لما اعتزم الأستاذ المحرر اخراج هذا العدد الخاص بالصيف والمصايف اقترح على أن اكتب مقالا يتناسب مع ذلك ولما لم يسبق لى الاصطياف بمصيف حجاز كتبت له هذه الصيفية وهي تتناسب مع حالة الصيف بمكة المكرمة عمرها الله
ترك الصيف الناس بمكة كالكرة أو -كالكرات - تتقاذفهم أمور ثلاثة خير ما فيها شر منفرد بنفسه، سموم يلفح الجسوم بسياط من جهنم، وومد يشرف بهم على الهلاك من الاختناق، وبعوض يدعهم لا يهنأون من الليل- بإغفاءات من الم الوخز.
وتلك أمور يضيق لها صدر الحليم، ويضعف لها عصب الجلد، ويذوب منها دماغ الجبار، ويغلي لها دم المحرور، وان لذلك لآثرا فى الاقوال والاعمال
امرأة تخاصم زوجها ، وصديق يجافى صديقه ، وسيد يشتد على خادمه ، وزملاء يتشاكسون ، وأقرباء يتقاطعون ، وتنابذ في غير محله ، وشر يبدو من غير أهله ، فاذا دور الفصل بين الناس تغص بالمتخاصمين ، وتكتظ بالمتخالفين وربما حصلت من جراء ذلك احداث ونشأت أمور.
فتش عن الأسباب ! لا . لا . لا تتعب نفسك فليس وراء الاستقصاء والفحص غير أسباب تافهة ، لا تجلب نزاعا ولا تؤدي إلى مشكل ، ولكن غاب عن فكرك ولم لا يغيب ؟ اليس الحر عمل عمله فيه فاضعفه ؟
لم تنشأ لك تلك الوقائع من الاسباب التافهة التى تسببت فيما تسببت فيه كما تظن أو كما خيل لك من أثر الحر فى التفكير ، وانما هى ناشئة من أثر الحر في النفوس
ان من يتبرم من ثوبه الذي يستره فينتزعه حتى لكأنه ينتزع من فوقه جلبابا من قطران خليق بأن يتبرم من الغير .
ومن يتأفف من جلده الذي يمسكه فيحتكه باظافره حتى لكأنه يريد تمزيقه جدير بان يتأفف من كل شيء .
ألا تتوقع من أناس ضاقت صدورهم من العرق وتحطمت اعصابهم من السموم واضطرب تفكيرهم من السهر وساءت اخلاقهم من سوء الطقس ان يأتوا بذلك.
ان كل ما يصدر منهم ليس هو الا نتيجة صحيحة لقضية مقدماتها ما علمت ؟ الحق ان الناس معذورون فيما يبدو منهم ونحن اذ نعذرهم فانما ننظر الى ما يحيط بهم من حرور .
فعسى أن يعذر الناس بعضهم بعضا فيما يستنكره البعض من البعض الآخر فيما قد يحسب من جفاء الطبع وما قد يسمع من خشونة اللفظ وما قد يرى من سوء المعاملة .
فان للحر دخلا كبيرا وأثرا بالغا فيما يصدر من الناس فى الصيف من أقوال وأعمال، ومنه لا من غيره فليكن التذمر والاستياء إذا كان لابد منهما .
مكة
