الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 52الرجوع إلى "الرسالة"

السيد على الببلاوي، المالكي

Share

هو على بن محمد بن احمد المالكي الحسني الادريسي من ببلاو،  قرية تابعة لعمل ديروط الشريف التابعة لمديرية أسيوط، ولد بها  في شهر رجب سنة ١٢٥١ ونشأ بها فحفظ القرآن ومبادىء العلوم  وحضر للأزهر سنة ١٢٦٩ فقرأ به على شيوخ وقته كالشيخ محمد  عليش، والشيخ منصور كساب، والسيد محمد الصاوي، والشيخ  علي مرزوق، والشيخ إبراهيم السنجلفي، والشيخ احمد الإسماعيلي،  والشيخ محمد الانبابي، والشيخ علي بن خليل الأسيوطى، وكان  له به نوع اختصاص في الحضور، وصحب مدة حضوره الشيخ  حسونه النواوي، فكانا يسكنان معاً، ويحضران معاً الدروس  إلا في درس الفقه فإن المترجم كان مالكياً والشيخ حسونه  حنفياً. ولم يزل يجد ويجتهد حتى تأهل للتدريس فدرس بالأزهر  والمسجد الحسيني الكتب المتداولة، وفي سنة ١٢٨٠ سافر للحجاز  فحج، ثم استخدم، بدار الكتب الخديوية بالقاهرة مغيراً، حتى  كانت الثورة العرابية، واتجهت الأنظار لتنصيب المصريين في  المناصب الكبيرة فساعده صديقه ومريده محمود سامي باشا البارودي  على إقامته ناظراً هذه الدار سنة ١٢٩٩ فتمت له نظارتها بعد  ما سعى كثيرون لها فلم يوفقوا.

ثم لما هدأت الأمور وأطفئت الفتنة كان المترجم يتوقع القبض  عليه كما فعل بكثيرين للملم بأنه من صنائع البارودى، ولكن الله  سلمه، ولم يشأ الخديو أذاته لاشتهاره عنده بالصلاح والتقوى  والبعد عن الفتن فاكتفوا بفصله من دار الكتب وجبروا خاطره  بالخطابة في المسجد الحسينى، ثم جعل شيخاً لخدمة هذا المسجد  في ثاني صفر سنة ١٣١١. ولما غضب الخديو على السيد توفيق  البكري نقيب الأشراف وشيخ الطوائف الصوفية وأمره

بالاستقالة من النقابة فاستقال، سعى للمترجم صديقه ورفيقه في  الحضور الشيخ حسونه النواوى، وكان إذ ذاك رئيسا لمجلس إدارة  الأزهر قبيل إقامته شيخاً عليه، فقبل الخديو منه وأقام المترجم نقيبا  للأشراف في ٦ شوال سنة ١٣١٢ فاعتنى بضبط مدخولها وجدد  من أوقافها ست دور بناها بجهة الحلمية، وصار يصرف الاستحقاقات  في أوقاتها، وسئل في رياسة الخدمة بالمسجد الحسيني فقال إن  كانت النقابة تمنعني من خدمة سيدنا الحسين لا أقبلها فأبقي كما كان

وأقام المترجم في النقابة نحو ثماني سنوات يجدد من معالمها،  ويحيي ما درس منها، حتى نقل منها شيخاً إلى الأزهر، وكان  سبب ذلك أن الخديو انحرف عن شيخ الأزهر الشيخ سليم  البشري وانتهى الأمر باستقالته يوم الأحد ٢ ذي الحجة سنة ١٣٢٠، وأراد الخديو إعادة الشيخ حسونه النواوى أو تنصيب  الشيخ محمد بخيت المطيعي فلم يوافق النظار على ذلك، فرشح الشيخ  احمد الرفاعي المالكي وأعلمه بذلك، وكادت تتم له لولا عوارض  اعترضت، ثم سعى الشيخ على يوسف صاحب صحيفة المؤيد ومن  اكبر المقربين من الخديو للشيخ أمين المهدى بن العلامة محمد  المهدي العباسي فرد عليه بأنه لا يصلح لخموله وعدم توليته أموراً  قبل الآن، فأجاب بأنه وان كان كذلك فهو من بيت علم وغنى،  تربى في نعمة فلا تطمح نفسه لشيء مما في الأيدي، وتدربه على  الأمور قريب مدرك فرضي الخديو به، ولكن النظار لم يوافقوه  عليه لأمور نقمها عليه ناظر الحقانية مدة ما أقامه عضواً بالمجلس  الحسبي فحار الخديو وحنق، وطلب دفتر أسماء العلماء فوقع نظره  على أسم المترجم فارتضاه وجنح إلى توليته، ولم يكن قد خطر على بال  أحد، وساعد الشيخ على يوسف على ذلك ليتمكن من رد السيد  محمد توفيق البكري إلى النقابة فتم له الأمر ورضى به النظار وأعيد  البكري إلى النقابة مضافة إلى ما بيده من رياسة الطرق الصوفية  وصدر الأمر في ٢ ذي الحجة بإقالة الشيخ سليم من الأزهر  وتنصيب المترجم، فلما ذهب لشكر الخديو كالعادة استصحب معه  ولده الأصغر السيد محموداً والتمس إقامته شيخاً على المسجد الحسيني  بدله، كما أقيم أخوه الأكبر السيد محمد قبله خطيباً له فقبل ملتمسه  وأجيبت رغبته.

وكان الخديو فى ذلك الحين منحرفاً عن الشيخ محمد عبده مفتى

مصر والعضو بمجلس إدارة الأزهر وصاحب الكلمة العليا فيه،  فكان يظن أن المترجم يوافقه في معاكسة الشيخ ومعارضته وعرقلة  مساعيه، فأخطأ ظنه، لأن المترجم مال للشيخ كل الميل ووافقه  في كل مشروع، واتحد به واندرج فيه حتى لم يكن له من الرياسة  غير رسومها، والكلمة كلمة الفتي، وعوتب في ذلك من أحد  المقربين فاعتذر بأن الرجل لا يريد غير الإصلاح فلا يرى وجهاً  لمعارضته، فكان ذلك سببا لميل الخديو عنه بعد إقباله عليه، وضعف  المفتي عن معاندة الخديو ولم يجد من الإنكليز المساعدة التي كان  يرتكن عليها فعزم على نفض يده من الأزهر، ورأى المترجم أن  الأمور لا تجري على مرغوبه فاستقال من الأزهر يوم الثلاثاء ٩ المحرم سنة ١٣٢٣ فأقيل يوم السبت ١٢ منه وأقيم بدله الشيخ  عبد الرحمن الشربيني الشافعي واستقال أيضا المفتي من مجلس  الإدارة مرغماً.

وأقام بعد ذلك المترجم بداره التي بجهة المناصرة بعد أن رتب  له الخديو خمسة وعشرين ديناراُ مصريا من الأوقاف الخيرية تصرف  له كل شهر، هي مواظبا على كثرة تلاوة القران كعادته، مقبلا على  العبادة حتى ازداد به المرض سنة ١٣٢٣، وتوفاه الله في غروب  يوم الجمعة الثالث من ذي القعدة من تلك السنة فشيعت جنازته  بعد عصر يوم السبت وصلى عليه بالمسجد الحسينى وطيف به حول  المقام كوصيته، ثم دفن بقرافة المجاورين في بستان العلماء رحمه الله  رحمة واسعة. وله من المؤلفات رسالة اسمها الأنوار الحسينية على  رسالة المسلسل الأميرية، ورسالة فيما يتعلق بليلة النصف من شعبان،  ولده السيد محمود تعليق عليها سماه عروس العرفان في الحث على  ترك البدع وشوائب النقصان على الرسالة الببلاوية المتعلقة بليلة  النصف من شعبان.

وأعقب المترجم من الذكور ولدين كبيرهما السيد محمد  الببلاوى سعى له والده حين انفصاله من نظارة دار الكتب فجعل  مغيراً بها ثم جعل وكيلا لها وخطيبا للمسجد الحسينى ونال درجة  العالمية الثانية بالأزهر، ثم جعل بعد ذلك نقيبا للأشراف. والآخر  السيد محمود جعل شيخا للمسجد الحسينى لما أقيم والده شيخا  للأزهر ثم جعل بعد ذلك شيخا للمسجد الزينبى.

اشترك في نشرتنا البريدية