الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد العاشرالرجوع إلى "الرسالة"

الفكر والعالم

Share

يشتمل هذا الكتاب على مجموعة مقالات ( أو دراسات كما يدعوها المؤلف )، ثم قطعة تمثيلية من أربعة فصول . فهو اذن كتابان فى كتاب واحد . وسنقصر كلامنا على أولهما .

الفكر والعالم كلمتان عظيمتان تدلان على كل ما فى هذه الخليقة

من مادة وروح . وقد تشك فى ان هذا الكتاب الصغير يحوى بين دفتيه خلاصة الفكر وخلاصة ما فى العالم . فاذا ما قرات هذا الكتاب انقلب الشك يقينا فالكتاب تخدعك بعنوانه الضخم وليس به من عنوانه الا القليل .

ولكنك قد تجد فى الكتاب متعة أقرب الى النفس ، لأنك تتصل بفكر خصب هو فكر المؤلف نفسه وتتصل بعالم حى هو نفس المؤلف ومشاعره . اذ ليس الكتاب سوى صورة ابراهيم المصرى , صورة ميوله و آماله , ومتاعبه وآلامه . وفى الرسالة الأولي من الكتاب - وعنوانها نجوى - يتمثل تفكير المؤلف , و أسلوبه فى الكتابة . استمع اليه وهو يقول :

(. . . نهذب نفوسنا ونصقلها بشتى الأفكار والمعلومات.  وما تزال الحيوانية الكامنة ترتع فى قلوبنا وتستشره. ترق  احساساتنا فى بعض الأحايين، وتخمد أعصابنا ويغفو ذهننا العامل  المجد، ويخيل إلينا أننا بلغنا قمة الحكمة، وسمونا إلى حيث يشترك  العقل البشري بالقوة الإلهية المحركة الأولى.  

وسرعان ما نتصل بالمجتمع , فلس الحقيقة فنكر راجعين والخيبة تملاء جوانحنا , والكمال الروحى يتباعد عنا شيئا فشيئا , حتى يتلاشى بغتة و يغيب عن الأبصار ..

وهكذا تقرأ فى الكتاب صفحات وصفحات من العبارات  المتراصة المشبعة بالصفات والكلمات المؤكدة تنساق فى سلسة  واحدة لتصور لك فى الحقيقة وفي والنهاية أمرا واحدا: الوجه  الشاحب، قد أحاطت الغضون فيه بالفم والجبين قبل الأوان.  وذلك الشعر الغزير الكثيف الذى وخطه الشيب على رغم  الشباب. وتينك العينين المتعبتين من أثر الإسراف فى القراءة تغطيهما  عدستان قويتان. تلك هى الصورة التى تبرز لك من خلال مطالعة  الكتاب: صورة إبراهيم المصري وهو يجاهد فى مضمار الحياة  تطحنه المادة، ولكن ذهنه المستنير يأبى إلا أن ينتصر، وأن يحطم  الجسم فى هذا السبيل. . . (فلتنزل بي الطبيعة أشد كوارثها ولتغمرني  فى الفقر والمرض حتى مغرقي، ولتمنحني جزءا من فضيلة واحدة، ثم لتفعم  نفسي بما شاءت من رذائل وآثام. . . فأنا راض. راض بالنقص الذى  لا اعتبره نقصا. انه قوتي. وإنما الكون قد أوجدني لأسعى إلى الكمال لا لأبلغه ).  

وهكذا تلمح فى هذه الصفحات النفس الثائرة الطامحة , يحدوها الرجاء حينا ويردها اليأس أحيانا ، ولكنها لا ترتد ولا تنهزم . ويتابع الأستاذ ابراهيم المصرى هذا الاسلوب , في رسائله

الأخرى، حين يعطينا صورا لحياة عظماء عرفوا الشقاء وعرفوا  الياس، ولكنهم ظلوا يعملون فى عزيمة وصبر، كي يضيفوا إلى  تراث الإنسانية شيئا خالدا. . . فهو يتكلم عن بروست وبودلير  وميكائيل انجلو، وبيرون، مصورا لك حياتهم أو جانب منها،  تصويرا دقيقا هو خلاصة لاطلاع واسع.  (ميم)

لم يستطيع صديقي (ميم) الذى كلفته نقد (الفكر والعالم)  أن يطالع وينقد القطعة التمثيلية، التى تحتل النصف الثاني من  الكتاب. وليس هنا مقام الأسف على الظروف التى اضطرت  المؤلف أن يطبع الكتابين فى كتاب واحد، وألا يستطيع أن  يبرزهما للقراء فى شكل جميل يليق بكل منهما. أما الرواية التمثيلية  (نحو النور) فهي مشبعة بنفس الروح التى تبدو لنا خلال الرسائل  فهي تمثل لنا رجلا نابغا شريف النفس ينشد الإصلاح بقوة  وبعزم، وقد تألب عليه كل ما يمكن أن يعترض سبيل المصلحين من  كوارث ونكبات، فمن فقر مدقع، إلى نفس أبية مسرفة فى الإباء،  إلى زوجة لا تفهم زوجها بل تخونه وتندفع فى خيانته، إلى مجتمع  جاهل فاسد يضطهده ويعنيه. كالمريض الذى يجمع كل ما لديه من  قوة لكي يقتل الطبيب الذى جاء لعلاجه.

تلك هى الصورة الجليلة التى أراد المصري أن يبرزها لنا فى  شخص (محسن) ، ولئن كانت الصورة التى رسمها المؤلف لا تنهض  تماما إلى مستوى الموضوع الجليل الذى يعالجه. فأنها مع ذلك  محاولة قيمة، وإنا لنرجو أن يعود الأستاذ لمعالجة هذا الموضوع  الخطير مرة أخرى. بعد أن ترسخ قدميه فى فن الكتابة المسرحي  فإن الموضوع جليل حقا. ويمكن أن يعالج عدة مرار من نواح شتى.  م. ع. م

وقال ثالث : ما تتطرفشى يا معلم فى السماء لحسن عزرائيل يشوفك

وغير ذلك مما تقهقه له الجماهير ولا يكاد الفرد يبتسم له وكررت المرأة . انا بأقول ارجع يابولص . فلم يكن بذلك من اثر سوى اسراف الناس فى الضحك

قيد الحاوى بولص بالسلاسل والأغلال وأقفل الصندوق بالاقفال والحبال ووقف عليه واكفهر وجهه ووقف شعر رأسه وتمتم و همهم وحضرت الجن وتصاعد البخار الأحمر فنزل عن الصندوق وفتحه فوجده فارغا كما يجب . حدث ذلك طبعا بين قهقهة الناس وهتافهم

وأقفل سفروت الصندوق ثانية الخ . حتى نزل الدخان الاحمر من سقف المسرح , فرفع الغطاء ولكن بولس لم يرجع اليه ! ارتبك الحاوى وأقفل على عجل قائلا لنفسه " ربما لم اعطه لزمن الكاف " وشغل المتفرجين بلعبة أخرى بسيطة برهة ما , ثم فتح الصندوق ثانية ولكن الصندوق بقي فارغا

أدركت النظارة عدم وجود بولص فارتفع همسهم الى ضجيج وتساءل البعض صائحا .. فين المعلم بولص ...؟ اوعه ليكون اتخنق الرجل فى الصندوق الخ الخ .

فتحدث اليهم سفروت بحضور ذهنه المعتاد عن صعوبة رجوع بعض الأجسام من اللامادة الى المادة , وخصوصا أجسام أهل الصعيد , حتى اذا استوثق انه اعطى الرجل ما يكفى من لوقت فتح الصندوق ثالثة ولكن بغير جدوى !!

لغظ الناس وهاجوا وتساق الشباب منهم يفحصون الصندوق ويعبثون بادوات الحاوى , الذى اسرع الى تحت المسرح يبحث عن بولص بغير نتيجة , وعلم مدير الفندق أيضا بالخبر فجزع وأرسل ورجاله يبحثون

و لما رجع سفروت الى الردهة اندفعت اليه المرآة ذات الحبرة السوداء اندفاع الأعاصير في أمشير وقد بلغ منها الغضب أشده . - ازاي يعني تأخذ راجل طويل عريض تحويه ! هى الدنيا سايبه والا ايه ؟! مسخرة وقلة ادب !! - ياستى بس اهدى شوية دلوقت يبان - يبان ؟ انا عاوزة جوزى دلوقت حالا - هو انا كنت قلت له تعالى , ماهو هو اللى جه من نفسه - ابدا انت حويته , انت راجل متختشيش ( البقية فى العدد القادم ) م . م م

اشترك في نشرتنا البريدية