الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 40الرجوع إلى "الرسالة"

اخوان الصفا والاسماعيلية

Share

يقول كازنوفا المستشرق الفرنسى الكبير ما معناه:

(إنني على أتم الثقة من أراء أخوان الصفا هى برمتها أراء  الإسماعيلية. ومحور هذه الآراء هو الاعتقاد بعودة الإمام الذى  سوف يملأ الأرض سعادة، وقدراتهم القرامطة والحشاشون من قبل  أعدائهم بالكفر، لكن ليس لهذه التهمة ظل من الحقيقة. فان  الرسالة الجامعة (١) ، وهى خلاصة هذه الفرق، ليس فيها شيء من  ذلك. فمذهب الإسماعيلية وما تفرع منه هى فى اصلها بريئة من كل  ما نسب أليها، واكرر القول هنا بأن النزعة التي تسود أراء  الإسماعيلية هي الاعتقاد بوحدة الكون (البانتيزم) . وهو مذهب  يقاوم الإلحاد وإنكار الخالق مقاومة عنيفة.

(والنتيجة التي انتهيت إليها هى أن هذه المذاهب هى مثل من  أمثلة التاريخ التي تبين كيف أن المذهب يكون نقيا، ولكن فى أيدي  ذوي الأطماع يصبح آلة للفتك والتدمير) (نيكلسن ص٣٧١)

نقلنا هذه القطعة عن المستشرق الفرنسي لكي نبين أننا لا نسيء  إلى إخوان الصفا إذ ننسبهم إلى الإسماعيلية، ولكن ما هى طبيعة هذه  النسبة وما هو مقدارها ؟ هذا ما يجيب عنه اولياري بقوله (هناك  ما يغري بالظن أن حركة الإخوان حركة إصلاح من جانب  بعض الإسماعيلية الذين أرادوا الرجوع إلى تعاليم الإسماعيلية القديمة (2)  وأول ما يلحظ من أوجه الشبه بين الإسماعيلية وإخوان الصفا  الأسلوب الذى جروا عليه فى نشر دعوتهم والدعاية لمذهبهم وهو

أسلوب الإسماعيلية المعهود - أسلوب التدرج فى بث الفكرة  والتلطف فى عرضها على الناس. فأخوان الصفا كل الإسماعيلية يوصون  (بأنه ينبغي لمن حصلت له هذه الرسائل من إخواننا الكرام أن  يدفع منها إلى كل من يستحق ما يقرب من فهمه، وما يعلم انه يصلح  له أو يليق بمرتبته أولا فأولا. فكلما ارتفعت نفسه فى العالم إلى  درجة درجة وانتهت إلى مرتبة مرتبة فى المعرفة رقي إلى ما بعدها  ورفع إلى ما يتلوها (ج ٤ ص٢٨٨) .

ومن أبوب التشابه بين الجماعتين اتفاقهما اتفاقا كليا فى مذهب  الحلول. فهو فى رسائل الإخوان كما فى تعاليم الإسماعيلية المحور الذى  تدور حوله هذه الرسائل والتعاليم (١)

ووجه آخر من اوجه التشابه هو تفسير القرآن تفسيرا غير  ما يدل عليه ظاهر اللفظ. وهذا الأسلوب هو أسلوب الباطن الذى  جرى عليه الشيعة ومن تفرع منهم. واليك ما يقوله وان الصفا  فى هذا الشأن: -

(واعلم أن للكتب الإلهية تنزيلات ظاهرة وهى الألفاظ  المقروءة المسموعة، ولكن لها تأويلات خفية باطنة: وهى المعاني  المفهومة المعقولة ... وفي استعمال أحكامها الظاهرة صلاح  للمستعجلين فى دنياهم، وفي معرفتهم أسرارها الخفية صلاح لهم  فى أمر معادهم.) (ج٤ ص١٨٩).

هذه بعض اوجه الشبه بين الإسماعيلية وإخوان الصفا من حيث  المعتقد وطرائق النشر والدعاية. على أن ثمة وجهين آخرين  للشبه بينهما: هما التشيع لآل البيت والدعوة إلى الإمام المنتظر  أو المهدي. أما أمر التشييع فظاهر من قولهم: -

(ومن الناس طائفة ينسبون إلينا أجسادهم وهم براء منا ويسمون  أنفسهم العلوية وما هم من العلويين، ولكنهم فى اسفل السافلين  لا يعرفون من امرنا إلا نسبة الاجساد، ولا من القرآن إلا اسمه،  ولا من الإسلام إلا رسمه (ج٤ ص١٩٥). وهم لا يذكرون  الإمام إلا مقرونا بأفخم النعوت كقولهم (وأيضا من الآراء  الفاسدة رأي من يرى أن بارئه وألاهه روح القدس قتله اليهود ..

وهكذا ايضا حكم من يرى ويعتقد ان الامام المنتظر الفاضل الهادى مختف لا يظهر من خوف المخالفين "( ج ٤ص 76-87)

ومثله قولهم: (واعلم يا أخي أن أقوى ما يكون فعل إبليس فى  دور الشهر (دور الشهر فى مصطلحات الشيعة هو الزمن الذى  لا يكون فيه إمام. وهو الفترة بين الإمام الواحد والذي يليه) .  وذلك لأن حجة الله على أرضه وخليفته على عباده يكون مختفيا  مستورا، وأن كانت أنواره تضيء فى نفوس العارفين به)  (ج٤ ص٣٥٥)

ما تقدم لا يدع مجالا للشك فى تشيع إخوان الصفا وإيمانهم  بالإمام المنتظر. ولكن لنا أن نسأل هل وقف إخوان الصفا عند  حد النظر من الإيمان بالإمام المنتظر أو هم تخطوا ذلك إلى بث  الدعوة له والتعريف به؟ نعتقد أن فى القطعة التالية إيضاحا لذلك  وذلك حيث يقولون :-

(وقد أخذناك أيها الأخ لأمر فيه قربة إلى الله تعالى ونصرة  للدين. فكن واثقا بما اخترناك، وسر على بركة الله وحسن توفيقه،  متوكلا عليه فى نصرته وتأييده إلى أخ من إخواننا الفضلاء، وتلطف  فى الوصول إليه وبشره بما ألقيناه من الأسرار فى شأنه: وعرفه  بان إخوانه الذين وجهوك إليه لهم مجلس يجتمعون فيه يتذاكرون  العلوم ويتحاورون الأسرار. فتذاكروا يوما فيما بينهم من حوادث  الأيام وتغييرات الزمان وما تدل عليه دلائل القرآن من تغيير شرائع  الدين والملل، وتنقل الملك والدول، من أمة إلى أمة ومن بلد إلى بلد،  ومن أهل بيت إلى أهل بيت (1) وقد اعتبرنا بهذه الوجوه التي ذكرناها  حتى عرفنا (صاحب الأمر) بصفاته والسنة والشهر الذى يكون  فيه الحادث (ج٤ ص٢٢٤ - ٢٥)

ما تقدم لا يدع مجالا للريب فى أغراض اخوان الصفا السياسية ، وهي نشر الدعوة واعداد الأفكار لظهور أحد المهديين.

اشترك في نشرتنا البريدية