هذا كتاب كبير يقع في ثلاثة مجلدات تبلغ في مجموعها ما يقرب من ألف وأربعمائة صفحة من القطع الكبير، وهو في وضعه الحالي يعتبر مرجعاً عظيماً للثورة العربية القومية منذ قيامها عقب الانقلاب العثماني ١٩٠٨ إلى الوقت الحاضر.
خشي المؤلف الفاضل الأستاذ أمين سعيد كما ذكر في مقدمة كتابه النفيس أن تنسى الثورة العربية وما تخللها من حركات وما أكتنفها من ملابسات (فتضيع معالمها وتطمس آثارها ويتعذر التأليف فيها فلا يجد الكاتبون العرب في المستقبل سوى رسائل مبعثرة أو مقالات منثورة أو كتب ألفت باللغات الأجنبية وقد وضعها واضعوها لخدمة غاية معينة) .
لذلك تراه يضطلع بهذا العمل على ما فيه من صعوبات؛ فلابد له أن يدعم آراءه بالحجج والبراهين، وأن يسند براهينه بالوثائق والمستندات، وهذا كله مما لا يسهل جمعه وترتيبه. ولكن القارئ حين يتناول هذا السفر الجليل يحس بالدهشة لكثرة ما احتوى عليه من الوثائق والبيانات، هذا إلى ما حواه من الصور المتنوعة للأشخاص والحوادث.
ولقد قسم الأستاذ المؤلف كتابه تقسيماً جيداً فجعل المجلد الأول للنضال بين العرب والترك، يضم حوادث الفترة الممتدة من إعلان الدستور العثماني عام ١٩٠٨ حتى قيام الحكومة الفيصلية في دمشق عام ١٩١٨، وجعل المجلد الثاني لتاريخ الحكومة الفيصلية من قيامها حتى سقوطها؛ ولقد أفرد به جزءاً كبيراً للثورة العراقية الكبرى وأدوارها مبيناً عوامل الثورة ومقدماتها وحروب الإنكليز في العراق والتصادم بينهم وبين الترك وما ترتب على هذا كله مع جلاء الحوادث والاهتمام بالتفاصيل كمن
رآها رأي العين. أما المجلد الثالث فقد جعله لتاريخ القضية في الفترة الممتدة من عام ١٩٢١ إلى عام ١٩٣٤، أورد فيه وصفاً وافياً لتاريخ إمارة شرق الأردن مع شرح القضية الفلسطينية والوطن القومي اليهودي وبيان أخبار الثورة السورية في اتصالها السياسي الداخلي بين السوريين والفرنسيين.
بذلك ترى هذا الكتاب الكبير قد اشتمل على عدة حركات قومية يتوق أبناء الشرق العربي إلى الوقوف عليها. ولعل من أعظم فوائد هذا الكتاب، أنه في طريقته المفصلة التي سار عليها، يعطي القارئ العربي فرصة نادرة ليقارن بين ما يسمعه من أحد أبناء الثورة وبين ما يشيعه عنها خصومها. هذا إلى أنه يكشف عن ناحية من نواحي نهوض الشرق عقب الحرب العظمى مبيناً إلى حد كبير وجهته وآماله
ولقد راعى المؤلف الفاضل في كتابه التسلسل التاريخي للحوادث، وختم كل حلقة بملخص حلل فيه الحوادث تحليلاً مبيناً ما طرأ على القضية من تقدم أو تأخر.
وإني وإن كنت أرى اهتمامه بالتفاصيل الدقيقة وسرده الحوادث الكثيرة المتنوعة أكثر من اهتمامه بالتعليق عليها وبيان مقدمتها ونتائجها، أقرر أن لطريقته هذه في موضوع كهذا متشعب النواحي محاسنها إلى جانب معايبها، فلقد هيأت للقارئ كما قدمت الفرصة ليكون لنفسه حكماً، وذلك خير مما لو اقتصر المؤلف على طائفة من الحوادث واهتم بإيراد رأيه والدفاع عنه، فان القارئ في هذه الحالة وخصوصاً من يجهل تفاصيل المسألة العربية يكون مقيداً برأيه أو على الأقل في شك منه.
وسيرى القارئ العربي في كتاب الأستاذ أمين سعيد كثيراً من مواقف التضحية والبطولة، وكثيراً من مواطن الهول والصراع العنيف مما يجعل للكتاب إلى جانب ناحيته التاريخية، ناحيته الجذابة القوية، فيقبل الأدباء على مطالعته في شغف واهتمام ولذة. وإني لأنتهز هذه الفرصة فأتقدم إلى الأستاذ أمين سعيد بأجمل الثناء على ما تجلى في مؤلفه الجليل من أريحية ووطنية وهو بمثل ذلك من شباب الأمة العربية الخليق.

