قرأت في عدد الرسالة الذي صدر بتاريخ الاثنين ١٣ربيع الأول سنة ١٣٥٣ باباً من القصص الشعري عن (إسلام حمزة) رضي الله عنه وقد وضع هذه القصة واضعها وهو يقصد بها - إن شاء الله - خيراً. إلا أن طريق الخير إلى ما قصد إليه قد التوى به التواء يذهب بكل ما عمد إليه، فانه وضع على لسان الرسول شعراً نزهه الله عنه بقوله (وما عَلَّمناهُ الشِّعرَ وما ينبغي له) ، ثم يلي ذلك أنه قد وضع على لسانه ما لم يقله صلى الله عليه وسلم.
وليعلم صاحب هذه القصة أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول(من كذب علىَّ متعمداً فليتبوَّأ مقعده من النار) ويقول (من حَدَّث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين) . فكيف بصاحبنا وهو ينطق رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لم
يقله، ثم يكون ما أنطقه به من الكلام مصوغاً في القالب الذي نزَّه الله عنه نبيه صلى الله عليه وسلم؟
هذه المسألة مما يريد بعض الناس أن يحتال لها بمنافق الكلام ليستحل ما لا يحل أبداً. وهم يراودون الناس فيها عن عقولهم أولاً ثم عن أيمانهم ثانياً، لينقادوا لهم في الرضا بها والمتابعة عليها... والمسألة لو تناولت أحداً غير صاحب الرسالة لقلنا عسى ولعل .... ولنظرنا في المخرج الذين يتأولونه نظر المنطق، ولكنها تتناول إنسانية وحدها قد جعلها الله بمنزلة فوق منازل سائر البشر، وإن لم تخرج عن منزلة البشر في أعراض الحياة وما يكون فيها وما يأتي منها.
إن إنسانية الأنبياء وحدها هى الانسانية التي أوجب الله على من حضرها من الناس أن يؤمن بها أولاً، ثم يحافظ على رواية سيرتها ثانياً، ثم يحترس ويتدبر فيما ينقل عنها أو يصف منها، لأن نسبة شئ من الأشياء إليها قد يكون مما يتوهم أحد منه وهماً يخرج - فيما يُقبل من أمر الدنيا - بحقيقة الرسالة التي أرسلوا بها عن القانون الإلهي الذي عملوا به ليحققوا كلمة الله التي تعلو أبداً، وتزدهر دائماً، وتبقى على امتداد الزمن روح الحياة البشرية وميزان أمر الناس في هذه الدنيا.
وليس يقال في قصة صاحبنا أو غيرها أن ما أنطق به الرسول لا يتناول تشريعاً أو أدباً أو حكماً، وإنما يتناول الكلام المتعاطي بين الناس فليس به من ثم بأس ... ليس يقال مثل هذا لأن التشريع حين يوضع ويراد به سد أبواب من الشر والفتنة يأتي منعاً مصمتاً لا مدخل فيه ولا ثغر حتى يدفع المخربين والمفسدين والعابثين ويضرب على أيديهم من كل ناحية. ولو كان الأمر على غير ذلك لتناول كل لص مفتاح الباب الذي يريد أن يدخل منه إلى عقول الناس ليستغرهم ويزلزلهم من جنة الأيمان إلى جحيم الإلحاد في الدين من الطريق الخفي الذي لا تبصر فيه العامة ولا تهدي به إلى أرشد أمرها في الحياة.
فنحن هنا نتقدم إلى الأستاذ صاحب القصة بأن يتدبر ما شاء، فهو سيدع ما سلك إلى سبيل أهدى، فإن الأدب الذي له نعمل لم يقتصر ولم يضق حتى ندع ما أحل الله إلى ما نهى عنه، ونترك سبيل الرشاد إلى سبيل تنحدر بنا إلى هاوية لا قرار لها، ولا عاصم منها.

