الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 41الرجوع إلى "الرسالة"

تعتزل الحب !

Share

الكونتس (س) سيدة فى العقد الخامس من عمرها، أما جنسيتها فلا تهم كثيرا لأنها غنية جدا، والمال جواز سفر دولي تستقبل به بالترحاب فى كل مكان، كما إن الكونتس (س) وهي سيدة صالونات - تلم إلماما تاما بجميع اللغات الحية كأنها سكرتيرة ممتازة بعصبة الأمم.

توفي زوجها حديثا فحزنت عليه لأنه كان رجلا طيب القلب، وديعا مطيعا لها مثل كلبها الصيني الصغير (بيبي) وكانت فضلا عن ذلك تتخذه حجابا لستر غزواتها الغرامية الكثيرة، وكانت الكونتس نهمة فى الحب، بل شيوعية، لا تبالى إن قضت ليلتها مع أمير من الأمراء أو مع سائق سيارتها، وتمضي الكونتس (س) زمنا طويلا فى معاهد الجمال، لتصلح أولا فأولا الآثار التي يحدثها الزمن فى وجهها، ولكن هذه الآثار كانت تزداد يوما عن يوم حتى قلقت الكونتس على مصيرها، لما ينتظرها وراء ذلك من شيخوخة محتمة. . لذلك فكرت فى اعتزال الحب، كما فعلت المحظية المصرية الشهيرة تاييس التى روى قصتها الكاتب العظيم اناطول فرانس، أجل! ستفعل الكونتس ما فعلته تاييس قبلها، وتقيم هى أيضا فى كوخ بصحراء مصر النائية.

وفى صباح يوم من الأيام، وبعد أن شاهدت الكونتس فى الليلة تمثيل تاييس بالأوبرا، قالت لوصيفتها مارى: ماري، إننى صممت على أن اعتزل المجتمع. اعدى الأمتعة، سوف نرحل إلى مصر حيث نعيش فى الصحراء فى عبادة وتقشف مثل تاييس المحظية المصرية التى اعجب بتضحيتها كل الإعجاب. . .!

فابتسمت الوصيفة ولم تجب، لأنها مقتنعة إن سيدتها غير جادة فى قولها، وإنها إذا ذهبت إلى مصر فإنما تذهب لتهرب من برد العواصم الأوروبية القارس، ثم عادت الكونتس فقالت: حقا! إننى سئمت المجتمع وما فيه من خدع وخيبة أمل! ولا سيما بعد خيانة صديقي جان، الراقص بفندق (بلاس) آه! إننى كنت احبه حبا عميقا، كما كنت مفتونة بشبابه الغض، كيف استطاع أن

يكذب على وهو فى مثل هذه السن الصغيرة ؟

الوصيفة - ولم لا يكذب المرء وهو صغير فى السن يا سيدتى! إنني كذبت فى طفولتى أضعاف أضعاف كذبى الآن! كم سرقت الكرز من حديقة الجار، فإذا سألت عنه اتهمت الغربان!

الكونتس_هذا شئ آخر، هذه كذبة الطفولة البريئة، إنى أقصد كذب الشباب، إن الشباب يصعب عليه فى نظرى أن يكذب، لأنه ليست بوجهه تجاعيد تستطيع أن تخفي الأكاذيب.

الوصيفة - وكيف عرفت خيانة السيد جان , يا سيدتى !

الكونتس - من عشيقته نفسها !

الوصيفة_عجبا! وما فائدة عشيقته أن تفضح أمر صديقها؟ الكونتس (مستضحكة) _لتنتقم يا بنيتى! إن الوغد كان يخونها مع عشيقة أخرى ثالثة!

ثم أعدت الوصيفة الأمتعة للسفر إلى مصر كمشيئة الكونتس، ولكن لشد ما كانت دهشتها حينما قالت لها سيدتها لدى عودتها إلى المنزل ظهرا: ماري! إننا لا نسافر إلى مصر، إنني أولم في الأسبوع القادم وليمة عشاء تكريما للمثال العبقري هنرى دى. . . فابتسمت الوصيفة وقالت: وما سن هذا المثال العبقري يا سيدتي ؟

الكونتس ( فى إعجاب )- خمسة وعشرون ربيعا !

الوصيفة - اذن لابد أن يكون هذا المثال عبقريا يا سيدتى !

ثم ضحكتا ضحكا عاليا على هذه الملاحظة، ولكن الوصيفة عادت فقالت فى حسرة: يا للأسف على رحلة مصر إنها لن تتحقق! وقد كانت شديدة النفع لما اشعر به من ألم فى المفاصل!

اشترك في نشرتنا البريدية