سبوع حافل! ابتدأ بعيد الدين وانتهى بعيد الدنيا! فأوله (عيد الفطر) ، وآخره (عيد الوطن) ، وفيما بينهما كان عيد الميلاد ومؤتمر اليلاد ومهرجان القرش!
سبوع حافل! كان فيه للدين سبب ممدود وشل جامع، وللحرية يوم مشهود ومظهر رائع، وللوطنية لواء معقود ومُجتلى فخم، وللسياسة شعب محشود وأمر ضخم، وللقومية أمل منشود وعمل صالح!
جرى كل أولئك على أروع ما يقع في الذهن ويتمثل في الخاطر، لشعور الناس بشمول الأمن، ويقظة العدل، وقيام القانون، وفوز الديمقراطية، واتساق الأمر بين الفرد والجماعة، واتفاق الرأي بين الحكومة والأمة؛ وكانت النفوس في عهد المحنة قد تغشاها من الدخائل السود قَتام وسُحُب، فلا تكاد ترى على حواشي الأفق الضيق المحدود إلا جنود الرهبة، وقيود الذلة، وسجون القهر، ثم تنفس بها الزمن البطيء على هذه الحال الأليمة حتى قنعت بالدون، ورضيت بالهُون، وذهلت عما وراء الأفق؛ فلما تهتكت الحجب عن وجه الحق، وتفكت الأغلال عن
حرية الشعب، فسعى غير مقيد، وعمل غير مراقب، وقال غير متهم، عاد الناس فوجدوا شعور الكرامةـ وسورة الاستقلال، وأنفة الحي المريد، وهزة المتصرف المطلق، فزهاهم النصر، واستطارهم الفرح، وتقبلوا سبعو أسام في الدعة، يتبسطون على الأنس، ويتعلون على الدهر، ويتدلون على الجكومة، ويوازنون بين حالهم بالأمس وحالهم اليوم، فيعجبون كيف زاغت القلوب، وفسدت الطباع، وسفهت الأحلام، وغارت هذه المباهج والمرافق والمظاهر كلها في قرارة قلب فارغ!
إن القلوب لأضيق في هذا الأسبوع من أن تسع هذا الفبض الذي يتدفق فيها ن كل جانب: ففي (مدينة رمسيس) وجوه البلاد ونواب لشعب وزعماء الأمة يعرضون مناهج السياسة على المشورة، ويُقلبون أنظمة الاصلاح على الرأي، ويعلنون الخادع والمخدوع أن مصر الخلدة لاتزال متماسكة على مضض المحن ، سليمة عى عنت الجور، مرتلفة على عبث الاغراؤ، تُعوق ولا تضل، وتُعذب ولاتذل، وتجارب ولا تستكين
كانت الآلاف الاربعون في سرادق المؤتمر الوطني أشبه بالأسراء فك أغلالهم النصر، أو بالسجناء كسر اقفالهم الثورة! فهم يتعانقون على السلامة بعد البلاد، ويتصافقون على الجماعة بعد الفرقة، ويتنادرون بجلادي العهد الباغي وسُجانه وقد أصبحوا اليوم رواد المنى وحراس العدالة! أليس هذا شرطي الأمس الذي كان ينظر بالنار، ويتكلم بالحديد، ويتجنى على الناس الذوب، ويتمنى على الأحداث الجرائم؟ ما باله اليوم وديعاً كالعدل، نزيهاً كالقانون، رفيعاً كادلولة، رفيقاً كالمواطن؟ تباركت يا ألله! أهكذا تتبدل الأوضاع وتتغير الطباع في بحر يوم وليلة؟!
وفي معرض الجزيرة جماعة (عيد الوطن الاقتصادي) يُفيضون من نشاط الصبي وطموح الشباب على الناحية الضعيفة المخوفة من نواحي الوطن: تلك هي الناحية الاقتصادية التي اقتحمها المستعمرون تحت لواء السلم والمال فاحتلوا المدن، واستغلوا القرى، وامتهنوا القومية، وامتحنوا الأخلاق، وحولوا مجاري
الثروة المصرية الى السفن الأجنبية والمصارف الأوربية، وخلفوا أهلها يابدون الدين، ويعانون الفقر، ويشكون العطلة، ويقاسون المذلة. فطن هؤلاء الشباب الأطهار إلى هذا الخطر الوبيل والداء الدخيل فصمدوا له في ميدانه المشتبه الواسع، واستنفروا القاعدين من أصحاب الأموال، والجامدين من أرباب التجارة، ونشروا الدعاية بمختلف الوسائل للانتاج الوطني، وضحوا بجهودهم الكثيرة، ونقودهم القليلة، وأوقاتهم الباقية من الدرس، على رصد الأهبة، وتنظيم العمل، وتدبير المال، وضمان الفوز، حتى توجوا ذا الجهد الجاهد بهذا المهرجان الذي أقاموه، وذلك المعرض الذي نظموه، فكان المهرجان عيداً للعيد، والمعرض حجة للىمل، والعمل كله فخراً لأهليه
وفي حديقة الأزبكية عيد (جمعية القرش) تجاهد في الانشاد جهاد عيد الوطن في الدعاية. وقد نفضت - كتلك - على بلي النفوس جدة الربيع، ونقاء الفطرة، وجمال الحداثة، فانتشر متطوعوها الأبرار في المدينة يجمعون القروش بالتوسل والتذلل والالحاف ليفتدوا بها حرية الوطن الاسير
جماعة الوطن وجمعية القرش ومؤتمر الشعب ائتلاف منسجم من عناصر البلاد ومناهج الجهاد ومناحى القرض : فالثياب بجانب الهول , والاقتصاد بجانب السياسة , و اللذة بجانب المنفعة , والحكومة بجانب الأمة ؛ وكل هذه الصور الرائعة إنما تتألق وتتراءى فى إطار روحي شعري تألف من عيد الفطر للمسلمين , وعيد الميلاد للأقباط !
أسبوع حافل! ان فيه للدين سبب ممدود وشمل جامع، وللحرية يوم مشهود ومظهر رائع، وللوطنية لواء معقود ومُجْتلى فخم، وللسياسة شعب محشود وأمر ضخم، وللقومية أمل منشود وعمل صالح!!
وإن عاماً يكون عنوانه هذا الانقلاب، وطالعه هذ اليمن، واستهلاله هذا النسيد، لآية من الله على انجلاء الغمة، واهتداء الغرائر، وارعواء الغي، وانكشاف الطريق

