الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 93الرجوع إلى "الرسالة"

بين الشرق والغرب

Share

غَنَّ يا شِعرُ فقد طالَ البكاءُ ... وَتَطَلَّعْناَ إلى بعض العَزاءْ

غَنَّ بالشرق وماضي عِزَّه ... حان أن يُطرِبَنَا هذا الغِناءْ

ًصُغْ من اللَّحْنِ نشيدَ الأمَلِ ... وأهازيجَ الضُّحى المُقْتَبَلِ

هات يا شعرُ أَحاديثَ العلىَ ... لا تَقِفْ عند حَدِثِ الأُوَلِ

عَلِّمِ الأَشبالَ في وثبتِهمْ ... كيف يرقون إلى أوج العلاء

أنشِد الألحانَ للِصُّبح الوليدْ ... واملأ الآفاقَ من هذا النشيدْ

أيقِظِ النوَّامَ من غَفْوَتِهمْ ... وتَرنَّمْ بالأماني من جديد

رَفَّ نورُ الصبح في هام الشجَرْ ... وانجلتْ آياتُه ملء البَصَرْ

وسَرَت في الكون من أنفاسه ... نَفْحَةٌ نمَّتْ بأحلام الزَّهَر

عَرَفتْ رُوحي شَذَا فانْتشَتْ ... ورأى قلبي بها معنى الرَّجاءْ

هِيهِ ما أجمل أطياف الشّفَقْ ... تَتَراءى بَعدَ أن طال الغَسقْ

صورٌ ضاحِكةٌ خافِقَةٌ ... ضَحِكَ القَلبُ إليها وخَفَقْ

لُمَعٌ توحي أحاديثَ الخلودْ ... عن جلال الشرق في صُبح الوجودْ

وعن العِزَّةِ إبَّان الضُّحى ... وبنو الغرب على الذُّل قعودْ

شَدَّ ما تبْهجُني تلك الرُّؤى ... وسَناَ أيامِهاَ الغُرِّ الوضاٍء

هِمْتُ بالشَّرقِ نورِهِ ... وَهَفَتْ نَفْسي لخافي سره

كم ملأتُ العينَ من ألوانه ... واجْتَلَى قلبي الرُّؤَى من سِحْرِهِ

ولكم كان لفكري مَسْرَحاَ ... كلما أَوْحى لشعري أفْصَحاَ

أبعَثُ الغابِرَ من أخبارِه ... نَسَماَتٍ كالصَّباَ أو أرْوَحا

نسماتٍ يهمسُ المجدُ بها ... تلهم الأبناء معنى الكبرياء

خُذْ من النيل حديثَ الغابرينْ ... وتأمَّلْ في القرون الأرْبعينْ

واستَزِدْ دِجْلَةَ من أخبارِه ... عن بنيهِ النابهينَ الأوَّلينْ

ورِدِ الهندَ ففي غاباتها ... وُلِدَ الساحرُِ من آياتها

واهبط الصينَ وَزُرْ مُستْلَهِماً ... مَهْدَ   (كوْ نقُشيوس)  في جنَّاتِها

سوف تلقي الشَّرْق إما جئته ... مَنبتَ الحكمةِ أرْض الحكماء

نشأَ الإيمان في أحضانهِ ... حسبُه ما فاض من إيمانهِ

حسبُه النورُ الذي أطْلعَهُ ... فوق ما قدَّمَ من إحسانهِ

أطلعَ الله الشموسَ النيراتْ ... فجلوا فيه ظلامَ الشُّبُهاَتْ

بلغ الإنسان في أرجائه ... بهدى الخالق أعلى الدَّرَجات

شدَّ ما يبعثُ في نفسي الهدى ... مَهْبطُ الوحي ومهد الأنبياء

آنس النارَ بواديهِ الكليم ... قبساً من جانب الطورِ القديم!

فأراه الله من آياتهِ ... وحباه العلم والرأيَ القويمْ

واجتبي عيسى من الشرق نبياَّ ... فروَى الآياتِ في المهد صبيَّا!

بشَّرَ الناسَ فتيَّا برسولٍ ... يحملُ الحق كتاباً عربيَّا

فَطنَ الدَّهْرُ إلى مقْدمِهِ ... يوم هزَّ الكونَ صوتٌ من حِراءْ!

يا بني الغرب لنا العزُّ التليدْ ... والمعاني الغُرُّ والماضي المجيدْ

لا تقولوا أدبَرَتْ أيامُناَ ... وتباهُونا بناَرٍ وحديدْ

كم رَأينا بينكم من أثَرَهْ ... وشهدنا نارَكم مُستعرةْ

ضَربَ الحرصُ على آذانكم ... وأذاع الشرُّ فيكم نُذرَهْ

كل يوم خبرٌ عن فِتْتنَهٍ ... ينذِرُ الأرضَ جميعاً بالفناءْ!

كم تفاخرتم بعلمٍ وذكاءْ ... وسَخِرتُم من خيال الشعراءْ؟

ضاق وجهُ الأرض عن همتكم ... فتلاقيتم على متن الهواءْ!

ليت شعري هل تبادلتم سلاما ... أم ملأتم جانبَ الجوَّ خصاماً؟

هل أفادَ العِلمُ إلا فِتنهً ... وغروراً يبعث الموت الزؤاماَ؟

حسبكم في الفخر ما أجريتمو ... من دُموع وأرقم من دماءْ!

خبِّروني كم لديكم من أجيرْ ... بات يبكي مثلما يبكي الأسيرْ؟

كم فقير بات يشكو ذِلةً ... وهوانا وهْو بالرفق جدير!

لا ترون العيش إلا نهَمَاَ ... هل عفَفتم أو عرفتم ندَماَ؟

قد تَمشّى السُّقم في وجدانكم ... فرأيتم كل عطفٍ حُلُماَ

أين هذا البغيُ من حرِّيةً ... طالما غازلتموها وإخاءْ!

كم بلونا من أفانين العذابْ ... ورأينا منكمو فتْكَ الذئابْ

كم فضحْنا من طِلاءِ خادع ... فوق ما تخفون من ظفْرٍ ونابْ!

تلك أعراض البلاءِ القاتلِ ... وعلاماتُ الفناءِ العاجلِ

قد ذَهِلتم من مزايا جنسكم ... واغتررتم بحطامٍ زائلِ

يوبِقُ الرُّوحَ لديكم جَشَعْ ... هل عَرَفتم غير رُوح الكهرُباءْ

مالت الشمس إلى أفق المغيب ... وسيغشي أرضَكم ليل قريبْ

قد تلفتتم إلى الخلف كما ... لو رأيتم شبحَ الليل الكئيب

هل فزعتم من دنوَّ المنحدَرْ ... فخننتُم للصباح المنتظر؟

أم ترى آمنتمو بعد الجحود ... تؤمن النفس إذا الموتُ حضر

مالكم عدتم إلى الروح وما ... شاع عنها من ظهور وخفاء؟

هو ذا الصبح بدا في   (يوكهامه)  ... هل تبينتم على الأفق ابتسامَهْ؟

عادت الشمس إلى مطلعها ... أبداً لن يُخْلِفَ الكون نظامَه

نهض المشرق من غفوتِه ... واهتدى بالحق في نهضته

جعَلَ الماضِي وحياً وهدى ... ومضى يسعى إلى غايته

انظروا تلقوه في إقدامه ... ظافرَ الأيام خَفَّاقَ اللواء

اشترك في نشرتنا البريدية