مدى التطور فى حياتنا الاقتصادية، خلال ربع قرن

Share

لعل غيرى من الأدباء المخضرمين الذين عاصروا العهود الماضية لهذه البلاد اكثر استعدادا للاجابة عن مدى التطور فى بلادنا خلال الخمسة وعشرين عاما التى خلت فلن يستطيع أن يلمس مدى التطور فى هذه الحقبة من الزمن الامن أتيح له أن يعاصر الحياة قبل هذه الحقبة بزمان طويل .

ولكنى لا أرد التطور الاقتصادى فى حياة بلادنا  او الأخذ باسبابه على الاصح الى ربع قرن من الزمان وانما الى بضع سنوات لا تصل إلى العشر وفي . رأي الحرب العالمية الاخيرة قد استطاعت ان تقلب الافكار لافي بلادنا فحسب وانما فى كافة دول العالم ، وخاصة فى البلاد التى كانت وما زالت تعيش عالة على الغير من الناحية الاقتصادية كبلادنا فيما مضى ، فمن المعلوم ان هذه الحرب قد احدثت فزعا فى افكار الناس خشية ان ينقطع عليهم ما كان يستورده التجار من كافة لوازم الحياة الضرورية والكمالية منها فأخذوا يفكررن اذ ذاك فى وسائل كثيرة مما أخذت الأمم المتمدنة باسبابها زراعية وصناعية وثقافية وليكن الحرب كانت هي العقبة الكأداء فى سبيل انفاذ المشروعات العظيمة التى كان الناس يفكرون فيها بدافع الضرورة قبل دافع التكمل . وما ان انهت الحرب حتى حاول البعض تنفيذ ما كانوا ايفكرون فيه . ولكنهم فوجئوا بعقبات كثيرة لعل أهمها هى نقص الادارة القلية والصناع الفنيين وتطلب الحماية للمنتجات الوطنية ضد الانتاج الخارجي وهو عظيم . فوقفت هذه العقبات وامثالها دون التنفيذ . او كان التنفيذ اشبه بالرمز الذي يدل على الفكرة من الفكرة ذاتها  .. وللتمثيل على ذلك نشير الى ان البلاد كانت تفكر فى تأسيس مصنع للغزل والنسج يكفى حاجة المملكة ويغنيها عن الاستيراد

الخارجي فنفذت شركة التوفير والاقتصاد الفكر فى صورة رمزية بإنشاء مصنع يدوي بسيط للنسج فقط ثم بإنشاء مصنع صغير للفلاين وماشابهها وقد توقف المصنع الاول كنتيجة حتمية للظروف التى عاناها من تدفق الواردات الخارجية وما زال مصنع الفلاين يحاول الوقوف على قدميه في وجه هذا  التيار وكذلك كانت الافكار متجهة الى شراء بواخر كبيرة لنقل ما تحتاج اليه البلاد من المنتجات الخارجية ولنقل الحجاج اليها فى زمن الموسم نتيجة للنقل الذي عاناه الناس فى زمن الحرب لاستخدام البواخر فى الإغراض الحربية وقيد تم  ان اشترت بعض الشركات التجارية بواخر صغيرة هي أشبه ما تكون بالرمز للفكرة أو الدلالة عليها من حقيقة تنفيذها كذلك كانت الحاجة الى الكهرباء العامة وما زالت حاجة ماسة يفكر فيها الناس جميعا ويعتبرونها تطورا اجتماعيا له شأنه فى بلد يتطلع الى حياة راقية مرفهة فنفذ المشروع في بعض المدن بشكل فردى خاص وافاد منه الكثيرون - الا أنه مازال يفتقر إلى كثير من عوامل التنظيم والاستقرار . . ومثل هذا صناعة الثلج والفنادق وما اليها . . فالتطور الذي تم من الوجهة الصناعية يمكن اعتباره تطورا فى التفكير للاتجاه الى الصناعة قبل أن يعتبر تطورا صناعيا بالفعل واذا كانت النواة الصغيرة تبشر بالنخلة الكبيرة فان لنا أن ننتظر خيرا كثيرا من نتائج هذا التطور العظيم فان احاديث الرجال المسئولين تدل على أن التفكير فى تعميم مشروع الكهرباء فى مكة وجدة قد أصبح حقيقة واقعة ؛ وهو بسبيله لان يكون حقيقة واقعة فى بعض المدن الأخرى كذلك ان شاء الله .

أما من الوجهة الزراعية فقد عرف الناس فضل القوة الآلية فى الانتاج الزراعي فاقبلوا على شراء الالات الزراعية لرى اراضيهم وحرثها ، وتغير الانتاج تبعا لهذا التغير فى الوسيلة من الحيوان إلى الآلة - وقد كان لتأسيس مديرية الزراعة العامة بالمملكة ومساعدتها للزراع باعطائهم البذور والألات قرضا ، اكبر الفضل فى نشاط الحركة الزراعية وتطورها التطور الذي يرجى منه الخير والفلاح ،  وقد استطاعت المعونة الحكومية لهذا المشروع ان تخرج الفكرة من الرمز الى الواقع ، ومن الخيال الى الحقيقة ، أترى لو اتجه العون الحكومى للناحية

الصناعية كان يثمر هذا الاثمار المبارك ؟ أكبر الظن ان هذا السؤال يمكن الاجابة عليه بالايجاب . . وانا لنرجو أن يتحقق الامل فى الزمن القريب .

ومن الناحية التجارية فان هناك تطورا ملموسا ولكنه ما زال يفتقر الى الكثير من عوامل التنظيم والتركيز وأهم ما تفتقر اليه الناحية التجارية هي تنظيم الاستيراد وتحديده . وقد ادخلت الحرب أسماء كثيرة فى قائمة التجار المستوردين لمالمسه الشعب عامة من غلاء البضائع والحاجيات فى سنوات الحرب وما بعدها ولكن هذا لم يكن خيرا كله فكثرة الاستيراد وعدم التخصص فيه اوجد حالة من الفوضى التجارية يخشى أن تذهب بثروات كثيرة ان لم تبادر الجهات المسؤلة الى تنظيم الحالة وتحديدها . . ولكن الشئ الذى يدعو الى الغبطة حقا فى الناحية التجارية هي ان التجار قد خرجوا عن محدوديتهم السابقة فاخذوا يتصلون بالعالم مستغنين عن الوسطاء من الاجانب الذين كان الكثير من مقاليد التجارة الخارجية فى أيديهم فحصلوا بهذا التوسع التجارى على فوائد كبيرة لم تصل اليها كثير من البلاد العربية الأخرى . . وللتمثيل على ذلك نقول : ان تمثيل المصانع والشركات الكبرى الى ماقبل الحرب العالمية الثانية وفي أثنائها كان فى أيدي بيوت تجارية أجنبية وهي قد تحولت الآن الى شركات وطنية محلية وهذا كسب للتجارة الوطنية والشعور الوطني ليس - بالقليل - وقد تأسست الغرف التجارية بمكة وجدة لتنظيم الحالة التجارية ، ولكنها على  محاولاتها الطيبة ما زالت فى حاجة الى الكثير من أسباب التمكين لتكون اكثر نفعا وأغزر انتاجا .

وأخيرا ولعل من الواجب أن يكون أولا ، فان بلادنا من الوجهة الاقتصادية قد تركزت تركزا عظيما بظهور  ينابيع الزيت فى منطقة الظهران ذات الموارد الهائلة الضخمة التى تعتبر اغنى المناطق العالمية بالوقود ، وهذا تطور عظيم من الوجهة الاقتصادية له شأنه الخطير فى تدعيم مركز بلادنا من الوجهة الاقتصادية والسياسية ، وسيكون له أكبر الاثر فى خلق مستقبل حافل بالتقدم فى جميع مرافق الحياة ، ان شاء الله .

اشترك في نشرتنا البريدية