اصدرت مجلة الهلال المصرية في سنتها التاسعة والسبعين وفي شهر رمضان ١٣٩١ ه - نوفمبر ١٩٧١ م عددا خاصا بعالم الروح .
وموضوع " عالم الروح " موضوع معقد ونماض ومبهم . . وقد طالعت العدد من أوله الى اخره ، رجاء أن أجد شيئا جديدا أضيفه على ما اطلعت عليه من قبل في هذا الموضوع الخضم المتلاطم . فوجدت ش ووجدت لا شئ وجدت شبه شئ .
احسنت مجلة الهلال حينما قدمت للعدد بالبسملة . . فهذا شئ جديد في الصحافة المصرية العربية الحديثة وبخاصة في مجلة الهلال بالذات . . انه تطور نحو الاسلام ، ومبادئ الاسلام .
وقد افتتح رئيس تحرير الهلال الحالي " صالح جودت " - الشاعر المعروف - هذا العدد بكلمة موجزة مركزة أوضح فيها ما يرمي اليه من وراء اصدار هذا العدد الخاص فقال : " وهذا العدد عن الروح ، نمسها من مختلف جوانبها ، دون ان نتجاوز القليل الذي أذن الله سبحانه وتعالى ان نؤتاه من العلم "
ثم قال : " وغايتنا - وهذا عهد شعاره العلم والإيمان - ان نعرض على القارئ غاية ما وصل اليه العلم في امر الروح ، في غير ما تزمت ولا شطط ، ليهتدى الناس الى حقيقة ما أذن الله لهم به من ينأي بزعم عن الخرافة ولا يتجاوز بهم حدود الايمان "
وأضاف يقول : " وغايتنا بعد ذلك ، ونحن في الشهر الطيب العطر الذي انزل فيه القرآن هدى للناس ، واذ نقف متطلعين الى النصر القريب باذن الله - ان نزكى القيم الروحية التى لا نصر الا بها "
فلنمض - في جولتنا الشاملة في موضوعات العدد لندرك ما اذا كان ما يحتويه من موضوعات قد حقق ما هدف اليه رئيس تحريره أم لا !
١ - الانتصارات الاسلامية الكبرى في شهر رمضان
هذا مقال مسهب كتبه الدكتور سيد نوفل ، وقد عدد فيه أهم الانتصارات الاسلامية الكبرى في شهر رمضان. بدر الكبرى . الانتصارى على التتار .
الانتصار على جيوش الصليبيين . وقد ادي هذا المقال مهمته ، وهو مطابق لموضوع العدد الخاص بعالم الروح في رمضان .
٢ - الشعر في رمضان
مكتب عبد الغني حسن . والمقال ذم وجهتين
فهو قيم من الناحية الادبية والفكرية العامة ، وهو لا ينسجم تماما مع موضوع العدد الخاص بعالم الروح في رمضان ، لان في المقال مقطوعات شعرية مضادة لعالم الروح في رمضان ، مثل مقطوعات الشاعر ابن الرومي التى هجا بها الشهر المبارك ، ومثل القصائد التى جعل شعراؤها موضوعاتها التغزل في الكنافة والقطايف مما لا يمت الى عالم الروح بصلة . وقد استطرد الكاتب الى بحث المحسنات البديعية واللعب بالالفاظ في أبيات رواها عن الكثافة والقطايف .
وجاء بشعر لشوقي معاكس لموضوع العدد الخاص تماما . . هو قوله :
رمضان ولى هاتها يا ساقي
مشتاقة تسعى الى مشتاق
فالبيت مع ما فيه من التنديد المبطن بحبس النفس عن شهواتها في رمضان دعا الى تعاطي الخمر عقب انتهاء رمضان مباشرة . . كأنه كان مقيدا برمضان فلما انتهى زال القيد الملازم له .
٣ - الحكيم الترمذى ورأيه في أن للقرآن معنى ظاهرا ومعنى باطنا
هذا البحث من اوله الى آخره مقحم على العدد . . او على موضوعه الخاص بعالم الروح بالأحرى . . فالحكيم الترمذى ، وقد اسهب كاتب البحث في تقدير هذا الرجل الذى اختلف في حقيقة امره اختلافا بينا فقيل انه فضل الولاية على النبوة ، وقيل انه كان يقول : للأولياء خاتم كما ان للأنبياء خاتما . وعلى كل فامثاله يعتبرون من العلماء المضطربين الذين يخلق علمهم في المجتمع الاسلامي دوامات من القلق والاضطراب حيث يأتون بآراء تناقض روح الاسلام وتعارض عالم الروح الذى أشاد به الاسلام . . وقد قال كاتب البحث عنه : ) وقد تعرض " الحكيم " لكثير من المحن والاضطهاد بسبب ارائه التى لم يستطيع جمهرة علماء بلده ان يفهموها فاتهموه بالكفر واستعدوا عليه والى " بلخ . الذي أمره بملازمة بيته
ولست أرى حاجة داعية الى اقحام هذا البحث بالذات في عدد يراد له تصفية الروح والاشادة بعالم الروح في الاسلام ليزكي القيم الروحية التى لا نصر الا بها .
٥ - الروح في الاسلام
هو مقال للدكتور احمد الشرباصي . . اختتمه بقوله : " والذي أفهمه من خلال الفكر الاسلامى أن الروح موجودة ولكن جوهر حقيقتها غير معروف لنا ، وانها اسبق وابقى ، واشرف من المادة ، واننانستطيع التعرف الى كثير من آثارها وظواهرها ، وان آثارها تظهر لنا حين اتصالها بالجسد ، وان الجسد لا قيمة له دون الروح " . وبالجملة ، فالمقال يتفق في مجموعه مع موضوع العدد الخاص
٦ - الى روح شوقي
قصيدة لأحمد رامي في رثاء شوقي . ولست ادرى ما هو الرابط بينها وبين موضوع العدد ؟ لقد أقحمت عليه اقحاما واضحا .
٧ - فكرة الروح عند الانسان البدائى
وهذا موضوع تافه ، او موضوع غير ذى موضوع ، وهي افتراضات مبنية على اساطير ، وهي بالتالي فكرة مادية في الاساس ، ويقول كاتب البحث : " والانسان البدائى كان فهمه أول الامر لحياته أن قوامها تحرك آلي يرجع الى تركيبه العضوى ، وبعبارة اخرى كان وقوفه عند المادة على انها الحقيقة والاخيرة فما شأن هذا البحث برمته ازاء عالم الروح الذي يزكي القيم الروحية التى نصر لنا الا بها ؟
٨ - موسيقى الروح
قصيدة لمحمود حسن اسماعيل من روائع شعره المطرب . ومطلعها : سألوا ، فقال الله ، جل جلاله :
وقد مضي في حدائق الشعر ، والشعر ذر شجون ، حتى انتهى به المطاف الى قوله في ختام القصيدة :
الروح سر الله ، والعقل الذي
يشقيك ضيف في حماها ينزل
فاذا مضيت مضي ، وتبقي حرة
وكما يريد شعاعها . . يتجول
وبالجملة ، فالقصيدة لها علاقة ما بالموضوع الذي خصص للعدد ، ولكنها ليست علاقة كلية شاملة ففيها الكثير مما لا يمت بصلة إلى عالم الروح . . بل صلته اوثق وأعلق بعالم المادة مثل قوله عن عقل الانسان :
صهر الظلام على الضياء وصاغه
دربا على شطحاته يتنقل
وصل النواة ، فصاغها قدرا على
راحاته ، كل الوجود يبدل
٩ - الروح عند الفراعنة
كتب المقال الدكتور عبد المنعم ابو بكر . . وعرض لنا فيه عناصر الحياة ومقوماتها عند المصريين القدماء . . وهو فصل ملئ بالخرافات المصرية القديمة ، ولست أرى من المناسب ان تدمج في عدد خاص بعالم الروح الذي يزكى فينا القيم الروحية التى لا نصر لنا الا بها اليوم . . فهذا بحث اثرى اسطورى أكل الدهر عليه وشرب . . وعلاقته بتاريخ مصر القديمة اوثق من علاقته بروح الاسلام الذي كان الموضوع المخصص له هذا العدد بالذات .
١٠ - الاسلام وتنمية القيم الروحية
كتب هذا البحث ، د . عيسى عبده . وفيه يقول : " واذا عرف عن النفس ما عرفناه فاعلم أن القيم الروحية هي كل ما تجرد عن المادة وارتفع فوق حب الذات ومن ثم تكون الفضائل كلها والاهداف العليا من القسم الروحية " ويضيف إلى هذا قوله :
" واما تنمية هذه القيم عند الفرد فلها طريق واحد هو تصحيح العقيدة ثم تثبيتها " . والمقال قيم مطابق في جله لما وضع له العدد .
١١ - شباب الروح
قصيدة لصالح جودت رئيس تحرير الهلال وفيها استعراض لحياة فتاة في مقتبل العمر ، عقد معها حوارا شعريا حيال نضرة شبابها وجماله ، ثم ذبوله اذا علت بها السن فيقول لها ما ملخصه : انت " حلوة العشرين " الآن . وانا الآن في " الخمسين من عمري فلا تفزعى من همسة هذه السن . . فانا شاب سرمدى الشباب لأني شاعر ، وأما حسنك النضر فسرعان ما يذوى ويذبل ، تذوبه السنون وسييزف الشيب الى فوديك فتتلهفين على الماضي الذاهب النغر ويهجرك العشاق وستكتوين بالأسي القاتل عندئذ ، بعكسي أنا فأني دائم النضرة ساعود الى زهرة العمر ، وان ترجعي اليها أنت . . ان الشاعر لا يشيخ . . لان عمره في حسه الطبع المرهف . ومطلع القصيدة الرائعة :
يا حلوة العشرين ، لا تفزعى
من همسة الخمسين في مسمعي
والقصيدة باقة نضرة فواحة ، وشباب الروح الذي يعنيه الشاعر هو شباب الحب ملهم المعاني الشعرية الرفيعة . . فهل لهذا الشباب الروحي الشعرى صلة وثيقة بعالم الروح الذي يزكي فينا القيم الروحية ويهبنا النصر على اعدائنا اليوم ؟
١٢ - الروح في الفكر العربي
كتبه عبد العزيز الدسوقي ، وموضوعه فكرة الروح عند العرب منذ عصر الجاهلية . . وهو من هذه الناحية لا يخلو من فائدة أدبية ومتعة فكرية .
يقول الكاتب : " والادباء والشعراء هم اقدر الناس على تصوير مجاهل الروح وطوايا السريرة " . . واعتقد ان الشعراء هم أبعد الناس عن تصوبر مجاهل الروح ،
١٣ - من الفن الروحى : تطور العمارة الاسلامية
هذا بحث اعجب كيف يقحم على العدد . . فهو بحث عمرانى مادى لأنه يبحث عن فن العمارة وتطوره وتقدمه في مصر . . عمارة المساجد والاحياء كوكالة الغورى بحى الازهر وسور القاهرة وأبوابها وزخارف الدور والقصور فيها وقلاعها الاسلامية . . فهل هذا من بحث عالم الروح الذي يزكي فينا القيم الروحية ويبلغنا النصر الذي نسعى اليه اليوم ؟
١٤ - اطلالة على عالم الروح
تلخيص لكتاب د . رؤوف عيد . موضوع هذا المقال ذو علاقة وثيقة باستحضار الارواح وعلاجها للأمراض المستعصية وتقمصها لأفراد جاءوا بعد وفاة اصحابها ، وقد حدثنا الكاتب أن لشوقي ديوانا أصدره الى عالمنا الارضي من العالم الآخر . . وجدير بالذكر أن رئيس التحرير فند هذه الفكرة ومزقها كل ممزق . . بالتعقيب الذي نشره عقب الكلمة مباشرة .
والبحث على كل حال دخيل على موضوع العدد الخاص ، وغير منسجم معه ولا مطابق . وارى ان واقعه معاكس لهدف العدد .
١٤ - هل تعرف من القائل ؟
صفحة أخيرة في العدد جاءت كسابقة للتعرف على قائل أبيات ثلاثة هي :
وما طلب المعيشة بالتمنى
ولكن أدل دلوك في الدلاء
تجئك بملئه يوما ، ويوما
تجئك بحمأة وقليل ماء
ولا تركن الى كسل الاماني
تحيل على المقادر والقضاء
وهذه الصفحة كما هو واضح تكملة صحفية اضطرارية لصفحات المجلة ، ذلك أن تعقيب صالح جودت على مقال " اطلالة على عالم الروح " كمل في آخر الصفحة ١٦٧ فوجب ملء الفراغ . . فراغ الصفحة التالية ١٦٨ التي بها انتهاء العدد ، فلئلا تبقى الصفحة الاخيرة بيضاء خالية جيء لها بهذا "المحلل" النشاز عن موضوع العدد الخاص بعالم الروح .
