مناجاة هدهد

Share

كانت الطبيعة قد استيقظت من سبات  دام طوال الليل ، والهواء اللدن يهبط على السهل من قمم جبال عالية مشبعة بالعشب  فيمر مرا لطيفا على نبت الربا فيحدث  همسات كهمسات الخائف الحذر . .

وكان الجو باسما ومفاتن الطبيعة في   فوضوية مثيرة وشعشعة الاصباح وشذا  الزهور وروائج الخزامي وزقزقة العصافير  وتغريد وهدير وهديل ، كل هذه المفاتن  وهذا النداء قد ملأت نفسي انسا وانشراحا فرحت منساقا بين الاعشاب نشوان جذلا  حتى انتهت بي قدماى الى أيكة سامقه تزدحم  على اغصانها بلابل الوديان تعزف ترانيم  الفجر وتسابيح الاصباح وقد اوفى منها  طائر باعلى الشجرة وراح يرسل صوتا له  تراجيع خاصة تمتزج بالابتهال مرة  وبالاكتئاب مرة اخرى ولكنها عذبة ولها نفحة  موسيقية وقلت لرفيقي : هذه نغمات غريبة  على مسمعي ولكنها تمتلئ بتعبير خاص  فقال : انه الهدهد يرسل صوته قبل طلوع  الشمس من اعلى الشجرة فاذا طلعت  الشمس اختفي واختفى معه ذلك الصوت ، وهذا دابه وتاقت نفسى الى اقتناصه لان له  ذكريات في قلب كل مسلم وكيف لا يكون  كذلك وهو صاحب التاريخ المشرق والكفاءات  المتعددة

ونصبت له شركا ولم استا لصغر حجمه  بل كنت به معجبا وصنعت له قفصا وقدمت بين يديه من اطايب الطعام وقلت له : تفضل  

) ابا يعفور ( فانت اكرم من يكرم في عصر  العلم وتنازع البقاء . ولكنه اعتصم بالصوم  مضربا عن تناول الطعام باصرار وعناد  بتعابير خاصة وقلت له :

- ) ابا الخيار ( لا تفعل بنفسك هكذا وانت ابو المواهب والاعمال الممتازة الجليلة  . . اولست أول جيولوجى فى علم طبقات  الارض فكنت دليل نبي الله سليمان ترى  المياه فى باطن الارض كما يراها الإنسان  عن قرب فى باطن الزجاج ؟

اولست أول مكتشف لاعظم مملكة في  التاريخ : مملكة سبا واقترن اسمك باسمها وسيبقي هذا الاسم خالدا ما دام الخلود للانسان ، وعبقرية المكتشف ، عبقرية فذة تحنى لها الرؤوس زهوا واعجابا ؟

أولست يا ابا السجاد ( في أوائل من  دعا الى الله من ابناء جنسك وغضبت في  حق الآله عندما رأيت غيره يعبد ، ) وجدتها  وقومها يسجدون للشمس من دون الله  وكانت تلك الغضبة منك غضبة مضرية . .

أبا الربيع ( ! أولست الذي فقدك  نبى الله سليمان عندما احتاج هو وجنده  ان تقيس لهم مسافة المياه وهم على جبال  صنعاء فقال الملك سليمان : ) لاعذبنه عذابا  شديدا او لاذبحنه او لياتيني بسلطان  مبين ( وخرجت الطير تبحث عنك وكان يوما مشهودا اذ حجبت باجنحتها الافق :

يوم كان سماءه

حجبت باجنحة الفواخت

فلم يجدوا لك اثرا ولا عينا واخيرا راح  ملك الطير ) الباز ( يسمو ويسمو حتى وقع  بصره عليك فانقض يريد الانتقام منك ليمزق  هذا التاج المتألق على جبينك وحتى لا يقال  فيه بعد اليوم :

ان البزاة رؤوسهن عواطل

والتاج معقود براس الهدهد

وقلت : قف لمن تعدى قدرك وراح  يروى لك ما ينتظرك بين يدى الملك  سليمان واجبت بعد أن سمعت كل  التفاصيل : أو لم يستثن ؟ فقال : بلى  ) أو لياتيني بسلطان مبين ( وراحت الطير  تبشر الملك بالعثور عليك وكان مجلس  عسكري عقد لتقرير نوع العذاب فمنهم  من كان يرى الاعدام كمقتضى الارادة  السليمانية ، ومنهم من كان يرى الموت البطئ بنتف الريش أو سجنك الابدى فى  قفص او التفريق بينك وبين الفك . . ودخلت ساحة الملك تلتهمك الاعين وأنت تقترب شيئا فشيئا حتى كدت تلتصق به ) فمكث غير بعيد وقال احطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين ( فقد اوضحت له عذرا مبينا فلم يندفع فى تصديقك فلربما كانت خدعة اريب فقال الملك : ) سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ( أو لا ترى انك شخص خطير لا يستهان بحقك ولا ينكر سبقك وفضلك دخلت التاريخ من أوسع الابواب وخلد اسمك مع الخالدين

أبا عباد ( اما كنت أول من استنكر من ابناء جنسك ان تحكم الامة امرأة تتصرف في شئونهم ومقدراتهم وقلت وعلامة الاستياء بادية على محياك : ) اوتيت من كل شئ ولها عرش عظيم ( .

أما كنت أول مندوب سام بعثك سليمان  إلى ملكة سبأ بأخطر مهمة وقد برهنت عن كفاءة وحنكة بل كنت الدبلوماسي الماهر

والكاتب القدير ، اشتركت في ) برلمان ( ملكة سبأ وسجلت بريشة الماهر كل ما  دار من نقاش فى هذا المجلس العسكرى  وحررت وحيدا محاضر الجلسة وسجلت خطاب الملكة وكيف ضمنت خطابها نص رسالة النبي : ) يا أيها الملا انى القى إلى  كتاب كريم انه من سليمان وانه بسم الله  الرحمن الرحيم ، ان لا تعلوا على ، وأتوني مسلمين (

واخبرتنا يا ) أبا المواهب ( ! ان قومها  لا يتمتعون بمطلق الحرية فى اقوالهم وآرائهم وكل الذي اجابوا به : ) نحن أولو قوة  واولو بأس شديد والامر اليك فانظرى  ماذا تأمرين ( .

وقد وقعت في أخطل رأي كان سببا فى  الاطاحة باعظم عرش ) اني مرسلة اليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون ، فلما جاء  سليمان قال اتمدوننى بمال فما أتاني الله خير مما أتاكم بل انتم بهديتكم تفرحون ( الى قوله ) صاغرون ( .

فلقد تلقت اعنف رد يمتزج بوعد ووعيد  بالمذلة والهوان لها وقومها ان خالفوا امره .

أما كنت السفير الذى وضع  على يديه شروط التسليم فكنت لبقا ذا حنكة وسياسة وأديت من المهمات  ما يعجز عنه الجماعة من محترفى الكفاءة  بالعصر الحديث كنت كاتبا صحفيا جيولوجيا ماهرا ، متكشفا قديرا . مندوبا ساميا  سفرا محنكا . داعيا الى توحيد الله فلم  تدع إلى الحاد باسم الدين ولا إلى تفرقة  باسم الوحدة بل كنت صادقا كل الصدق  قولا وعملا فلماذا هذا الانزواء والانطواء ولم ترسل صوتك العذب والنغمات الخاصة  العذبه ؛ على هذا القفص الذي وضعتك فيه  كان واحدا من ألوان العذاب الذى وعدك به  نبى الله سليمان عليه السلام ؟ . وهل أنا قصرت في حقك ومناجاتك ؛ أما يقال انك

صاحب اعظم نكتة وذلك انك قدمت دعوة الى نبى الله سليمان وجنوده من الطير والوحش والانس والجن فركب سليمان بساط الريح تظله الطير وانت تتقدمهم يا ) أبا يعفور ( حتى توسطت اليم فوقفت ووقف لوقوفك أعظم ركب وكان ف فيك جرادة فألقيتها فى اليم بعد ان عاينها الملك  وركبه وقلت لهم : " من فاته اللحم لم يحرم  من المرق . وضحك سليمان وجنوده حولا كاملا

جاءت سليمان يوم العرض هدهدة

أهدت له من جراد كان في فيها

وانشدت بلسان الحال قائلة :

ان الهدايا على مقدار مهديها

لو كان يهدى الى الانسان قيمته

لكان يهدى لك الدنيا وما فيها

أولست صاحب اناة وكاتما للسر حتى  قيل : اكتم من هدهد ؟ وقد عرض بك ابو  الشيص في حمل رسالته الى معشوقته  مكتفيا بالصفة عن ذكر الموصوف لشهرتك

المستفيضة

لا تأمنن على سرى وسركم

غيرى وغيرك أو طي القراطيس

او طائر سوف أجلوه وانعته

ما زال صاحب تنقير وتدريس

سود براثنه ميل ذوائبه

صغر حمالقه في الحسن مغموس

أخرج إلى الحياة بهذا التاريخ المشرق ودع  هذا الانطواء والانزواء وباشر حقك المشروع  في الحياة كما كنت ايام الملك سليمان متفائلا ومتجددا بافكار العصر الحديث ولاتخش ايها  " الهدهد " من جسمك النحيل فيكفيك زهوا  هذا التاج المتالق على جبينك الذي لو كان  للبزاة مثله لجاؤوا بالعجب العجاب ولكن ليس لهم من ذلك شئ .

ان البزاة رؤوسهن عواطل

والتاج معقود براس الهدهد

لقد دخلت التاريخ من اوسع أبوابه وخلد  اسمك مع الخالدين .

اشترك في نشرتنا البريدية