا لم يفسر جميع القرآن وقد فسر رحمه الله سورة النور وسورة الإخلاص وسورة الكوثر وآية العبودية وغير ذلك مما بلغ عشر مجلدات كما قال فى النونية :
هذا وليس يقصر التفسير عن عشر كبار ليس ذا نقصان
ومنها الرد على علي بن يعقوب البكرى وترجمته مظلمة كما فى الدرر الكامنة وقد وصفه بعض اصحابه بانه ناشف الدماغ وكان من الغلاة في الاستغاثة بالأموات وله رد على شيخ الاسلام فى مسألة الاستغاثة بالمخلوقين قال بعض العلماء اضحك فيه على نفسه العقلاء وشمت به فيه الاعداء فرد عليه شيخ الاسلام بكتاب مشهور جليل عظيم الفائدة اقام فيه الادلة على ان الاستغاثة بالاموات شرك اكبر وان سماه الجهال توسلا وهو مطبوع ومتداول بين اهل العلم ممن يهمهم امر دينهم فقد اجاد شيخ الاسلام وافاد رحمه الله
ومنها الرد على محمد بن ابي بكر الاخنائي المالكى ولى قضاء الديار المصرية
للمالكية فقد الف هذا القاضي ردا على شيخ الاسلام فى مسألة زيارة قبور الانبياء والصالحين فشيخ الاسلام اخذ بالحديث الصحيح فى عدم جواز شد الرحال الى زيارة القبور وقال انها سنة بلا شد رحل والأخنائي وامثاله من الغلاة اباحوا بل استحبوا شد الرحال الى زيارة القبور ولو كان بدعة مخالفا للحديث فرد عليه شيخ الاسلام وكان هذا القاضي مقربا عند الملك الناصر فسعى عنده حتى حبس شيخ الاسلام ومات محبوسا وعند الله تجتمع الخصوم .
ومنها التسعينية وهى من اجل كتبه واكثرها فى موضوعها فائدة رد بها بدعة المتكلمين القائلين بالكلام النفسي وبيان ذلك ان المتكلمين المنكرين ان ما جاء به جبريل عليه السلام من القرآن الكريم الى رسول الله عليه الصلاة والسلام مسموع من الله فذهبت طائفة منهم الى انه كلام الله حقيقة ولكنه مخلوق لم يسمعه جبريل من الله ولم يقولوا بالكلام النفسي وهذا قول المعتزلة وخالفتهم فرقة من أهل الكلام الباطل فقالوا إن ما جاء به جبريل ليس بكلام الله بل خلقه الله عبارة عن كلامه ودليلا عليه وانما كلام الله معنى واحد قائم بنفسه تعالى ان عبر عنه بالعبرانية صار توراه وإن عبر عنه بالسريانية صار انجيلا وان عبر عنه بالعربية صار قرآنا ) حديث خرافة ( يا أم عمر فرد شيخ الاسلام على الفريقين وبين بالادلة النقلية والعقلية إن القول بالكلام النفسي باطل مبتدع في الدين وإن القرآن الكريم الفاظه ومعانيه عين كلام الله واقام الحجة عليهم من تسعين وجها كما قال فى النونية :
وكذلك تسعينية فيها له رد على من قال بالنفسانى
تسعون وجها بينت بطلانه اعنى كلام النفس ذا الوجدان
وهذا الكتاب الجليل مطبوع من جملة المجموع الذي فيه السبعينية التى رد بها على ابن سبعين وغيره من الاتحاديين وفيها من غرر الفوائد الاعتقادية ما تقر به عيون الموحدين .
ومنها الرسالة الحموية وهي رسالة جليلة تضمنت الجواب الشافى عن سؤال
فنصر بها مذهب أهل السنة المثبتين للصفات ورد على المتكلمين النفاة ابلغ الرد وقال ان قولهم مذهب الخلف اعلم واحكم نبذ للاسلام وراء الظهر وبسبب تاليفها قامت قيامة المعطلة فجادلوا شيخ الاسلام وجادلوه وحبس الشيخ بالجاه لا باقامة حجة عليه وسيعلم الذين ظلموا اى منقلب ينقلبون .
ومنها العقيدة الواسطية الفها بطلب احد العلماء من اهل واسط وقد اثبت فيها الحق الذى هو مذهب أهل السنة ونفى الباطل الذي هو مذهب المتكلمين وقد عقد لشيخ الاسلام ثلاثة مجالس وتليت فيه هذه العقيدة واعترف الفريقان أن ما فيها اعتقاد جيد والف شيخ الاسلام رسالة فى المجالس الثلاثة وذكر ما وقع فيها من المباحث العلمية وقد طبعت مع الواسطية فى المجموعة الكبرى ولكنها ناقصة يعلم ذلك من قرأها كاملة وهي موجودة مشهورة ومن قواعد العقائد التى ذكرها بالواسطية قوله رحمه الله ومن الايمان بالله الايمان بما وصف الله به نفسه وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل فليتأمل المنصف قوله من غير تكييف ولا تمثيل حتى يظهر له بطلان من زعم ان شيخ الاسلام كيف الاستواء والنزول ويتبين له كذب من زعم انه نزل من المنبر فى الصالحية وقال ينزل كنزولى هذا وقد قال رحمه الله فى عقيدته المنظومة وإلى السماء بغير كيف ينزل فتبا للمعطلة فقتالهم بالكذب والبهتان
ومنها الصارم المسلول على شاتم الرسول وهو مجلد ضخم وقد طبع فى حيدر اباد الفه نصرة لله ولرسوله عليه السلام لما سب نصرانى النبى عليه الصلاة والسلام فقام لله اشد القيام وقد انتصر امير الشام للنصرانى وعزر شيخ الاسلام ولا نعلم لهذا الامير الغبي سببا مقبولا فى هذا الانتصار اللهم إلا أن يكون حسدا لشيخ الاسلام فانه رحمه الله هو المنفرد فى زمانه على كثرة من فيه من العلماء بالامر بالمعروف والنهى عن المنكر وان من يطلع على تراجم خصومه لا يرى منهم احدا قام بامر واحد لله وقد اشار الى ذلك العلامة ابن الوردى فى مرثيته لشيخ
الاسلام حيث قال :
هم حسدوه لما لم ينالوا مناقبه فقد مكروا وشاطوا
وكانوا من طريقته كسالى ولكن اذاه لهم نشاط
و قد وصف ابن فضل الله شجاعته وجبن خصومه بقوله رحمه الله فى مرثية الشيخ عليه الرحمة
وشق في المرج والاسياف مصلتة طوائفا كلها او بعضها تتر
هذا واعداؤه فى الدور اشجعهم مثل النساء بطل الباب مستتر
ومؤلفات شيخ الاسلام اكثر من أن تحصر وأشهر من أن تنكر ومن أراد الوقوف على كثير من أسمائها فليطالع العقود الدرية وفوات الوفيات وغاية الامانى يجد ان من قال انها تبلغ خمسمائة مجلد او اكثر صادق في قوله وكلها تملأ القلوب نورا وايمانا رحمه الله ولعلنا نقف الآن فى تعداد كتب شيخ الاسلام ولعل قائلا ان يقول انك أطلت الكلام في مدح شيخ الاسلام ومؤلفاته العظام وجوابي له قول ابى الطيب وقد اطال ثنائي طول لابسه فعليه رحمة الله ورضوانه وجزاه عن الاسلام والمسلمين أحسن الجزاء بمنه تعالى وكرمه ؟
تم البحث
