-١- أيها الشعر (١) أيها الكنز . يا جوهرة العقل . ان عواصف القلب كزوابع البحر لن تستطيع أن تعوق رداءك المتعدد الصبغة عن أن يجمع ألوانه , لكن ما أن يراك السوقة وأنت تلمع فوق جبهة نبيلة حتى تضطرب حواسهم لبربق سناك الناصل في أعينهم , الغامض على افهامهم , فتنطلق ألسنتهم بالنيل منك وقلوبهم تكاد تنخلع من الهلع .
-٢- إنما يخشى حماسة الالهام (٢) ضعاف النفوس . أولئك الذين لا يقوون على الاستقلال بعبئه والصبر على لظاه . وفيم تنكبه (٣) والحياة تضاعفها نيران العاطفة ولكم من قبس الاهى تصيبنا ناره من حين الى حين . تلك هي الشمس وهو الحب وهى الحياة ومع ذلك فهل من أحد يود ان تنطفيء نارها . اننا نعتز بها ونحن ساخطون عليها .
-٣- - لقد - استحقت إلهة الشعر (٣) ابتسامات التهكم وأمارات الاستهتار التي يستثيرها مرآها منذ أن اتجهت ببصرها الى العاهرين فاضطرب مقالها ونزل صدقها منزل الشك وحرم عليها ان تسلم الحكمة وأصبحت اليوم اذا صاحت بعابري الطريق ان أفسحوا أفسح لها السائر فى غير هيبة ولا احترام
-٤- يالك من فتاة لا عفة لها . ياليتك صنت وقارك يا سليلة ارفيوس . اذا ما كنت تذهبين الي حيث لا يليق بك الى الشوارع وملتقى الطرق تنشدين الاغانى بصوتك المختنق المتهدج . اذا ما كنت تلصقين بجانب فمك باقة الشعر اللاذعة كالذبابة , وبجانب عينك الزرقاء معنى الرمز المستهتر .
-٥- لقد سقطت منذ حداثتك . ففى اليونان اسكرك عجوز (٥) بقبلته وكان أول من خلع عنك ثوب كهنوتك ثم أجلسك على فخذيه بين جماعة الشبان , ولايزال على جبينك آثار من غض قبلاته ! وفي ولائم هوراس كنت تغنين وأنت تثملين بالشراب, وجاء فولتير فقادك الى البلاط تحت أبصارنا جميعا .
-6- يالك من قسيسة (٦) خبت نارها . هاهم أعظم الناس خطرا لايضعون على جباههم من تاجك الا بعضه . هاهم تقف أقدامهم وكأنما يتعثرون في خطاياك حتى أنه لمن الاهانة لأحدهم الا يكون الا شاعرا . ينثرون أفكارهم مع رياح المنصة فتدور بها عمياء كالقدر ثم تحملها الى غير مستقر .
-٧- متكبرون متعالون في مواقفهم الكاذبة وأن مادت الارض تحت أقدام أولئك التريبون (2) خطبهم الفانيه تتملق الجماهير التي تلتف حولهم وتصفق لعباراتهم ولئك الجماهير الذين يتجدون باستمرار فى هذه المسارب الضيقة , هؤلاء النظارة لايحملون لأولئك الممثلين السياسيين إلا أزهارا لا رائحة لها وما لها من غد فى أغلب الأحيان .
-8- افقهم تحده جدران صالتهم حيث يقومون بألعابهم الكاذبة والشعب يسمع عن بعد ضوضاء مجادلاتهم ولكنه لاينظر الى تلك الالعاب الا كما ينظر أبناؤه ونساؤه مضطريين الى ذلك الحدث العجب . آلة البخار ذات المائة ذراع .
-9- ترى الفلاح المعتم يسخط عندما يوقف محراته ويترك فلاحته لينتخب ومع ذلك ها هو أحد محامى اليوم قد استقر في أعماق نفسه احتقار ما نصيبه الخلود . ذلك المحامى الذى يشك في خلود النفس
" بقية المنشور على صفحة21" ويعتقد فى خلود أقواله هو (١). أيها الشعر انه يسخر من رموزك الموقره وأنت للمفكرين الحقيقيين موضع الحب الذى لا يفنى .
-١٠- كيف تصان الأفكار العميقة ما لم تتجمع نيرانها في ماستك النقية التى تحفظ سناها المتركز. تلك المرآة الصافية الوهاجة المتينة - بقايا ما يبيد من دول - ذلك الحجر الخالد الذى تعثر به أقدامنا عندما نبحث عن أنقاض المدن الفانية فلا تجد لها من أثر.
-11- أيتها الماسة الفريدة ليضيء شعاعك للعقل الإنساني مواضع خطواته البطيئة المتخلفة. ليضعك الراعي على قمة منزله لكي نستطيع أن نرقب عن بعد الشعوب تطوى سبيلها. لما يصح النهار وما نزال عند أوائل أشعته الفضية التي تسبق بزوغ الفجر وتميز أفق السماء من مستوى الأرض.
-12- ما تكاد الشعوب تفطن لنفسها وسط حشائش العوسج التي نبتت حولها وهي غارقة في سباتها. ها قد أخذت أيديهم المتضافرة تشق سوقها لتضع الجهاز الأول(3) . ما تزال البربرية تمسك أقدامنا فى غمدها. وما يزال رخام الأزمنة الساحقة يعلو إلى ما فوق خواصرنا. ما أشبه كل رجل نشيط بالإله " ترميس(3) ".
-13- على أن روحنا الوثابة تفيض بالنشاط, فلنشق الحجب عن مكنون قواها والمكنون موجود وان توارى عن النظر.للنفوس عالم تجمعت به كنوزها وان لم نستطع لها لمسا. بين أحضان الله تضام الوجود وفى منطقه تركزت حكمة البشر كما تركزت أجسامنا في فضاء الأرض.

