(تابع)
مليزاند - بل يتحدث الى فى بعض الأوقات: إنه لا يحبنى وقد قرأت فى عينيه. ولكنه يبادلنى الحديث حين يقابلنى فى طريقه جولو - لا تحقدى عليه يا ميلزاند: إن فى طبعه بعض الشذوذ والغرابة ... سيغير الزمن هذا الطبع ... إنه فى معية الصبا وزهرة العمر ... مليزاند - ليس هذا اياه ...
جولو إذن ماذا؟ أتعجزين عن رياضة نفسك على السكون الى الحياة التى نحياها فى هذا القصر؟! حقا انه عتيق معتم يخيم عليه سكون رهيب، والطبيعة حوله حزينة صامتة، والغابات الكثيفة تحجب عنه نور السماء، ولكن الأنسان يستطيع بالأرادة الحسنة أن يألفه ويطمئن اليه .. (1) اهتبلى كل فرصة لأدخال الانس على نفسك وابتهجى بالحياة كما هى .. تكلمى وأفصحى عن رغبتك. سأسير على حكمك وأقف عند مشيئتك
مليزاند -انى لم أر قط السماء صافية ... لقد رأيتها لأول مرة فى هذا الصباح
جولو - أهذا هو الذى أبكاك يا زوجى العزيزة؟! أتستخرطين فى البكاء لأنك لا ترين السماء؟! كيف ذلك؟! لست فى العمر الذى يبكى الأنسان فيه على مثل هذه الأشياء التافهة ... جاء الصيف أو كاد، وسترين السماء فى كل يوم ... وفى العام المقبل ... هاتى يدك ... أعطنى يديك الصغيرتين (يمسك يديها) أوه انهما صغيرتان أستطيع سحقهما كما أسحق الأزهار الرقيقة ... آه! أين الخاتم الذى أعطيتك اياه؟
مليزاند- الخاتم؟ جولو- نعم. خاتم العرس أين هو؟ مليزاند- اعتقد .. أعتقد أنه سقط جولو- سقط؟: أين؟ هل فقد؟ مليزاند- لقد وقع .. ولكنى أعرف أين هو جولو- أين؟ مليزاند- أتعرف الكهف القائم على شاطئ البحر؟ جولو- نعم أعرفه حق المعرفة
مليزاند- الخاتم فيه ... لابد أن يكون هناك ... نعم أذكر أذكر الآن كل شىء. ذهبت اليه فى هذا الصباح لأجمع بعض القواقع لاينيولد الصغير ... فى الكهف منها أنواع ذات شكل وجمال .. وأثناء ذلك انزلق الخاتم على أصبعى ووقع فى البحر ... وحان وقت رجوعي الى القصر فغادرت الكهف قبل أن أجد الخاتم
جولو- هل توقنين أنه حيث تقولين؟ مليزاند- نعم. نعم. شعرت به وهو ينزلق جولو- يجب أن تذهبى الى الكهف للبحث عنه فى الحال مليزاند- آوه! الآن؟ وفى الحال؟! ألا ترى الظلام الحالك؟!
جولو- اذهبي فى الحال وفى هذا الظلام الحالك. أحب الى أن أفقد كل ما عندى من أن أفقد هذا الخاتم! انك لا تعرفين قيمته ولا تدرين من أين جاء ... سيعلو البحر الليلة ويبلغ جدار الكهف ثم يستحوذ على الخاتم دونك ... أسرعى
مليزاند- لا أجرؤ ... لا أجرؤ على الذهاب وحدى جولو- اذهبي ... اسصتحبى معك أى انسان ... أسرعى ... تقدمى الى بلياس أن يصحبك
مليزاند- بلياس؟! أأذهب إلى الكهف مع بلياس؟! ولكنه لن يقبل ... جولو- سيعمل كل ما تسألين إياه. إنى أعرف بلياس أحسن منك، اذهبى واسرعى. لن أنام حتى استرد الخاتم مليزاند- آوه! لست سعيدة! ما أعظم شقائى! (تخرج باكية)
المنظر الثالث:
(أمام كهف. يدخل بلياس ومليزاند)
بلياس- (يتكلم وهو مضطرب الأعصاب إلى حد كبير) نعم. إنه هنا. لقد بلغنا غاية السرى. الظلام حالك يحجب عن عن الابصار مدخل الكهف، وكأنى به قطعة من الليل البهيم. والنجوم لا تطل على هذه الناحية المتلفعة بالظلمة الداجية. فلننتظر حتى يمزق القمر عن نفسه ستر هذا السحاب الكثيف، وينير الكهف بأشعته الباسمة، فنستطيع الدخول آمنين. ولا يغرب عن بالك أن من الأمكنة ما هو شديد الخطر، والمستدق ضيق وعمر يقع بين بحيرتين لم يسبر غورهما بشر ... ولم يخطر ببالى أن أحمل معى مشعلا أو سراجا منيرا ... ولكنى أعتقد أننا سنجد على ضوء السماء هدى .. ألم تلجى هذا الكهف يوما؟
مليزاند - كلا بلياس - فلندخل ... يجب أن تملئى عينيك بالمكان الذى
فقدت فيه الخاتم كما قلت له ليتسنى لك وصفه اذا سألك عنه ... ان الكهف كبير فسيح، ورائع بهيج، تموج فيه ظلمات تضرب الى الزرقة بعضها فوق بعض. واذا أشعل انسان فيه مصباحا صغيرا خيل اليه أن القبة مغطاة كالسماء بنجوم وكواكب ... لا ترتعدى هكذا! خلى عنك الخور فليس هنا من خطر، وسنقف فى اللحظة التى يغيب عنا الضوء المنبعث من اليم. ما الذى يفزع جنانك؟ أهو صوت الهواء الضارب فى بطن الكهف؟ أتسمعين عجاج البحر خلفنا؟ كأنى به غير سعيد الليلة! ... آه! ها هو ذا النوء! .. (فى هذه اللحظة ينير القمر مدخل الكهف وجزء من داخله، ويرى فيه ثلاثة شيوخ بيض الشعور فى أسمال بالية، ينامون على الأرض متلاصق ورؤسهم متكئة على صخرة كبيرة)
مليزاند - آه ! بلياس - ماذا جرى ؟ مليزاند - أرى ... أرى ... (ثم تشير بأصبعها الى الفقراء الثلاثة) بلياس - نعم. لقد رأيتهم أنا أيضا مليزاند - هلم نخرج ... لنذهب من هنا،
بلياس - انهم ثلاثة شيوخ نيام استبدت بهم الفاقة .. لماذا فزعوا الى الكهف يستعدون فيه النوم على الألم ؟ بالبلاد قحط ألم ...
مليزاند - تعال معى نغادر هذا المكان! بلياس- سكنى روعك وتكلمى بصوت خافت حتى لا يستيقظ هؤلاء المساكين ... انهم ناعمون فى نوم عميق ... تعالى مليزاند - ... دعنى، أفضل المسير وحدى ... بلياس - سنعود فى يوم آخر ... (يخرجان)
- الفصل الثالث -
المنظر الأول:
(أحد أبراج القصر تطل احدى نوافذه على طريق مستديرة) مليزاند - (فى النافذة تغنى وهى تمشط شعرها المرسل) شعري الطويل بتدلى حتى يصل الى أسفل البرج شعرى ينتظر مقدمك
مسبلا على الحائط طول النهار أقسم بالقديس دانيال وزميله ميشيل بالفديس ميشيل ومثيله القديس روفائيل انى ولدت حقا يوم أحد يوم أحد عند منتصف النهار
(يدخل بلياس من الطريق المستديرة) بلياس- هيه! هيه! مليزاند- من المنادى؟ بلياس- إنى بلياس. . . هأنذا. . . ماذا تفعلين فى النافذة، وأنت تغنين كطير ليس من هذه الناحية؟ مليزاند - أرتب شعرى استعدادا لليل
بلياس- أهو هذا الذى أراه على الحائط؟. . . ظننت انه شعاع من نور ... مليزاند- فتحت النافذة لأن الحر شديد فى البرج ... ما أجمل الجو الليلة! بلياس- أرى فى السماء نجوما كثيرة ... لم أر قط مثل هذا العدد الوفير الذى أراه فى هذا المساء! ولكن مالى لا أرى البدر؟ .. إنه ما يزال مطلا على البحر ... ابتعدى عن الظل يا مليزاند وانحنى قليلا حتى أرى شعرك المحلول (تنحنى مليزاند على النافذة)
(يتبع)
