آخذ الرسالة بيدي، وأفتح عيني على أسماء كتابها، فأفرح كلما وقعت على اسم قام بيني وبينه شيء من التفاهم الروحي، وهذا التفاهم هو الذى يدفعني - فى كل رسالة - إلى النظر لهذا الاسم، والتحري عنه بين الأسماء. فإذا لم أجده غلب على نفسي شيء من المرارة، لأنني أحببت هذا الاسم وأحب أن أراه فى كل رسالة. بين هذه الأسماء - اسم الأستاذ زكي نجيب محمود - الذى خص الرسالة بصفحات لامعة من تاريخ الفلسفة الفكرية، وقرب كثيرا من أبعادها، وحلل كثيرا من مذاهب أصحابها. وهذه المقالات سدت فراغا كبيرا فى الأدب العربي، وعرفت أهله بأقطاب الفلسفة الغربية بصور واضحة بليغة، هى أوجز ما تكون سطورا، وأملا ما تكون أفكارا.
هذا الاسم أطرب له، وأهفو إليه كلما وقعت عليه، ويستولي على شيء من الخيبة إذا لم أجده بين الأسماء. لأنه أصبح عزيزا علي، لا أريد ان يغيب عني، مهما كانت عوامل هذا الغياب. إنني أعجبت - بمقالاته الفلسفية - كما أعجب بها كثيرون، وقد رأيت أن هذه المقالات قد تكون أكثر فائدة لو كان يربط ما بينها وحدة متماسكة متراصة، وأريد من وراء ذلك أن يدرس الكاتب العصور الفلسفية دراسة تنتظم فيها دراسة الأشخاص والأفكار والأيام والعصور - أدبية كانت أو فلسفية - لها تأثيرها فى الأشخاص كما لها تأثيرها فى المذاهب، وخير حل لهذه النقطة - والأمر أمر الكاتب - أن يبدأ بدرس الحركة الفلسفية من بدء نهضتها وثورتها ويأتي على أصحابها ويصف تأثيرهم وتأثير مذاهبهم فى التطور الفكري، مع شيء من المقارنة بين المذاهب المتباينة، ومثل هذا الدرس يجعل - للمقالات - وحدة يفتقر إليها من ود أن يقف وقوفا تاما على تطور الحركة الفلسفية عند الغربيين، وهذه الوحدة هى لازمة - فى اعتقادي - وقد تكون ألزم من الوحدة فى الأدب لان الأدب الحاضر يستطيع أن يحيا إذا قطع كل أواصره مع الأدب القديم، ولكن الفلسفة - ومسائلها الحاضرة هى ذات مسائلها الماضية - يخطئ من يريد أن يتفهم تطورها الحديث قبل أن يقف على تطورها القديم.
وهناك - العدوى الفلسفة - وهم اشد سريانا فى الفلسفة منها فى الادب , فان جيل البارزين واللامعين فى العصر الحاضر اذا حككت مذاهبهم قليلا رأيت فيها كثيرا من مذاهب اساتذتهم اللامعين - فى العصر الماضى - مثل هذه القربى يجب ان تظهر و أن تحلل ، لان قرابة الفلسفة قرابة جامعة بين الفلاسفة هى أشمل من قرابة الادب بين الأدباء . هذه كلمة يتقبلها الاستاذ الاديب ممن لايحمل له الا المحبة والاخلاص دير الزور
