(ترفع إلى مجد الهجرة وفجر الإسلام)
في هَدْأَةِ الكونِ وَصَمتِ الورى ... قامَ يُوالي في الظلام اللُّحونْ
يدعو لشكرِ اللهِ صَرعى الكرى ... والناسُ في أحلامِهم مُغرِقون
يا مُنشداً في السَّحَرِ الرائقِ ... رَدَّد عليَّ النَّغماتِ العِذابْ
لعلَّها تَفْثأُ عن خافِقي ... بَرْحَ العوادي وَمُمِضَّ العذاب
مؤذَّنَ الفجرِ عداك الأذى ... أصّمنا عنكَ غرورُ الحياهْ
أسمَعْتَ لو يَسمعُ أهلُ البِلى ... فكَفْكِفِ الدَّمعَ وناجِ الإِله
سبَّ فإن الكونَ تحتَ الحَلَكْ ... سبَّحَ للهِ وأبدَى الخشوعْ
وابعَثْ أغاريدَكَ تشْجي الفَلَكْ ... وإن أثارَت في شؤوني الدموع
وارَحمتاَ للناس وارحَمتاَهْ ... من عَبَثِ الدنيا ومن شرِّها
ضلوا مع اليقَظَةِ كَُنْهَ الحياة ... فساَءلوا الأحلاَم عن سرِّها
تعدو على الفجرِ عوادِي الدُّجونْ ... والفجرُ من بعدِ الدُّجى يسطَعُ
والناسُ في ليْلِ الُمنى مُدْلِجُون ... يَرجونَ فجراً وهو لا يَطلُع
هل نحنُ في الدنيا سِوى قافِلة ... تَعبُرُ في الليلِ صَحارَى الحياةْ
تمضي كهذي الأنجم الآفِلةْ ... من قبلِ أن يبَلغَ فردُ مناه
تَخُطّ في الرَّملِ رسومَ اُْلخطى ... وتملا الجوَّ برَجْعِ الحُداءْ
فتَطمِسُ الرَّيحُ خُطوطَ السُّرى ... ويُطفيُّ الضَّجَّةَ رَحْبُ الفضَاءْ
يا فجرُ إني قد أطَلتُ النَظَرْ ... في الكوكبِ المضطربِ الساهمِ
وقلتُ عَلَّي اسْتَشِفُّ القَدَرْ ... وراَء هذا الأُفقِ الحالمِ
حَدَّقتُ! لكن ما عسى أن أرى ... والبصرُ الظامئُ في الافْقِ تاهْ
كونٌ هَنيءٌ في خِضَمَّ الكَرَى ... يَحلُم مَغموراً بَعطْفِ الإلهْ
لا هُمَّ أغراني وهاجَ الخيالْ ... تثاؤُبُ الأكوانِ بعدَ الرُّقادْ
ربّاه، ربّاه، أفضتَ الجمالْ ... حتى ازدَهى الحيُّ ورَفَّ الجمادْ
في كلَّ ما نُبْصِرُه نَفْحَةٌ ... من حُسنِكَ الضافي ومن لُطفِكا
ربَّ وفي كلَّ صدَى نَغْمةٌ ... تَشْدو بآلائِكَ أو عطْفِكا
ربَّ تجلَّيتَ لأرْوَاحِناَ ... في ثَبَجِ الدَوَّ وشُمَّ الجبالْ
وفي مآسينا وأفراحِنا ... وبَسْمَةِ الفجْرِ وَصَمتِ اللّياليْ
وفي اصطِخَابِ الَمْوجِ إذ يَصْطَخِب ... وفي سكونِ اليَّم إذ يسكُنُ
وفي هزيمِ الرّعد إما غضِبْ ... وفي نُوَاحِ الطيرِ إذْ تَحْزَنُ
والقرْيةِ الهادئةِ الحالِمَهْ ... والرَوْضةِ الفَوّاحةِ الناضِرَهْ
والليلةِ المقمِرَةِ الباسِمهْ ... والأنجُمِ البرَّاقةِ الحائرَه
لا هُمَّ إن السكوْنَ ذا مَعْبَدُكْ ... أرْنُو فلا أُبصرُ فيه سِواك
وكلُّه ألْسِنَةٌ تَحْمَدُكْ ... تَشدو بما يَغْمُرُها من نَداكْ
وارَحمنا رَبَّ لمن لا يراكْ ... هَل يَعرِفُ السلوَى تُرَى قلبُه؟
ما حالُه إن طوَّقَتْه الشَّرَاك ... وآدَهُ من دَهرِهِ خَطبُه؟
يا زَوْرَقَ الأكوانِ فِضْ بالمُنى ... واجرِ رُخاءً في خِضَمَّ الأبد
واعزِفْ بِمِجْدَافِكَ لحنَ الهنَا ... بين رُؤَى الأمسِ وآمالِ غَدْ
سِرْ آمِناً في لُجَّهِ حالَمِا ... فإن رُبَّانَكَ جَمُّ الحَنانْ
قد وسِعت رَحمتُ العالَما ... مُذ أبدعَ الكَوْن وأجرى الزمان
يا رَوْعةَ الفجرِ أطَلتِ السكون ... تحتَ الدياجي وأطَلتِ الوُجومْ
فزَحْزحي عن منْكَبَيْكِ الدّجونْ ... فقد نَزَتْ فيَّ خَوابي الهموم
غَشَّت على عينيَّ سُحْب الضَّجَرْ ... حتى كأني أبداً في ظلَمْ
مِنْ أين تأْتينَيَ سُحْب الضَّجرْ ... حتى كأني أبداً في ظلَمْ
مِنْ أين تأْتينيَ سُودُ الفِكرْ؟ ... من أينَ يَنْصَبُّ عليَّ الأَلم؟
ما حيلتي والقلب مُستعبِرُ ... جمُّ الأسى حَفَّ بهِ غَيْهب
أرجو له البِشْرَ فلا يَحْبَرُ ... وأنشُد السلوى فلا يَطْرَبُ
ربَّاه قد أضنى فؤادي الأسى ... وآن للجاهِدِ أم يستريح
أكلما افترَّتْ زُهور المنى ... طاحت بها في حَوْمةِ اليأسِ رِيح
ربَّاه كم نُؤْتُ بما أحمِلُ ... وكنت يا ربَّ مَناطَ الرجاءْ
رباه لولا عطفُكَ الُمسبَلُ ... ما ساغَ لي طولَ حياتي عزاء
لا همَّ أفعَمتَ الدُّنا بالضياءْ ... وانجابَ عنها ليلُها الأغبَرُ
فاسكُب على قلبيَ نورَ الرَّجاء ... من قبْلِ أن يَطوِيَه المَقبَرُ
(دمشق)

