معلومات لم تنشر قبل عن مصيف :, الاحساء، مناخها - بعض قراها - مياهها - وفرة فواكهها - جمال مناظرها، صيفها - تاريخها قديما وحديثا

Share

فى الاحساء أمكنة هي من اجمل مصايف البلاد العربية لتوفر الامور التي يتوقف عليها صلاح المصيف فيها، ولا ريب ان من أهم تلك الامور ملاءمة المناخ، ووفرة المياه وصلاحيتها وجمال المناظر وبهجتها، فأما المناخ فان القسم الغربى من تلك البلاد، الذي يقع فى وسطه اكبر مدينة هناك مرتفع عن سطح البحر، وواقع فى أرض منبسطة ليس فيها جبال، ولا آكام صخرية - مما يسبب اشتداد الحر . أو منع تموج الهواء والبلدان الواقعة فى هذا القسم تكون على مرتفع من الأرض، وتتكون من طبقتين غالبا وذلك مما يزيد فى صلاحيتها للسكنى وقت الصيف، ودرجة الحرارة وان كانت فى بعض المدن تقارب مكة - لا تتجاوز الاربعين بالميزان المئوي ، فى كثير من القرى . وليس من المبالغة القول بان بعض الاماكن فى حمارة القيظ لا يحس الانسان فيها للحر أثراً أكثر مما يحس به حينما يكون فى بلاد معتدلة المناخ من بلدان المملكة ، وانني لأذكر انني ذهبت مرة إلى جبل قريب من قرية (القارة) فيه مغارات أصلية فشعرت وشعر من معي - بما يشعر به كل زائر لذلك الجبل - من البرد ورقة الهواء مما يذكر ببرد الشتاء، ومما يضايق الانسان فى تلك البلاد اشتداد السموم ولكنه لا يحس به الا من تعرض له ، أما من استعمل الوسائل التى

تحول بينه وبين السموم - وما اكثرها فى تلك البلاد الكثيرة المياه والبساتين فانه لا يشعر بشدته، ومن الوسائل: الاصطياف فى احدى القرى المحفوفة بالبساتين من كل جهاتها، وأغلب القرى الواقعة فى الجهة الغربية هناك والصالحة  للاصطياف فيها بهذه الصفة - ومنها ما يمتاز بجمال الموقع وارتفاعه ورقة هوائه وعذوبة مائه ومن تلك القرى قرية (المنيزلة) الواقعة، فى الجنوب الشرقي من (الهفوف) بمسافة لا تزيد عن ساعة مشيا على الاقدام ، وقرية (الفضول) الواقعة فى الجنوب الغربى من (المنيزله) والقريبة منها وقرية (الشهارين) القريبة من (الهفوف) وغيرها من القرى الكثيرة .

ومن الظواهر الغريبة أنك قد تحس فى النهار بشيء من الحرارة وسرعان ما يزول ذلك إذا أقبل الليل، حيث يكون الهواء رقراقا، والجو صافيا، والنسيم منعشا ولقد اصطفت فى الطائف وفي "ينبع النخل" وفي "ظبا" وفي "القاهرة" وفي كثير من بلدان نجد ، وكلها امكنة صالحة للاصطياف، ولكنى وجدت الصيف فى الاحساء لا يقل طيبا وحسنا عن أجمل تلك البلدان صيفا - ان لم يفق الكثير منها- ولعل هذا الحكم منى من قبيل قول الشاعر (وعين الرضا) ولكنني أقول ذلك عن اطمئنان وثقة بما أقول، مؤكدا أن الليل هناك أجمل بكثير من البلدان التى ذكرتها .

أما المياه . وغزارتها ، وعذوبتها وصفاؤها فتلك البلاد تمتاز عن بقية بلدان المملكة بها، وما سمى آباؤنا ذلك القسم من بلادهم باسم (البحرين) و (الاحساء) الا لكثرة مياهه. فعيونه الثرة ، وانهاره الجارية وآباره الغزيرة أقوى مؤيد لصحة تلك التسمية، ولعل بعض القراء يفهم من كلمة الانهار شيئا من المبالغة فى التعبير، والحقيقة أن فى الاحساء انهارا، منها نهر عظيم - عظمة نسبية- يسمى (الخدود) لخده (١) الأرض بقوة جريانه، يزيد عرض مجراه

عن عشرين مترا ، ويجرى ماؤه جريانا قويا ، بحيث لا يستطيع الانسان حينما يقف قريبا من منبعه أن يملك توازنه، وذلك النهر يسير متجها نحو الجنوب الشرقي ويسقى نخيلا كثيرة وهو واقع فى الجهة الشرقية عن "الهفوف" ولا يبعد عنه اكثر من مسيرة نصف ساعة سيرا على القدم وبقربه فى الجهة الشمالية منه يقع نهر آخر يسمى (الحقل) منبعه يشبه البحيرة ، ومجراه عريض، وماؤه غزير، ويتفرع منه -كالخدود - عدة جداول تسقى كثيرا من النخيل ومزارع الارز والبساتين، وماء هذين النهرين يزيد عن حاجة الاهالي فيتركون الزائد تبتلعه الأرض، ويكون مستنقعات فى أراض قفراء ، ومن الانهار ، نهر "الجوهرية" ويقع مجاورا لموقع بلدة الاحساء القديمة بين "المبرز" وقرية "البطالية" ويقع فى الشمال الشرق من الهفوف مسيرة ساعة ، ويفرع من ذلك النهر عند منبعه جداول غزيرة المياه وكثير من المزارع والنخيل القريبة من "البطالية " تسقي من ذلك النهر ومن عين قريبة تسمى "القحيبات" وغيرها ومنها نهر يسمى "أم سبعة" يقع فى الجهة الشمالية من الهفوف مسالة ساعة ونصف، يتفرع منه سابقا سبعة جداول وخمسة فى الوقت الحاضر، ومنظر ذلك النهر من أجمل المناظر وابهاها رونقا تحف به النخيل من الجهة الشرقية وجهته الغربية عبارة عن كثيب من الرمل فيه نخيلات قليلة ، وشدة نبع الماء من ذلك النهر مما يسترعى النظر ويدهش اللب بقوته، وبقرب "المبرز" نهر أشبه ببحيرة تزيد مساحتها عن اربعين مترا مربعا يسمي "الحارة" ولعله هو ما يسمي فى كتب التاريخ بنهر "محلم" فكثير من صفات نهر "محلم" التى ذكرها المؤرخون تنطبق عليه ومنه يستعذب أهل المبرز الماء لقربه وعذوبة مائه مع وجود آبار كثيرة عذبة فى داخل البلدة، وماء ذلك النهر حار وقت نبعه وسرعان ما يبرد، وفي (الاحساء) عيون كثيرة كبيرة وصغيرة والماء فى كثير من المواضع التى لا عيون فيها قريب من سطح الارض ولقد ذهبت أنا

والاستاذ عبد الرحيم الاهدل الى قرية "جواثى" القريبة من المبرز ذات الشهرة العظيمة فى تاريخ الاسلام، والتي لم يبق منها سوى اطلالها، وما أشد دهشتي حينما رأيت تلك الأرض الرملية ثرية التربة وبمجرد حفرها بيدي جم ماء عذب من تلك الحفرة التى لا تزيد عن شبر، وكثير من العيون فى تلك البلاد تنبع بقوة لا تحتاج معها الى حفر السواقي، لأنها ترتفع في الغالب حتى تساوي سطح الارض أو ترتفع عليه ، ومن المدرك بالبداهة أن كثرة المياه مما يلطف الجو، وان ذلك من أهم الامور التى يجب توفرها فى المصايف، وما أجمل منظر الانهار الجارية بين بساتين قد كسيت أرضها بحلل سندسية، من النبات المظلل بظلال وارفة من اشجار النخيل والفواكه المثمرة، والنباتات  الكثيرة الازهار العطرة الروائح المختلفة الالوان !!. أما الفواكه - وهي مما لا غناء للمصطاف عنه - فمتوفرة وقيمتها زهيدة من اكثرها الرطب وهو مما امتازت به الاحساء على كثير من البلدان وفي الامثال العربية "كمستبضع التمر الى هجر" وهو رخيص جداً ، يوضع فى اقفاص من الجريد يبدو ما فى داخلها من خلال الجريد ويباع القفص الذي فيه ما يزيد على أربع أقات تقريبا بأقل من عشرة قروش إذا كان رطبه فاخراً ، ويوجد فى الاحساء أنواع كثيرة للنخيل ومنها : الاشهل والطيار والمجناز والغر والحليلي والخنيزي والخلاص والرزيزي والشيشي والشبيبي والحاتمى والخصاب والتناجيب والبرحي والصبوة والجيجاب والحلاوى والهلالي وأم رحيم ومرزبان البحرين ومرزبان الحساء والكاسبي والوصيلي والزاملي والحريزي ونبتة سيف والمحمى والسكيملي والبريكي والزنبور والبريم واللؤلؤى والعذابى وغير ذلك من الانواع الكثيرة وموسم الرطب فى الاحساء يمكث اكثر من نصف السنة وفيها من الفواكه العنب والرمان والتين والخوخ وغير ذلك من الفواكه والحضروات التى لا يوجد مثلها كثرة فى كثير من بلدان المملكة - ومما يوجد هناك بكثرة الاترج والاهالي يكثرون

من غرسه ولكنهم يبيعونه بثمن بخس، ومن المعلوم أن كثرة المياه وصلاح التربة مما يساعد على وجود الثمار ووفرتها "والاحساء" هي بهذه الصفة، ومنذ هيأ الله لها رجالا جمعوا بين العلم والعمل ، واتصفوا بالجد . والنشاط والقوة واهتموا بوسائل اصلاحها فى جميع مرافقها الحيوية - اصبحت اخصب بقعة  فى البلاد العربية وأوفرها انتاجا وأكثرها خيرات ، وقامت بسد حاجات الاقطار المجاورة لها كما كانت فى عهدها الماضي المجيد، ولعل القارئ بعد أن جاريت عليه صورة لها فى هذا العهد اشتاق الى معرفة شيء من تاريخها ، الذي يعد حلقة مفقودة من تارخ بلاد العرب في كتب التاريخ  التى بين ايدينا - وذلك ما يدفعني الى ايراد نبذة ملخصة فى هذا الموضوع.

تاريخ الاحساء

العهد الجاهلي

ان ما نعبر عنه فى هذا البحث بالأحساء هي ما يعبر عنه متقدمو المؤرخين باسم (البحرين) ويقسمونه الى قسمين (الخط) ويعنون به القسم الساحلى وما قرب منه ومن مدنه (القطيف) و(العقير) و (عينين) التى ينسب اليها . الشاعر خليد و (هجر) ويقصدون به القسم الغربي من ذلك الاقليم ومن مدنه  (الأحساء) التى صارت فى عهد القرامطة العاصمة ، والتاريخ الجاهلى لهذه البلاد مجهول لا يستطيع الباحث ان يهتدى الى شيء من معالمه الا بعض حوادث يذكرها بعض المؤرخين عرضا وهي مشوبة بما يبعدها عن الحقيقة أو يجعلها غير صالحة للاستنتاج والتعليل . وقد كان من الامم التى سكنت هذه البلاد على قول المؤرخين (العمالقة) و(الجرامقة) و (الحثيون) و (الفينيقيون) وقد عثر للاخيرين على آثار فى القسم الساحلي كما ان بعض المواضع لا يزال

محتفظا بالاسم الفينيقي: الجبيل (١)" و"القيصرية" ، "الكوت" وبعض الباحثين يرجح كون أصل الكلمة الاخيرة كلدانيا والبعض. يقول بإنها من اثار البرتغاليين الذين استولوا على ساحل الخليج الفارسي في القرن العاشر الهجري ، والرأى الأخير مرجوح .

وذكر المؤرخون ان الفرس استولوا على تلك البلاد وأول من استولى عليها من ماوكهم "أزدشير" الذى أمر ملكها "سنطرق" وقتله تغريقا فى البحر، وقد امتدت سلطة الفرس عليها حتى جاء الاسلام فاسلم من مرازبتهم "اسيخب" و"أسد آباد" كما اسلم الملك العربى من قبلهم لتلك البلاد "المنذر بن ساوى" ومن اثار الفرس التى ذكرها المؤرخون "بسا ازدجرد" مدينة "الخط" بناها أحد ملوكهم و"المشقر" الحصين ذو الشهرة العظيمة فى كتب التاريخ الذي بناه "كسرى انوشروان " .

أول عهد الاسلام

بعث النبي صلى الله عليه وسلم العلاء بن الحضرمى - قبل فتح مكة - الى المنذر بن ساوى بكتاب يدعوه فيه الى الاسلام، وبكتاب الى "كسري" ليرسله المنذر اليه . فأسلم المنذر وأسلم من تحت ولايته من العرب ومن لم يسلم من المجوس وغيرهم رضخ لأحكام الاسلام، ودفع الجزية والخراج، وأسلم بعض مرازية الفرس ، وأرسل المنذر كتاب كسرى اليه، وبعث وفداً الى الرسول صلى الله عليه وسلم : من "عبد القيس" وقد بقي العلاء أميراً لرسول صلى الله عليه وسلم لدى المنذر . وفي سنة تسع من الهجرة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ابان بن سعيد بن العاص الأموي مكان العلاء،

وكان أول خراج جبي الى النبي صلى الله عليه وسلم واكثره خراج تلك البلاد الذي بعث به العلاء مع أبي عبيدة وهو مائة الف درهم وكان لتلك البلاد فى نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلة فقدهم باقطاعها الانصار وروى الترمذي بسند غريب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (ان الله تعالى أوحى الى أى هؤلاء الثلاث نزلت فهى دار هجرتك المدينة أو البحرين أو قنصرين)

وفي السنة التى توفى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى المنذر بن ساوى فارتد كثير من عرب تلك البلاد الا بني عبد القيس، فقد قام فيهم الجارود بن المعلى ، أحد وفدهم مقاما محمودا حتى أقنعهم بالحجة، فبقوا على اسلامهم في قريتهم (جوائي) التى لها ذكر مجيد فى التاريخ الاسلامى، والتى لا تزال أطلالها باقية إلى الآن واطلال مسجدها الذي هو ثالث مسجد عبد الله فيه حين ارتدت العرب، وثاني مسجد اقيمت فيه أول جمعة قال شاعرهم :

والمسجد الثالث الشرقي كان لنا     والمنبران وفصل القول في الخطب

أيام لا مسجد للناس نعرفه           الا بطيبة ، والمحجوج ذي الحجب

وقد حوصروا في تلك القرية ، وأصابهم بسبب الحصار أذى شديد، حتى جاءتهم الامدادات من أبى بكر رضي الله عنه بقيادة العلاء بن الحضرمي، ومعه قيس بن عاصم سيد أهل الوبر فقاتلوا المرتدين، وطهروا تلك البقاع منهم واصبح العلم الاسلامي يرفرف على تلك البقاع وبقي العلاء أميرا فيها .

ولما تقدمت الجيوش الاسلامية لفتح بلاد الفرس بعد وفاة أبي بكر ، اغتنم العلاء الفرصة فأرسل جيوشا عبرت الخليج الى ما والاها من سواحل الفرس وبلدانهم، واستولت على قسم عظيم منها وصارت من أعظم الأسباب التى ساعدت الجيوش الاسلامية التى يقودها سعد بن ابي وقاص على التقدم والتوغل في الاراضى الفارسية ولكن امير المؤمنين عمر رضي الله عنه حينما بلغه ان الجيش الذي أرسله العلاء قد هزم فى احدى الوقائع ، غضب عليه

وولى مكانه ابا هريرة رضي الله عنه فمكث سنة ثم قدم على عمر بالخراج فقال له عمر ما جئت به؟ قال خمسمائة الف درهم فاستكثره عمر وقال أتدرى ما تقول؛ قال نعم. مائة الف خمس مرات فصعد عمر المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:

أيها الناس قد جاءنا مال كثير فان شئتم كلنا لكم كيلا، وان شئتم عددنا لكم عدا. فقام اليه رجل وقال يا أمير المؤمنين: رأيت الاعاجم يدونون ديوانا فدون لنا ديوانا فوضع عمر الديوان وهو أول من وضعه فى الاسلام. ثم إن عمر رضى الله عنه فى تلك السنة أخذ نصف أموال عماله ومنهم أبو هريرة. ثم بعد أن تبينت له نزاهة أبي هريرة أراد ارجاعه فى عمله ولكنه أبي فولي على الاحساء قدامة بن مظعون القرشي وبعد سنة عزله وولى مكانه عثمان بن أبي العاص الثقفي ولعثمان أثر حميد فى الفتح الاسلامي فقد سير الجيوش العظيمة الى ما يليه من أرض الفرس حتى اكتسح كثيرا منها، قال ياقوت: وأما فتح فارس فكان بدؤه أن العلاء بن الحضرمى عامل ابي بكر ثم عامل عمر على البحرين وجه عرفجة ابن هرثمة البارقي في البحر فعبر الى ارض فارس ففتح جزيرة مما يلى فارس فانكر عمر ذلك لأنه لم يستأذنه وقال غررت بالمسلمين . وأمره أن يلحق بسعد بن ابي وقاص لأنه كان واجدا على سعد. فأراد قمعه بتوجيهه اليه فسار نحوه فلما بلغ ذا قار مات العلاء، وولى عمر عثمان بن أبي العاص على البحرين وعمان فوجه أخاه الحكم في البحر الى فارس بجيش عظيم ففتح جزيرة "لافت" وهي "بركاوان" ثم سار الى "توج" ففتحها.

وكتب عمر الى عثمان بن أبي العاص أن يعبر الى فارس بنفسه فاستخلف أخاه المغيرة وعبر عثمان على أرض فارس فتتابعت اليه الجيوش حتى فتحت -١هـ - وقد ذكر بعض المؤرخين أن الربيع بن زياد الحارثي قد تولى الاحساء في عهد عمر رضي الله عنه (١) وليس لتلك البلاد في عهد عثمان وعلى رضى الله عنهما من أثر مهم فى التواريخ التى بين ايدينا.

عهد بني أمية

وأما فى عهد بني أمية فقد أصبحت الاحساء مسرحا للفتن والقلاقل، وملجأ لكثير من الخوارج على تلك الدولة، لعدم الاهتمام بها، ومن ذلك العهد أصبحت مرتبطة فى الادارة ببلاد اليمامة، ومن ولاتها في عهد معاوية: الاحوص ابن عبد بن أمية وزياد بن أبيه ومن مشاهير الخوارج الذين استولوا عليها (نجدة بن عامر الحنفي) فقد استولى عليها سنة ٦٣ هـ وقطع الميرة عن الحجاز حتى كتب اليه عبد الله بن عباس قائلا ان ثمامة بن أثال لما اسلم منع الميرة عن مكة وأهلها يومئذ مشركون. فامره النبي صلى الله عليه وسلم بتركها . وانك قطعت عنا الميرة ونحن مسلمون فتركها، وبقيت تحت ولايته الى سنة ٧٢ هـ ففيها قتله أبو فديك الخارجي وتولى مكانه حتى قتل سنة ٧٣ هـ على يد عمر بن عبيد الله بن معمر ، الذي وجهه عبد الملك بن مروان وحاصر اصحابه فى (المشقر) وقتل منهم ستة آلاف بعد نزولهم على حكمه وأسر ثمانمائة، ومن الخوارج الذين استولوا عليها فى العهد الاموي مسعود بن ابي زينب العبدي فقد استولى من سنة ٨٦ هـ الى سنة ١٠٥هـ حيث سار اليه سفيان بن عمر والعقبلي ببنى حنيفة فقتله وفي ذلك يقول الفرزدق : -

ولولا سيوف من حنيفة جردت     ببرقان أضحى كأهل الدين ازورا

تركن لمسعود  وزينب أخته        رداءاً وجلبابا من الموت أحمرا

عهد بني العباس

حالة هذه البلاد فى أول عهد بني العباس، لم تتغير عما هي عليه . ومن أمرائها من قبل العباسيين - داود بن علي عم السفاح ثم زياد بن عبد الله ابن عبد المدني خال السفاح ايضا. وسليمان بن على بن عبد الله بن عباس من

سنة ١٢٣ الى سنة ١٣٩ واتم بن العباس بن بعبد الله سنة ١٤٣ وتميم بن سعيد ابن دعاج فى عهد المنصور وعمارة بن حمزة الكاتب فى آخر عهده وأول عهد المهدى وسويد القائد الخراسانى فى عهد المهدى وعبد الله بن مصعب في عهده أيضا وفي عهد الهادي - وهو قبل المهدى - محمد بن سليمان إلى سنة ١٦٣  وصالح بن داود سنة ١٦٤ هـ ومن بعده النعمان مولى المهدى وفي سنة ٢٣١  تولاها من قبل الخليفة العباسى اسحاق بن ابراهيم بن ابي خميصة من أهل أضاخ القرية المعروفة بنجد . وقد استولى عليها فى هذا العهد ثوار كثيرون منهم سليمان بن حكيم العبدى الثائر سنة ١٥١ وقتل فى هذه السنة على يد عقبة ابن سالم الذي أغزاه المنصور . وقد أصبحت تلك البلاد آونة تحت حكم العباسيين الاسمى. وأخرى تحت حكم ثوار ليسوا من أهلها. وثالثة تحت حكم أناس من أهلها حتى سنة ٢٤٩ حينما اتخذها صاحب الزنج مقرا لثورته ثم سار منها الى البصرة . ثم استقل بحكمها أناس من اهلها يقال لهم "آل العباي" وآخرون يقال لهم "آل العريان" ثم وقع فيهم ضعف واختلاف وشقاق ادى الى زوال حكمهم على يد القرامطة.

عهد القرامطة

وفي سنة ٢٨٧ هـ استولى على الاحساء أبو سعيد الحسن بن بهرام الجنابي القرمطي انتزعها من أمير من أهلها سماه ابن جرير (ابن بانو) وقد بقيت تحت حكم خلفائه الى سنة ٤٧٠ هـ ومن مشاهير القرامطة أبو طاهر صاحب الفعلة النكراء الشنعاء التى أثارت سخط العالم الاسلامي وقد تولى الحكم بعد قتل أبيه الحسن سنة ٣٠١ هـ وبقي الى سنة ٣٣٢ هـ ثم من بعده اخوانه الثلاثة الفضل. وسعيد. ويوسف وكانوا على حالة غريبة من الوئام والتآلف حتى توفي آخرهم يوسف سنة ٣٦٦ هـ فقام بالأمر ستة من قومه وقد اتفقوا على تدبير أمرهم أيضا

ومن قواد القرامطة الحسين بن أحمد بن بهرام المتوفي سنة ٣٦٦ هـ فهو من مشاهير القواد العظام والشعراء المجيدين له وقائع مع العبيديين فى الشام وعلى حدود "مصر" ومن شعره : -

اني امرؤ ليس من شأني ولا أدبى       طبل يرن ولا ناي ولا عود

ولا اعتكاف على خمر ومخمرة            وذات دل لها غنج وتفنيد

ولا أبيت بطين البطن من فجع     ولى رفيق خميص البطن مجهود

ولا تسامت بي الدنيا الى طمع        يوما ولا غرني فيها المواعيد

وقوله :

يا ساكن البلد المنيف تعززا     بقلاعه وحصونه وكهوفه

لا عز الا للعزيز بنفسه          وبخيله وبرجله وسيوفه

وبقية بيضاء قد ضربت على     شرف الخلال بجاره وضيوفه

قوم إذا اشتد الوغي أردى المدى  وشفى النفوس بضربه وزحوفه

لم يجعل الشرف التليد لنفسه        حتى أناد تليده بطريفه

ومن آثار القرامطة (قصر قريمط) الواقع بين البطالية والمبرز ومسجد كبير قريب من آثار ذلك القصر بني في آخر عهدهم . ومن غريب أمر هذا المسجد أنه لا محراب له .

عهد العيونيين

وفي سنة ٤٧٠ هـ وثب الامير عبد الله بن على بن عبد الله بن محمد العيوني العباسى على القرامطة بعد أن ضعفت دولتهم وتضعضع أمرهم فاستولى على تلك البلاد وبقيت تحت حكم بنيه الى أول القرن السابع ولم تسلم فى عهدهم من ثورات داخلية واغارات خارجية من الاعراب الذين حولها ومن مشاهير ولاة العيونيين

الفضل بن عبد الله بن على وابناه أبو الحسين أحمد . وأبو سنان محمد الذي يقول فى رثائه أحد شعراء عصره :

عزيز أن أعاتب فيك دهرا               قليل همه بمعنفيه

وأن أجد الملوك ولست منهم       وأن أطأ التراب وأنت فيه !

وفي أول القرن السابع ضعفت تلك الدولة، وتسلط الاعراب على البلاد بالنهب والسلب وعجز الولاة عن المدافعة حتى قال شاعر الاحساء في ذلك العصر ابن مقرب العيوني . يخاطب أبناء عمه الولاة : -

قد بان عجزكم وكلكم يد        عنهم فكيف وأنتم حزبان؟

لا تحسبوا شر العدو تكفه        عنكم مصانعة وحمل جفان !

والله ما كف المعادى عنكم     من دون سلب معاجر النسوان

أخذوا الحساء من الكثيب الى محا      ريث " العيون" الى تقاحلوان؟

و(الخط) (من صفواء) حازوها فما       أبقوا بها شبرا الى "الظهران"!

ومنازل العظماء منكم أصبحت         دورا لهم تكري بلا أثمان!

والله لو نهر جرى بدمائكم         وشربته غيظا لما أروانى !

فاجلوا فما أنتم باول من جلا       واختار أوطانا على أوطان!

اني لأخشى أن تلاقوا مثلما    لاقى بنو (العياش) و (العريان)!

كرهوا الجلاء عن الديار فاهلكوا    بالسيف عن عرض وبالنيران

وكان زوال العيونيين قريبا من ذلك العهد . وفي الاحساء قرية تدعي البطالية منسوبة الى بطال بن مالك من أوائلهم وآخرى تدعي "الفضول" منسوبة الى آل فضل (١) منهم وعاصمة ملكهم "الاحساء القديمة" التى "البطالية" في القديم محلة من محلاتها وهم ينسبون الى "العيون" قرية كثيرة العيون في شمال الاحساء وباقية الى الآن .

حكومات مختلفة

ليس لدي فى المصادر ما اعتمد عليه فى تعيين الحكومة التى ورثت العيونيين وكل ما أعلم هو انه فى الفترة التى بين زوال حكمهم وبين استيلاء دولة الأجاودة امتدت سلطة دولة "أتابكية فارس السلغرية" فى عهد الاتابك ابي بكر بن سعد بن زنكى فى سنة ٦٢٠ هـ تقريبا ثم زالت سلطتهم بوفاته سنة ٦٣٢ هـ وحكم تلك البلاد رجل يقال له عصفور بن عامر بن عقيل ومن بعده بنوه على ما نقل ابن خلدون والقلقشندى عن أبي سعيد المؤرخ أنه قال : سألت أهل البحرين حين لقيتهم بالمدينة سنة ٦٥١ هـ فقالوا الملك لعصفور وبنيه . وفي أول القرن الثامن كان ملك الاحساء سعيد بن مغامس بن سليمان بن رميئة وفي سنة ٧٠٥ هـ انتزع الملك منه رجل يدعى جروان من بني مالك بن عامر ثم لما مات خلفه ابنه ناصر ثم ابن ابنه ابراهيم بن ناصر وكان موجودا سنة ٧٢٠ هـ ومن المرجح أن الاحساء فى ذلك العهد مقسمة إلى أقسام عديدة كل قسم له حاكم مستقل وان القسم الساحلي لا يسلم من اغارة واستيلاء بعض ملوك العجم المجاورين له .

دولة آل أجود

قام الأمير سيف بن زامل بن جبر النجدي العقبلى فانتزع الملك من بقية الجراونة ولما مات خلفه فى الملك أجود وقد اتسع ملكه حتى استولى على كثير من سواحل الخليج الفارسي وأخذ الجزية من بعض ملوك العجم المجاورين له ويعد عهده من أزهر العهود التى مرت على تلك البلاد، فقد سار بالعدل ونشر العلم وعامل الاهالي معاملة، ابقت له من حميد الذكر ما لا يزال أهل الاحساء يلهجون به إلى هذا الوقت، وقد كان بينه وبين السيد السمهودى "مؤرخ المدينة " صداقة وطيدة واتصال وثيق وفي عهده انتقل الشيخ نصرالله من آل

جعفر الطيار المدنيين الى "الاحساء" ليتولى امامة مسجد أسسه أحد الجبريين وقد استوطن هناك وخلف عائله تتكون من أفراد كثيرين ، مرموقين من أهل تلك البلاد بعين الاحترام والاجلال لاتصاف كثير منهم بالعلم والفضل والأدب، ولا يبعد ان يكون انتقال عائلة "آل عبد القادر" في ذلك العهد ايضا وهي عائلة من أعرق العائلات فى العلم والفضل والادب تنتسب الى الخزرج من الانصار ومن تلك العائلة . علماء أفاضل نشروا العلم وتولوا بعض الاعمال وقاموا بها خير قيام ومنهم شعراء مجيدون كالشيخ عبد الله بن على العبد القادر بلبل  الاحساء الغريد الذي توفى في العقد الخامس من هذا القرن في أوله وله ديوان شعر.

ثم بعد وفاة الملك أجود وقع الشقاق بين بنيه وكان آخرهم مقرن بن اجود وفي عهده زالت دولتهم فى سنة ٩٦٢ هـ ومن آثارهم فى الاحساء مسجد الجبرى وهو من أعمر المساجد وأوسعها فى داخل الكوت فى الهفوف. وقصر قريب من المنيزلة احدى قرى الاحساء لم يبق منه سوى اطلاله يسمى "قصر أجود" كما انه فى أول القرن الثاني عشر استولى على جزيرة (اوال) احد بقايا الجبريين المذكورين وفي المبرز عائلة تدعي عائلة الجبري .

وبعض المؤرخين يذكر أن زوال دولة الاجود تأخر الى سنة ٩٩٩ هـ والبعض يقول أن زوالهم فى سنة ٩٢٦ هـ والرأى الاخير لا يبعد عن الحقيقة وفي آخر هذا القرن استولى "البرتغاليون" على بعض السواحل.

استولت حكومة الترك على الاحساء فى القرن العاشر ومن أول ولاتهم فى عهد السلطان سليمان محمد باشا الملقب بفروخ (أو فاتح) ومن آثاره مسجد في الكوت يسمى مسجد الدبس لوقوعه جوار سوق التمارين سابقا وتاريخ عمارة

ذلك المسجد مكتوب في حجر بهذا النص "بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله أجمعين . قد بني وعمر هذا المقام الشريف فى زمان السلطان العادل سليمان خان. حضرة الحاكم الاجل قدوة الحكام كهف الانام صاحب السيف والقلم والي بلد الحسا محمد باشا أيد الله ظلاله فى سنة ٩٦٢ ه" وبنه مدرسة ومسجدا أمام باب الكوت اندرسا ، ثم تولى من بعده على بن احمد باشا البريكي ومن آثاره مسجد بداخل قصر ابراهيم في الكوت وهو مسجد فخم رائع العمارة عمره سنة ٩٧٤ هـ وبني بجواره مدرسة وعمر رباطا ومدرسة خارج القصر وقد اوفد الوالي المذكور ابنه محمدا الى السلطان العثماني فزور الابن على أبيه رسالة ضمنها طلب تعيينه فى الولاية، فأجيب طلبه ولما رجع اتفق مع رؤساء الجنود وهم بحبس أبيه وأخويه يحيى وابى بكر ولكنه عدل عن ذلك لما علم بانهم لا ينازعونه، ورحلهم الى المدينة المنورة ومن آثار محمد هذا المسجد الذي يؤدى أمير البلاد فى هذا العصر الصلوات فيه عمره سنة ١٠٤٦ هـ وقد بقيت الاحساء تحت حكم الترك الى سنة  ١٠٨٠ هـ وكانت فى هذا العهد عرضة لنهب الاعراب وسلبهم لضعف الولاة عن الدفاع عنها ولا سيما القرى التى فى الاطراف، وفي هذا العهد قدم جد عائلة "آل ملا" من عينتاب البلدة المعروفة مع أحد الولاة اماما وواعظا فاستقر فى الاحساء وأعقب أبناءا تناسلوا وكثروا وصار من بينهم من امتاز بالعلم والادب فى تلك النواحي، وأهل الاحساء يجلونهم اجلالا عظيما ولا سيما عميد العائلة فى هذا العصر الشيخ ابو بكر .

ومن أفراد تلك العائلة الآن الشيخ احمد بن الشيخ عبد اللطيف الملا وهو عالم فاضل والاستاذ عبد الله بن عبد الرحمن الملا أحد خريجي (جامعة ديوبند الاسلامية) وهو شاب مهذب حر التفكير متصف بكثير من الأخلاق الفاضلة .

عهد آل حميد

فى سنة ١٠٨٠ هـ استولى آل حميد وهم عرب من بني خالد على الاحساء وبقيت تحت سيطرتهم الى سنة ١٢٠٧ هـ وقد أصبحت البلاد في عهدهم بحالة اضطراب وقلاقل لعدم حسن سياسة امرائهم ولبعض الشعراء في تاريخ استيلائهم :

رأيت البدو آل حميد لما       تولوا أحدثوا في الخط ظلما

أتى تاريخهم لما تولوا            - وقانا الله شرهم- (طغى الما)

وذيلها بعضهم قائلا:-

وتاريخ الزوال اتى طباقا   (وغار) إذا انتهى الأجل المسمى

عهد آل سعود والمصريين وابن عريعر والاتراك

انتزع آل سعود ملك تلك البلاد من آل حميد في عهد الامام عبد العزيز ابن محمد ثم ابنه سعود بن عبد العزيز وبقيت تحت حكمه وحكم ابنه عبد الله الى سنة ١٢٣٣ هـ فانتزعها المصريون وبقيت دولة بينهم وبين ابن عريعر الخالدي وبين الاتراك وآل سعود ، وقد انتعشت حالتها فى عهد سعود ثم تقهقرت بعدهم.

ومن آثار آل سعود فيها قصر ابراهيم المنسوب إلى احد امرائهم ابراهيم ابن عفيصان ويقال ان من آثارهم أيضا قصر خزام، وقصر صاهود

وفي سنة ١٢٥٠ هـ استعاد ملكها الامام فيصل بن تركي (جد جلالة الملك عبد العزيز) وبقيت تحت حكمه وحكم ابنه الامام عبد الله الى سنة ١٢٨٨ هـ وقد أمر الامام فيصل بتشييد جامع فيها يعد من أفخم المساجد هناك وهو أوسع مسجد فى تلك الجهات، وأكبر جامع تصلي فيه الجمع.

وفي شهر شوال من السنة المذكورة استولى عليها الاتراك ، وبقيت تحت حكمهم الى سنة ١٣٣١هـ ومن أشهر ولاتها الذين يزيدون على سبعة عشر (١) واليا الفريق محمد نافل باشا الذى نقل الى بغداد فمكة ومدخة باشا وقد اناب عنه أحمد عزة العمري، وهو شاعر فاضل له شعر مطبوع ومن ولاتها السيد طالب النقيب العرقي المعروف، وللحكومة التركية في عهدها الاخير فى الاحساء آثار عمرانية منها "المدرسة الرشدية" (٢) والمستشفي الذي هو مقر المالية الآن و"قصر الامارة" ويسميه أهل الاحساء "السراج" محرفا عن كلمة السراي -أي الصرح - وكثير من المباني.

عهد جلالة الملك عبد العزيز

فى سنة ١٣٣١ هـ استولى جلالة الملك عبد العزيز آل سعود المعظم على

الاحساء وعين ابن عمه سمو الامير عبد الله بن جلوى أميرا عليها ومكث الى أن انتقل الى رحمة الله تعالى سنة ١٣٥٤ هـ مخلفا عدة أبناء منهم الامراء سعود ومحمد وسعد وعبد العزيز وتركي واكبرهم فهد الذي قتل فى حياة والده وله من الابناء الامراء خالد ومحمد وفيصل وبعد وفاة الامير عبد الله تولى الامارة ابنه سعود الامير الحالي وقد تقدمت الاحساء في هذا العهد فى شتى المسائل الحيوية تقدما محسوسا ومن مشاريع الأصل التى جرى تنفيذها تأسيس عدة دوائر لأجراء الاعمال على طريقة تكفل صلاحها وموافقتها لما فيه النفع العام كالبلدية والمالية والمعارف وغيرها كما هى الحال في الحجاز ، وقد اهتمت حكومة جلالة الملك باصلاح البلاد فى شتى مرافقها الحيوية اهتماما تدريجيا، وفق النواميس التى جعل الله جميع الامور لا تتجاوزها وان الأمل في الله وطيد بان يجعل عهد هذا الملك الميمون عهدا زاهرا.

مكة

اشترك في نشرتنا البريدية