لهجات بادية الجزيرة, ( الحلقة الرابعة عشرة ), * هجن

Share

الهجن : هن الاصائل من الابل وقيل البيض الكرام منها ، وتطلق على الرواحل منها وتسمى احيانا : (( ركايب (( من ركب، و (( ذلائل )) من ذل وطوع و (( رواسم )) مفردها راسمة كما سيرد في شعر القطامى ، أخذت هذه البدن تنقرض رويدا رويدا حتى لا نكاد نسمع عنها شيئا ، اللهم الا فى الاحتفال السنوى الذى يقيمه نادى الفروسية بالرياض تحت رعاية سمو الامير العربى الطبع والطابع عبد الله بن عبد العزيز ، ونسمع ان هناك سباقا للخيل والهجن يشاهدها المرء وقد انطلقت الرواسم فى

مشيها تشق الغبار بأعناقها الشامخة الرفيعة تذكرنا بالضنى والمشقة التى يعانيها اجدادنا يوم كانت هى وسيلتهم الوحيدة للترحال ، ويوم كانت هى سفنهم التى يقطعون عليها الفيافي والصحارى الشاسعة . وقد جاء ذكر الهجن في شعر الشاعر العربى القديم عمير بن شييم المشهور بالقطامى ، جاء فى كتاب جمهرة أشعار العرب لأبى زيد القرشى فى فصل المشوبات انه قال فى قصيدته التى مطلعها :

انا محيوك ، فاسلم ايها الطلل

  وان بليت ، وان طالت بك الطول

قد يدرك المتأنى بعض حاجته

  وقد يكون مع المستعجل الزلل

اضحت علية يهتاج الفؤاد لها

  وللرواسم فيما دونها عمل

بكل مخترق يجرى السراب به

  يمسى ، وراكبه من خوفه وجل

ينضى الهجان التى كانت تكون به

  عرضنة وهباب ، حين ترتحل

حتى ترى الحرة الوجناء لاغية

  والأرحبى الذى في خطوه خطل

- سمل

(( سمل الثوب : أى اصبح خلقا ، وسمل العين فقؤها بشدة ، لهجة عربية لم تزل الاعراب تلفظها ، وقد جاءت اصالة هذه الكلمة في شعر أبى ذويب الهذلى في المرثية المشهورة التى قالها بعد ما مات أولاده

الخمسة وقيل : الثمانية في مصر بالطاعون في عام واحد قال :

أمن المنون وريبها تتوجع ؟

  والدهر ليس بمعتب من يجزع

قالت أميمة : ما لجسمك شاحبا

  منذ ابتذلت ومثل مالك ينفع ؟

أم ما لجسمك لا يلائم مضجعا

  الا أقض عليك ذاك المضجع ؟

فاجبتها : أما لجسمى انه

  أودى بني ، من البلاد فودعوا

أودى  بنى  فاعقبونى  حسرة

  بعد الرقاد ، وعبرة ما تقلع

واذا المنية أنشبت أظفارها

  ألفيت  كل  تميمة  لا  تنفع

فالعين  بعدهم  كان  جفونها

  سملت  لشوك  فهى  عور  تدمع

وتجلدى  للشامتين  أريهم

  انى  لريب الدهر لا أتضعضع

حتى  كأنى  للحوادث  مروة

  بصفا  المشقر  كل  يوم  تقرع

- زرى

الزرية : هى العيب فلان يزرى فلانا أى يعيبه ويتتبع مثالبه . وهى لهجة عربية مشهورة عند أعراب الجزيرة ، ووردت اصالتها في شعر لابى العلاء المعرى قال :

نؤمل خالقنا اننا

  صرينا لنشرب ذاك الصرى

سواء على اذا ما هلكت

  من شاد مكرمتى او زرى

فأودى فلان بسقم أضر

  وأودى فلان بعرق ضرى

وجاء فى كتاب شرح لزوم ما لزم تأليف الدكتور طه حسين والاستاذ ابراهيم الابيارى بالجزء الاول في شرح اللزومية

الرابعة والثلاثين - جاء قولهما و ((أوزرى)) هكذا أى : أوزارها على ، والمعنى : عابنى بها وعنفني عليها .. اهـ . وشرح المعنى يتفق مع الواقع الا ان كتابة الجملة وجعلها (( أوزارها )) مغاير للواقع والحقيقة فالبادية بفطرتها تفرق بين الزرية والوزر ، وليس أمثال هذه مما يلتبس على عميد الادب العربى وهو أحد الأعلام البارزين فى لغة الضاد . وصحة كتابة أصل اللفظ هى : (زرى) مجردة من : (( أو )) ليبرز المعنى على حقيقته وكما هو مألوف عند العرب .

وربما كان ما ذكر آنفا ، من الاخطاء المطبعية غير المقصودة ولو أن الطبعة حسب ما أراها في غاية من الاتقان والعناية (١) .

وهذه الكلمة وردت كذلك في معلقة الشاعر المشهور عمرو بن كلثوم عندما قال

بأى مشيئة عمرو بن هند

تطيع بنا الوشاة وتزدرينا

والازدراء لا يحمل الا طابعا واحدا فهو الاحتقار واظهار العيوب .

- حسف

اذا صدرت اساءة من رجل الى آخر قال الذى اوجس الاساءة : (( حسفى عليك يا فلان )) جاءت هذه الكلمة فى شعر للشاعر الجاهلى الاعشى حيث قال :

فمات ولم تذهب حسيفة صدره

  يخبر عنه ذاك أهل المقابر

وقال شاعر آخر :

اذا سئلوا المعروف لم يبخلوا به

      ولم   يرجعوا طلابه   بالحسائف

الحسيفة : الضغينة وفي صدره على ، حسيفة وقيل حسافة ، أى غيظ وعداوة هكذا في لسان العرب ، وقال أبو عبيد : في قلبه عليه كثيفة وحسيفة وحسيكة وسخيمة : بمعنى واحد . .

* إستنء

المشهور عند العامة والخاصة ان الانسان إذا رغب في تأخر اخيه قليلا يخاطبه ويقول: استنأ قليلا . . وحاولت فهم هذه الكلمة وصلتها بالعربية ، وهل هى مشهورة عند البادية فوجدت من امثال هذه الكلمة الركض ولا يحصل هذا الا من رجل صحيح الجسم ، وحسبت انها من الكلمات الوافدة الى اللسان العربى من خارج بيئته ، حتى قرأت فى كتاب : سقط الزند لابى العلاء المعرى قصيدة يرثى والده فيها.وقد تضمنت مفردات أخرى سأوردها فيما بعد، اتحافا لقراء المنهل بروائع هذا الشاعر العربى . قال :

مضى طاهر الجثمان والنفس والكرى

    وسهد المنى والجيب والذيل والردن

فياليت شعرى : هل يخف وقاره

    اذا صار أحد في القيامة كالعهن ؟

وهل يرد الحوض الروي ، مبادرا

    مع الناس أم يأبى الزحام فيستأنى ؟

وقال :

وقد كان أرباب الفصاحة كلما

     رأوا حسنا عدوه من صنعة الجن

وما قارنت شخصا من الخلق ساعة

     من الدهر الا وهى أفتك من قرن

وجدنا أذى الدنيا لذيذا كأنما

    جني النحل أصناف الشقاء الذى نجنى

وقال :

أمولى القوافى ! كم أراك انقيادها

   لك الفصحاء العرب ، كالعجم اللكن

هنيئا لك البيت الجديد موسدا

   يمينك  فيه  بالسعادة  واليمن

فليتك في جفنى موارى ، نزاهة

   بتلك السجايا عن حشاى وعن ضبنى

ولو حفروا فى درة ما رضيتها

    لجسمك ايقاءا عليه من الدفن

ولو اودعوك الجو خفنا مصيفه

    ومشتاه وازداد الضنين من الضن

فيا قبر ! واه من ترابك لينا

   عليه وآه من جنادلك الخشن

لاطبقت اطباق المحارة ، فاحتفظ

   بلؤلؤة  المجد  الحقيقة  بالخزن

فهل انت ان ناديت رمسك ، سامع

   نداء ابنك المفجوع بل عبدك القن ؟!

سأبكى اذا غنى ابن ورقاء بهجة

   وان كان ما يعنيه ضد الذى أعنى !

العهن ، الصوف الذى ينفش باليد ، اللكن هى عجمة اللسان ، لهجة عربية تلفظها البادية حتى هذا العصر وتقولها للاعاجم الذين تحرف ألسنتهم لغة الضاد ، وهنا وصف بليغ قاله شاعرنا المبدع حيث خاطب مولى القوافي الذى انقاد له الشعر وأصبح عنده فصحاء العربية كالاعاجم الذين لا يجيدون الحديث باللسان ، والبيت الذى يهنئ به الشاعر اباه هو القبر ..

اكتفى عزيزى القارئ بهذا القدر من المفردات وما قاله شعراء العربية في صحتها واصالة لفظها . . على أمل اللقاء بك فى عدد قادم من هذا المنهل العذب دوحة العلم والأدب . (مكة المكرمة) الشريف منصور غازى العبد الله

اشترك في نشرتنا البريدية