كان للكلمة الموجزة التي كتبناها عن مصير طرابلس الغرب تحت حكم الدوتشي (حامي الإسلام!) صدى قوي في البلاد العربية فثارت النفوس بالاستنكار، وتحركت الألسن بالاحتجاج، وتردد ذلك كله في الصحف الحرة اليقظى، وسنقتطف منها نبذاً تدل على قوة الوحدة الشعورية في الأقطار العربية:
قالت جريدة (الرأي العام) العراقية تحت عنوان (طرابلس - برقة ضحية الاستعمار الإيطالي) بعد أن نشرت قرار المجلس الفاشستي بضم طرابلس الغرب إلى إيطاليا:
(إننا نقف موقف المتفرج على ما يراد بقوم هم من العروبة في الصميم، وقد كتبوا صفحات نضالهم ضد القوة الاستعمارية الغاشمة بدمائهم الكريمة، فأية غضبة أعلناها في سبيل طرابلس الغرب العربية وهي تتمزق إرباً؟ وأية مظاهرة قمنا بها لنعلن سخطنا ولو بالمظاهرات على هذه الهمجية التي تفرضها دولة مستعمرة هي من ألد أعداء العرب على قطر عربي استنجد بنا ألف مرة ومرة وناشدنا النجدة والمعونة؟
لحد هذا اليوم نخلع على بعض رجالات العرب صفات البطولة لمواقف مجيدة كانت لهم ضد الاستعمار الإيطالي أيام الدولة العثمانية غير العربية، أفلا يكون شيء من ذلك أثناء وجود دول عربية ذات مركز قوي إن لم تتمكن من حشد الجيوش وجمع الجموع فهي غير عاجزة عن رفع صوتها وإعلان احتجاجها على الأقل؟ أو يعيش رجال من العرب على حساب البطولة (العربية) في أيام العهد (العثماني) غير العربي وهم أتباع، بينما لا تكون لهم تلك البطولة عينها أو بعضها وهم سادة وزعماء في بلدان عربية منبعثة من جديد؟ وما معنى هذا؟ وأية قومية عربية هذه؟
لا مفهوم للوحدة العربية التي نتغنى بها إذا كانت طرابلس الغرب أول ضحايا الاستعمار الوحشي من البلدان العربية لا مدلول لها في منطق (الوحدة) ولا يعنينا أمرها بشيء، ولا تهزنا مأساتها الدامية. لا مفهوم للوحدة العربية ما دمنا لا نهاجم المستعمرين والمفترسين البلدان العربية على حد سواء. إن هذا الأمر بعيد جداً عن الوحدة بل عن الوطنية (ما دمنا نقول بوطن واحد عربي) بل بعيد عن صفات العروبة ومزاياها. وقالت في موضع آخر:
في جزء غال من أجزاء الوطن العربي المقدس يعيش شعب عربي أبي في بحران من الظلم الفادح والاستبداد العنيف. شعب أعزل من كل شيء غير قوة الإيمان، شعب فقد كل شيء غير الشرف، لا يزال يقاوم الخطر الذي يكتسحه، ويرد عن العروبة الداهية التي تدهمها، شعب من هذا الطراز يعتقد أن على العرب واجباً نحوه يجب أن يؤدوه، وفرضاً له يجب أن يقضوه
إن تأييد الشعب العربي الطرابلسي البرقوي في نضاله ضد الاستعمار الإيطالي الفاشستي أمر محتم على كل عربي يتألم لألم إخوانه العرب ويخشى المصير الذي صاروا إليه، لأن عطف العالم العربي على المناضلين الطرابلسيين وتأييده لهم يزيدهم قوة فوق قوتهم وإيماناً على إيمانهم
ويفهم في الوقت نفسه المستعمرين أن قضية الطرابلسيين هي قضية العرب أجمعين، وأن على الذي يريد صداقة العرب أن يصادق إخوانهم الطرابلسيين لا أن يتزلف إليهم بيد ويبطش بالأخرى بإخوانهم. . .
