مصطفى السفطي بن مصطفى الفاكهاني السفطي بن علي السفطي أبن احمد شلبي، نسبة إلى سفط القطايا، ولد بمصر القاهرة حوالي سنة ١٢٥٠، وأرسل إلى المكتب في السابعة من سنيه، ثم تنقل من مكتب لآخر حتى حفظ القرآن الكريم، واشتغل بتجويده في الأزهر، ثم شرع في طلب العلم على شيوخ عصره، فقرأ الكفراوي على أحد العلماء المبتدئين في التدريس، فكان يحفظ العبارات ولا يفقه لها معنى، ولما أعيي عليه أمره، وتعذّر عليه إعراب أمثلة من غير هذا الكتاب أعاد قراءته، ولكنه لم يستفد شيئاً. وكان بجوار داره دار السيد احمد البقلي أحد المدرسين بالمدارس، وله ولد أراد أن يقرأ القرآن مع المترجم، فشكا المترجم له من تعسر النحو عليه، فأشار عليه بشراء متن الآجرومية وأمره بحفظه، ثم شرع في إعرابه له على الطريقة الأزهرية، فلم يستفد شيئاً أيضا؛ وشكا من ذلك للشيخ محمد الدمنهوري، فأمره بترك طلب النحو كلية حتى ينسى ما علق بذهنه، ففعل واقتصر على الفقه، فحضر أبن قاسم على الشيخ البيجوري، وكان يتفهمه بخلاف النحو، فمالت نفسه إليه فحضره مرة ثانية على الشيخ فتّوح البيجرمي، ثم مرة ثالثة على الشيخ عبد الرحمن القباني أحد تلاميذ الشيخ فتوح المذكور، وكان يطالعه لإخوانه المبتدئين.
ثم قرأ الكتب المتداولة بالأزهر، ولم تفتر نفسه عن طلب النحو على ما لاقاه فيه من الصعوبة، فصار يتردد على الشيخ محمد الدمنهوري ومعه متن الآجرومية فقط، وصار الشيخ يقول له اقرأ هذه الجملة ثم تفّهم معناها بنفسك ولا تنظر لأقوال الشراح، فيفعل، فتارة كان يخطئ وتارة يصيب، وسهل عليه فهم هذا العلم بهذه الطريقة؛ وكان أحد أصحابه مبتلى بمثل ما ابتلى به،
وأخبره أن عند على افندى العروسي شرحاً للرملي على الآجرومية، فاستعاره منه وتراه معاً، فكانا بفهمان ما فيه فهماً جيداً. ثم اجتمع المترجم بانسان كفيف البصر اسمه الشيخ علي الفيومي، له باع في العربية، فقرأ عليه مع صاحبه كتاب الشيخ خالد والأزهرية، والقطر، وأبن عقيل؛ ثم أعاد المترجم القطر علي الشيخ الشبيني بالأزهر، وقرأ الخطيب على الشيخ الأشمونى عم الشيخ مصطفى المبلّط، وهو آخر حضوره في الفقه. ثم قرأعلوم البلاغة بالأزهر، والعروض مع إعادة البيان بالمطالعة مع بعض تلاميذ رفاعة بك: كقدري باشا وإبراهيم بك مرزوق. وبعد ذلك انتخب مدرساً بالمدرسة التجهيزية سنة ١٢٩٠ في أول نظارة رياض باشا على المعارف، وكانوا إذ ذاك يقرأون بها الأنموذج للزمخشري في النحو؛ ثم كُلف بتأليف رسالة في الصرف ففعل، وقرأها للتلاميذ نحو ثلاث سنوات، ثم اتفق مع بعض المدرسين على تأليف رسائل في البلاغة والصرف بتوسُّع أبسط من الرسالة الأولى، وقرأ بها سنوات، ثم أُمر بقراءة العروض والقوافي في المدارس، فاستحسن رسالة أبي الجيش وأقرأها، ثم وضع رسالة في العروض والقوافي أتم بها ما أراده أبو الجيش، ولكن وقع ما منعه من تقديمها للمدارس، ثم كلف بوضع رسالة في علم الرسم، فوضع رسالته (عنوان النجابة في قواعد الكتابة) وقرئت بالمدارس.
ونقل بعد ذلك للمدرسة الابتدائية المسماة (بالمبتديان)،وكان ذلك سنة ١٣٠٦، فألف بها رسالة بالاشتراك مع غيره في المترادفات، ثم نقل إلى المدرسة السنية الخاصة بتعليم البنات، فبقي بها سنتين ألف فيها رسالته (محاسن الأعمال)، ولما عرضت على المجلس العالي بنظارة المعارف استحسنها أعضاؤه جداً وقالوا: الأولى أن تكون بيد المعلمات لا بيد المتعلمات. ثم أخذت قوته في الوهن، وبصره في الضعف لكبر السن، فعرض استقالته على النظارة مبيناً السبب. فأحيل على الكشف الطبي، ثم أحيل على المعاش. وله من التأليف غير ما تقدم رسالة في الصرف اسمها (قرّة الطرف) أوسع من المتقدمة، وأخرى في النحو وهي (منحة الوهاب في قواعد الإعراب)، وهي نظم. ومن شعره:
الحمد الله لا فقر يضرّ ولا غنى يغرّ فلا حزن ولا فرح
وليس لي مطمع في الناس يلجئني للذم والمدح إن ضنوا وإن سمحوا
وأسأل الله حاجاتي فيمنحني من فضله فوق ما أهوى وأقترح
وله:
قد يسر الله أسباب المعاش لنا بالعقل والرزق موقوف على القسم
ليعلم العبد أن الله يرزق من يشاء بالفضل لا بالسعي والهمم
فيطلب الرزق بالأسباب معتمداً على الذي أوجد الأشياء من عدم
ولا يخاف ولا يرجو سواه ولا يحيد عن منهج الأحكام والحكم
وكان رحمه الله طيب الخلق، حسن المعاشرة، اعتكف في داره بعد فصله من المدارس على الاشتغال بالعبادة ومذاكرة العلم مع بعض من يسمر معهم من إخوانه وأخلائه، أو استقلالاً بنفسه، وكان في مبتدأ أمره مولعاً بالسماع، وتشبث بتعلم الموسيقى، فلازم الشيخ محمداً شهاب الدين الشاعر المشهور، وكان متقناً لها، فأخذها عنه وأتقنها، ولكثرة مطالعته لكتب الأدب صارت له ملكة أدبية، ومعرفة بجيد الشعر ونقده. ثم ما زال على هذه الحالة المحمودة حتى أرهقه الكَبر وضعف عن المشي، فلزم داره لا يخرج منها إلاّ لصلاة الجمعة في أقرب مسجد اليه، ومع ذلك فلا يبلغه إلا بمشقة زائدة. وتوفاه الله إلى رحمته في يوم الثلاثاء ٢١ رمضان سنة ١٣٢٧.
