إن استعمال الموجات القصيرة في الاتصال بواسطاة الراديو ليست جديدة علي، فقد خصصت لها جزءاً بيراً من تجاربي، وصرفت فيها تفكيراً طويلاً منذ ثمانية وثلاثين عاماً. ففي سنة ١٨٩٦ أفهمت مهندسي محطات الأذاعة أن الأمواج التي طولها ثلاثون سنتيمتراً يمكن إرسالها بغير انقطاع في حيز مليون من الكيلوسكلات
وفي هذا العهد، بعد البحث والتجارب الطويلة التي قمت بها وقام بها غيري ممن عاصروني، نجحنا في استعمال تلك الموجات القصيرة حتى وصلنا إلى إرسالها إلى مسافة تقرب من عشرة آلاف متر
وأما من جهة النتائج التي وصلت إليها بين سنتي ١٩١٩ ١٩٢٤ في استعمال موجات ذات أطوال تتراوح بين مائة وستة أمتار فقد حملتني على التخلي عن الطريقة الامبراطولاية الموضوعة على أساس الموجات والأستعاضة عنها بمحطات ماركوني الأصدارية التي تستعمل الموجات القصيلاة المتتابعة، وذلك في الجقيقة هو الذي أدى إلى الانقلاب الحالي في الأعمال التليفونية والتلغرافية باستعمال تلك للموجات القصيرة التي تندفع الى مدى بعيد، ولقد كان لهذه النتائج أثر كبير في نفسي دفعني الى الاهتمام بهذه الموجات
واما الموجات الكهربائية الممغطسة الت يقارب طولها المتر، فلنا أن نعبر عنها بالموجات المرئية، لأن الأتصال بوساطتها ضرب من المحال، إلا إذ تلاقت نهايات دائرة الاتصال كلها في نقطة واحدة، وعنئذ تكون الفائدة المنتظرة قد نمت بتمام هذا الشرط الأخير
وقد نبهتنى بجاربى الكثيرة الا أحدد شيئا أساسه الفرض او الحساب النظري , لأن ذلك كما نعلم مبنى على جهل بمعرفة العواملالمسيبة ؛ وعلى العكس من ذلك وعلى رغم تكهنى بما ينافى الشرط , فانتى دائب البحث فى نواح اخرى ولو ظهرت
فى صعوبات كثيرة فى أول الأمر .
ولقد كان ذلك متد ثمانية عشر شهرا على وجه التقريب عند ماصح عربى على ان تستفيد من ابحاثى القياسية في صفات هذه الموجات القصيرة , وقد حصلت فى النهاية على نتائج ملموسة يوفر إدراكها معرفة ما يأتى :
(١) الأبعاد القصيرة للمرسل L'emetteur ' والمستقبل ' le recepteur والعاكس le réflecteur لنشر كمية كبيرة من القوى الكهربائية والحصول عليها
(٢) معاكسة الأضواء الضعيفة المسببة عن اهتزازات الكهربائية الطبيعبة عند الاضطرابات الجوبة
ولي أن أجزم بأن الأشياء الممكنة في ذها الموضوع قد وسعت نطاق البحث في الموجات الكهربائية التي لم توضع بعد غلى بساط التجربة، والتي فسحت المجال لتطبيق هذه الموجات في الاتصال عن طريق الراديو
والاستعمال الدائم العملي للموجات القصيرة التي تكون حلقة متصلة بين الفاتيكان وقشتالة وجوندلفو لأكبر شاهد، كما أعتقد، يجعلنا نتفاءل بما ستحرزه هذه الطريقة الجديدة من النفع، وما ستوفره لنا في المستقبل، غذا ما أبعدنا الاضطرابات الكهربائية الاخرى
وخير مكان يقع فيه تطبيق هذه النظرية هو ربط الجزر ببعضها ببعض، أو بعضها بالقارات، أو ربط الجهات المختلفة بعضها بالأخرى، على شريطة ألا تكون هذه الجهات بعيدة عن بعضها كل البعد
وتمتاز هذه الطريقة الأخيرة بعدم تأثرها بالضباب، إذ هي أكثر ضماناً وأوفر أماناً، وخاصة من ناحية الاحكام الكامل الذي يمكن الاعتماد عليه كلية في تحديد الجهات تحديداً دقيقاً، ومع ذلك فمن العبث الآن أن نقول الكلمة الأخيرة عن تحديد مدى الاذاعة بوساطة هذه الموجات القصيرة
وظهر لنا أخيرا أن من الممكن الاذاعة بين جهات مختلفة متباينة تباينا لا يكاد يصدقه العقل , فى مساحة تقارب نصف المعمورة . وأيذكر الآن تماما ذلك العهد الذى وصلت فيه إلى إرسال واستقبال موجات كهربائية بين شواطئ المحيط الاطلانطيقى المختلفة ، وكان ذلك عام ١٩٠١ ذلك العهد الذى كان يعتقد فيه الرياضيون إن الاتصال بهذه الطريقة لايمكن ان يصل مداه الى أكثر من مائة وسبعين ميلا , وفى كل الحالات السابقة الذ كر قامت الطريقة الجديدة مقام الاشارات المرئية المضيئة فى كل وتطبيقاتها على الوجه الأكمل ، إذ حققت هذه الطريقة منافع عظيمة بين المحطات البعيدة وبين الحصون المتاخمة للحدود , وخاصة فى الحالات التى يصعب فيها وضع أسلاك التليفونات وصيانتها إذا استثنينا الا كلاف الباهظة التى تتكلفها هذه الأسلاك
ويدخل هذه الطريقة فى أعمال كثيرة جديرة بعثايتنا , منها إصدار الأخبار والتلفزيون . ودرس ميدان هذه الأمواج التي لم تخرج بعد إلى حيز الوجود يتطلب , كما يبدو لي , إنشاء وسائل جديدة , وإدخال اصلاحات كبيرة على الأجهزة الحالية

